من روائع الـ 2000 دينار !

احمد الحاج
كان من المزمع المباشرة بهذه الالتفاتة الميدانية قبل يومين الا أن تأخير صرف راتب صديقي قد أجل الموضوع لحين تسلمه راتبه ليطلعني عمليا على الجزء الثاني من “روائع الالفيات” تحت شعار” لاتحقرنَّ من المعروف شيئا ” .
قلت : أنا متحمس للاطلاع على تفاصيل توزيع الـ 2000 دينار التي وعدتني بها فور فراغنا من رائعة الـ 1000 دينار السابقة، وأعلم أن سبب التلكؤ هو تأخير صرف راتبك كعلمي بأنك لن تقبل الاستدانة مطلقا ولو بالقليل ومن أقرب المقربين اليك ،ولكن ومهما يكن من أمر أود أن تطلعني على تفاصيلها لنقوم بعملية عكسية هذه المرة وبخلاف الأولى …ففي الأولى لجأنا الى خلق “افعل الخير أولا وطبقه على نفسك ومن ثم انشر تفاصيله للاقتباس والاستنساخ لاحقا ” ، أما هذه المرة فدعنا” ننشر تفاصيل الخير ومن ثم نعمد الى تطبيقه عمليا وميدانيا بعد أن ألزمنا انفسنا به “.
قال : أوافقك الرأي ففي المرة الأولى نجونا من ” أتأمرون الناس بالبر وينسون أنفسكم ” ومن ” لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ “وذلك بإستباقنا لفعل الخير قبل نشره والدعوة اليه ، أما هذه المرة فسندعو أولا ومن ثم نطبق لندخل في عموم الأية الكريمة ” لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ” .
قلت : بوركت وجزيت ولتكن الصدقة على قلتها مقسمة هذه المرة الى قسمين ، قسم منها ليلي وقسم نهاري ،جزء منها جهري وجزء خفي !!
قال : لماذا ؟
قلت : حتى ندخل في عموم قوله تعالى “ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” ، وبعموم قوله تعالى ” إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”.
قال : نعم الرأي ونعمت النصيحة ولندخل بالتفاصيل اذ أن تجربتنا هذه المرة عن روائع الـ 2000 دينار= دولار وربع تقريبا ، ستكون كالآتي :
– نشتري علبة كمامات بواقع 50 كمامة للعلبة الواحدة بـ 2000 دينار .
– نشتري كرتونة مياه معدنية – أقداح صغيرة- بواقع 60 قدح ماء للكرتونة الواحدة بـ 2000 دينار .
– نشتري كيس كبير من المناديل الورقية متوسطة الحجم يضم 10 علب كلينكس بـ 2000 دينار !
– نشتري علبة تمر متوسطة الحجم بـ 2000 دينار .
– نشتري 8 قناني لبن شنينة صغيرة الحجم بـ 2000 دينار .
المجموع الكلي 10 الاف دينار = 6.5 $ تقريبا
نذهب اولا في النهار لنوزع الكمامات على طلبة المدرسة القريبة عند بوابتها الخارجية لحمايتهم من الامراض المعدية والسارية.
نذهب بعدها لنوزع علب الكلينكس بين سواق التاكسيات لكونها وسائط نقل يستقلها ما لايقل عن 6- 10 اشخاص في اليوم الواحد تقريبا ومناديلنا الورقية ستكون متاحة للجميع – للسائق والركاب – في عز الشتاء .
نذهب بعدها لنضع كرتونة الماء في العارضة المبردة داخل المسجد القريب بنية “سقيا الماء” .
نيمم وجوهنا بعدها تجاه مسجد آخر مع أذان المغرب يوم الخميس ،أو الاثنين حيث يكثر الصائمون – صيام التطوع – فنضع علبة التمر إضافة الى قناني اللبن الشنينة على الطاولة المخصصة لصائمي التطوع ليفطر عليها ثمانية من الصائمين ولنا بكل واحد منهم أجر إفطار صائم على التمر +اللبن .
وبذلك نكون قد وزعنا الكمامات وعلب الكلينكس جهارا نهارا ( الصدقة العلنية لغرض التقليد والاقتباس وإشاعة روح التكافل والمنافسة في أوجه الخير المختلفة )، ووضعنا كرتونة المياه المعدنية نهارا في عارضة المسجد المبردة من دون أن يرانا أحد “لاتعلم شماله ماتنفق يمينه “، ومن ثم ذهبنا الى مسجد ثان ، أولا لنصلي المغرب حاضرا في جماعة ، وثانيا لنفطر صائمي التطوع أو بعضا منهم “مَنْ فَطَّرَ صائمًا، كان له مِثْلُ أجْرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ” .
وبذلك نكون قد أخرجنا الصدقة على قلتها إنطلاقا من “لاتحقرن من المعروف شيئا ” في الليل وفي النهار ، سرا وعلانية ، وكلها لم تكلفنا أكثر من 10 الاف دينار ، زد على ذلك أننا قد دربنا أنفسنا عمليا وميدانيا وبالقليل جدا ريثما ندخل في الكثير لاحقا بإذنه تعالى على آداب الصدقات لأن الكرم والتصدق والانفاق في الخير طاعة وعبادة وخلق ومنهج تربوي عظيم يجب أن يؤدى بحكمة وانضباط كبيرين في القصد والغنى ، في الرضا والغضب وبما يعلمك أن تجاهر بالصدقة متى ما كانت الحاجة الى المجاهرة بها لتعليمها ونشرها ضرورة حتمية ولاسيما في مجتمع أو منطقة او مدينة أو بيئة خلقهم وسجاياهم تشبه خلق وسجايا القرية التي أبت أن تطعم موسى عليه السلام والعبد الصالح شحا وبخلا ” فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ” ففي مثل هذه المواقف وفي مثل تلكم القرى والمدن والبيئات البخيلة حيث يستحكم الشح المطاع ، والهوى المتبع ، والدنيا المؤثرة ، واعجاب كل ذي رأي برأيه ، يتوجب إظهار الاحسان والصدقات وأفعال الخير قدر الامكان ليقلدها الناس وحتى لايظن أحد بأن الخير قد توارى عن الأنظار وتلاشى من الوجود وحتى لايشملنا الله تعالى بغضبه ، فعادة ما تسمع عند فعل الخيرات في بيئات كهذه قولهم ” والله الدنيا ما تزال بخير ..ولو خليت قلبت ” وذلك لقلتها، وقد أخفينا الصدقة في أخرى ،ووزعنا بعضها في الليل وبعضها في النهار ولايفوتنك وانت تخرج الصدقات ، قلت أو كثرت أن تكثر من الاستغفار ومن الصلاة على المصطفى المختار وأن تحمد الله تعالى أن جعلك من أهل الخير والإنفاق والصدقة واليسار، ولم يجعلك من البخلاء ومن عشاق التقتير والتبذير والإسراف والإقتار .اودعناكم اغاتي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here