في صحبة الشيطان : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم
كان الرجل الذي أصيب بنوبة نزيف دماغي خطير ليصبح على أثره نصف مشلول وهو يتحرك بصعوبة مجهدة وبالغة ، فقد كان لا يكف ليلا و نهارا عن ترديد القول وإطلاق اللعنات بحق الشيطان بنبرة رتيبة معتادة و مكررة بين فترة و أخرى و على نحو :
ــ عوذ بالله من الشيطان الرجيم ..تفوا .. تفوا .. تفوا عليك أيها الشيطان اللعين !..
كان يردد ذلك بصوت عال وهو يحمد الله و يشكره على نعمته التي ينتظرها أن تأتي في اية لحظة قادمة ، دافعا عربته بصعوبة بالغة وحركة بطيئة بحكم عوق وإصابات قديمة ..
كان يرجع إلى البيت أحيانا خاوي الوفاض والجيب مع انهاك شديد ، شاكيا لزوجته بمرارة كيف لم يحصل على رزق طوال اليوم ليختم كلامه شاتما الشيطان و محملا إياه مسؤولية ذلك :
لم أحصل على رزق .. اللعنة على الشيطان الرجيم و إبليس اللعين ..
بعد تناول ما تيسر من طعام يسير وبسيط ، يسند ظهره على وسادة ليأخذ قسطا من راحة أو قيلولة خفيفة و سريعة ، ولكنه بدلا من راحة يجد نفسه في شارع مجهول يدفع بعربته كالعادة وإذ برجل طويل و أنيق الملبس وبشوش الوجه يخاطبه طالبا منه حمل و نقل بعض الأغراض والضائع إلى بيته الواقع في الضاحية القريبة ، وهو بيت جميل الذي يجعل الحمّال يفتح فمه مندهشا من فخامة البيت وبياض رخامه الناصع و مزهرياته الضخمة المتلألئة مثل ثريات بعض المراقد و خاصة أثاثه الثمين ، بعدما افرغ عربته من الأغراض والبضائع يسأل الرجل الأنيق الحمّال ما هو المبلغ المطلوب مقابل نقل الأغراض فطلب الحمّال مبلغا ما فدفع له الرجل الأنيق مبلغا مضاعفا ومجزيا ،فقبّل الحمال النقود ثم رفعها إلى نحو الأعلى بمحاذاة جبينه وهو يقول بعرفان :
ــ الحمد لله على هذا الرزق الكبير وألف لعنة عليك أيها الشيطان الرجيم ..
فما كانت دهشته عندما سأله الرجل الأنيق بعتب لطيف مع ابتسامة لطيفة :
ــ لماذا تشتمني وتلعنني ليلا ونهارا وهل فعلت لك شيئا سيئا أيها السيد ؟..
استغرب الحمال ونظر بدهشة و ذهول إليه ، وهو يهز رأسه نافيا ، ليضيف موضحا :
ــ أنا لم اسبك أنت أنما شتمت الشيطان ..
ــ طيب ما رأيك إذا قلت لك أنا الشيطان ..
ــ ولكن ..ولكن .. همم …أنت لا يمكن أن تكون شيطانا ..
ــ طيب إذن فدعني أسألك سؤال واقعيا : بإرادة من تعرضتَ لنوبة نزيف دماغي خطير لتصبح على أثره نصف مشلول؟.. وبإرادة من أصبح طفل جارك الثالث الصغير مصابا بمرض السرطان ومات موتا مؤلما و فظيعا وهو لم يبلغ بعد عامه الثالث ؟.. وهو طفل بريء جدا و بلا أي ذنب أو اثم يُذكر ؟ ..
ــ طبعا بإرادة الله ..
ــ حسنا .. و بإرادة من أنت فقير ؟ ومحروم من أبسط الأشياء؟..
ــ طبعا بإرادة الله ..
ـــ صح جوابك !.. نعم بإرادة الله .. لأن الله هو نفسه القائل في القرآن أنه يرزق مَن يشاء .. و طبعا وضمن هذا المفهوم فهو يغني و يثري من يريد ؟ ..تمام أم أنا غلطان ؟..
ــ نعم .. تمام !..
و ختم الرجل الأنيق أسئلته بنبرة عتاب :
ــ طيب!.. لماذا إذن تشمني و تلعنني أنت ليلا ونهارا ؟.. فما ذنبي أنا بكل هذه المصائب المؤسفة التي حلت بك بإرادة الله كما تقول بالذات ، زائدا فقرك المدقع بالرغم من كونك كادحا شهما تعيش بعرقك جبينك بشرف ونزاهة ؟.
ــ همم ..لا أعرف .. حقيقة .. منذ صغري علموني على أنه انت سبب كل المصائب و النكبات والمآسي التي حدثت و تحدث في العالم ..
ــ أنا أفهم أن بيئتك علمتك أشياء كثيرة منذ صغرك و حتى الآن .. ولكن لا تنسى إنه عندك عقلا عظيما حتى تفكر تفكيرا منطقيا .. فهو وحده فقط سيساعدك حتما في التمييز والتفريق بين ما هو واقعي و معقول و بين ما هو غير معقول و غير منطقي …..لو استخدمته جيدا ………….. و ……
فجأة أخذ الحمّال يصحو على صوت زوجته تناديه وتطلب منه النهوض والخروج إلى الشارع بعربته مثلما تعوَد بعد تناول طعام الغداء و أخذ قسطا
من قيلولة و راحة ، عسى ولعل يرزقه الله ببضعة دراهم وفلوس ، فرد الزوج بنبرة تباه و افتخار بأنه اليوم لن يذهب للعمل بعد الظهر..لأنه قرر أن يرتاح حتى اليوم الثاني ، لأن الله قد رزقه بزرق مجز ، بعدما نقل أغراض رجل غني وأنيق إلى بيته الفخم .. و أراد أن يصف البيت كم هو بيت فخم جميل ، و إلا أن زوجته ردت عليه قائلة بلهجة اسف و أسى !..
ــ عندما رجعت للبيت قلت أن الله لم يرزقك بشيء .. ربما كنت تحلم يا زوجي المسكين بذلك الرزق المجزي .. أعتقد كان حلما مسليا .. حتى كنتَ تضحك بصوت عال وبمرح لطيف ..
عند ذاك قام الرجل و اندفع كملسوع ، نابشا في جيوب سترته بحثا عن النقود التي استلمها من الرجل الأنيق مقابل عمله ولكنه لم يجد شيئا فغضب حانقا شديدا وهو يردد :
ــ عوذ بالله من الشيطان الرجيم ..ألف ألف لعنة على روحك أيها الإبليس اللعين
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here