القضاء في القرآن الكريم (ح 5) (الحاكم القاضي 2)

الدكتور فاضل حسن شريف
يتداخل مصطلح حكم القضاء مع مصطلح العدل. وأهم ما يجب ان يتميز بيه الحاكم القاضي هو العدل بين المشتكي او المدعي والمدعى عليه “فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا” (البقرة 135)، و “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا” (المائدة 8)، و “اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ”، و “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ” (الانعام 152)، و “هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ” (النحل 76)، و “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ”، و “وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ” (الشورى 15)، و “فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا” (الحجرات 9).
القضاء في الحكم يتطلب العدل “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” (النحل 90)، “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ” (النساء 58) وفي الايتين ان الله يأمر بالعدل عامة وخاصة الحكم او القضاء بين الناس. فاي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القاضي إذا كان حكمه غير عادل.
ومن واجبات الانبياء الحكم او القضاء بين الناس في الخلافات والنزاعات بالحق والعدل من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات كما قال الله جل جلاله “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ” (البقرة 213). وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات.
ومصطلح المحكم او التام مصدره من الحكم فعلى القاضي ان يكون حكمه تام لا ريبة او شبهة فيه لان المحكم عكس المتشابه “مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ” (ال عمران 7) وعن تفسير هذه الاية قال الامام الصادق عليه السلام (المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جهله) وبتعبير اخر ان على الحاكم القاضي ان يدرس الامر او الشكوى بامعان ويصدر قراره بحكمة حتى لا يظلم احد.
والعقود والشهود  تتطلب كتابتها في المحاكم والمرافعات و “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ” (الطلاق 2)، و “فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ” (المائدة 95)، و “وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ” (البقرة 235)، و “وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ” (البقرة 283).
ان الاية 282 من سورة البقرة وهي أطول آية في القرآن الكريم توضح أهمية كتابة العقود وخاصة التي تهم قضاء المحاكم “وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ” (البقرة 282)، و “وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ” (البقرة 282)، و “وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ” (282)، و “إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” (البقرة 282)، و “فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ” (البقرة 282)، و “وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ” (البقرة 282)، و “فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا” (البقرة 282).
الشهيد له أهمية في حكم القضاء “وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ” (القصص 75). و الشهيد جمعه شهداء “لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ” (النور 13) ويأتي منها الشهادة وفعله اشهد “وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ” (البقرة 282). والشهيد من أسماء الله الحسنى “قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ” (الأنعام 19).
والقاضي وقت المحكمة ان لا يكون في غضب حيث قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لا يَقضينَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان). وقد ذكرت المصادر ان الغضب له مقاصد مختلفة  فلا يجوز للقاضي أن ينظر في القضاء، أو يجلس إليه، وهو في حالة من الجوع المفرط، والعطش الشديد، والوجع المزعج، ومدافعة أحد الأخبثين، وشدة النعاس، والهم والغم، والحزن والفرح.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here