القضاء في القرآن الكريم (ح 7) (معاني متفرقة 1)

الدكتور فاضل حسن شريف
وجاء القضاء بمعنى استيفاء وتمام الأمر قال الله عز وجل “أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ” (القصص 28) أي الاجلين أتممت واستوفيت الأمر. و قال الله تعالى “فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا” (الأحزاب 37) قضى زيد أي استوفى أو اتم الأمر زيدا. نزلت هذه الآية عندما تبنّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيدًا، فزوّجه من ابنة عمته زينب بنت جحش. ثم طلّقها زيد لعدم انسجامهما. وكان في الجاهلية عرف سائد ان زوجة المتبنى لا يحق لمن تبنى رجلا ان يتزوج زوجته. وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوصي زيد ان يتريث في الطلاق ولكن زيد اصر على ان يطلق زوجته. فنزل جبرئيل بالآية الكريمة “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا” (الأحزاب 37). و هذه الآية ألغت قانون الجاهلية. وبعدها أنزل الله تعالى الآية التي تمنع إلحاق المتبني بالأب غير الشرعي “وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ” (الأحزاب 4-5). فأبطل التبنّي، فدُعِيَ زيد بن حارثة وليس زيد بن محمد.  أن المنافقين طعنوا في زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ابنة ابنه زيد بالتبني وهو ليس ابنه الشرعي لان قانون الجاهلية لا يعترف به القرآن الكريم، فنزلت آية مباركة تأنبهم “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (الأحزاب 40).
ومن معاني القضاء الخلق كما قال تعالى “فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ” (فصلت 12) المعنى العام للقضاء هو الفصل كما اوضحنا في حلقة سابقة عن معنى الفصل، ومن معاني الفصل الخلق. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي الأصل في معنى القضاء فصل الامر، وضمير هن للسماء على المعنى، و سبع سماوات حال من الضمير، و في يومين متعلق بقضاهن، فتفيد الجملة أن السماء لما استوى سبحانه إليها وهي دخان كان أمرها مبهما غير مشخص من حيث فعلية الوجود ففصل تعالى أمرها بجعلها سبع سموات في يومين. وقيل إن القضاء في الآية مضمن معنى التصيير و سبع سماوات مفعوله الثاني، وقيل فيها وجوه أخر.
والقضاء يأتي بمعنى انقضاء العبادة حيث يقول الله سبحانه “فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ  فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ  إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” (النساء 103) وفيه المقطع المبارك “فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ” (النساء 103) أي إذا انهيتم واتممتم العبادة وهي الصلاة. والشخص مكلف بالصلاة إن كان مؤمنا “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” (النساء 103) لان المؤمن اكثر اقبالا على الصلاة، والتكليف ايضا على غير مؤمن “مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ” (المدثر 42-43). و الصلاة في حال القتال تسمى صلاة الخوف ماشيا أو راكبا أو وقوفا بالإيماء مستقبلين القبلة اوغير مستقبليها، وهي من رخص الله تعالى. وصلاة الخوف ركعة بدل أربع ركعات كما في السفر ركعتين.  وبعد انتهاء الخوف او الامان فتتم الصلاة كما هي معلومة وكما  في سورة البقرة آية 239 “فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ”.
 وعن انقضاء العبادة قال الله عز وجل “فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ” (البقرة 200) جاء في تفسير الرازي: لا يحتمل القضاء إلا الفراغ من جميعه  وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد: اذكروا الله عند المناسك ويكون المراد من هذا الذكر ما أمروا به من الدعاء بعرفات والمشعر الحرام والطواف والسعي، كقول القائل إذا حججت فطف وقف بعرفة ولا يعني به الفراغ من الحج بل الدخول فيه، وهذا القول ضعيف لأنا بينا أن قوله: “فإذا قضيتم مناسككم” (البقرة 200) مشعر بالفراغ والإتمام من الكل، وهذا مفارق لقول القائل: إذا حججت فقف بعرفات، لأن مراده هناك الدخول في الحج لا الفراغ، وأما هذه الآية فلا يجوز أن يكون المراد منها إلا الفراغ من الحج.
قال الله تعالى “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ” (الجمعة 10) جاء في تفسير القرطبي هذا أمر إباحة، كقوله تعالى: ” وإذا حللتم فاصطادوا ” (المائدة 2). يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم. “وابتغوا من فضل الله” (الجمعة 10) أي من رزقه. وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here