بمناسبة يوم الشهيد العراقي: الشهادة بمفهوم التضحية بالنفس في القرآن والسنة

د. فاضل حسن شريف
كلمة الشهادة والشهيد في القرآن الكريم لم تأتي لتعني الشهادة بالمفهوم المتعارف عليه وهو التضحية في سبيل الله، وإنما جاء بمعنى البصر او السمع او العلم ومنها قوله تعالى “وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد” (المجادلة 6)، و “عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ” (الأنعام 73)، و “وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِم” (المائدة 117). اما الشهادة بمعنى التضحية في سبيل الله تعالى فقد ورد في الغالب لفظ القتل في سبيله سبحانه كما في قوله عز وجل “وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء 74)، و”وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ” (البقرة 154)، و “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (ال عمران 169)، و “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ” (التوبة 111)، و “وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” (ال عمران 157).
ووردت الشهادة بمعنى التضحية في النفس في السنة كما جاء في الرواية: ان خيثمة أبو سعيد قال للنبي صلى الله عليه واله وسلم وهو في طريقه إلى غزوة أُحد: يا رسول الله، إمَّا أنْ يُظهرنا الله عليهم، أو تكون الأخرى، وهي الشهادة التي أخطأَتْني في غزوة بدر، فلقد بلَغ من حِرْصي عليها يا رسول الله أنِّي استهمتُ أنا وابني في الخروج إلى معركة بدر؛ ليبقى أحدُنا يعولُ الأهل، وخرَج السهم له وذهَب إلى القتال في بدر، ورزَقه الله الشهادة، وقد رأيتُ ابني البارحة في النوم وهو يقول لي: الْحِقْ بنا يا أبتِ، ورافقني في الجنة؛ فقد وجدتُ ما وعَدني ربِّي حقًّا، وهكذا يستمرُّ في حديثه وهو يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يَطلب منه الإذن والدعاء له بالاستشهاد ثم يَختم قوله: لقد أصبحتُ مشتاقًا إلى مرافقة ابني وإخوانه من الشهداء، كما أحببتُ لقاءَ الله؛ فادعُ الله لي بالشهادة يا رسول الله.
وجاء في الحديث الشريف في قول الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم: (ما من نفسٍ تموت، لها عند الله خيرٌ، يَسُرها أنها ترجع إلى الدنيا وأنَّ لها الدنيا وما فيها، إلاَّ الشهيد؛ فإنَّه يتمنَّى أنْ يرجِعَ، فيُقْتل مرة أخرى)، و (إنَّ الشهيد عمرو يتبخْتر بعرجته في الجنة)، و (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يَرجِع إلى الدنيا، وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ فإنه يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشر مرات؛ لما يرى من الكرامة)، و (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)، و (ما يجد الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة)، و (الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته)، و (يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه؛ يُكفَّر عنه كل خطيئة، ويَرى مقعده من الجنة، ويُزوَّج من الحور العين، ويؤمَّن مِن الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر، ويُحلى حلة الإيمان).
والسنة سمت الذي يضحي بنفسه في سبيل بالشهيد لان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وملائكته يشهدون له بالجنة والمغفرة بإذنه وكما جاء في قوله تعالى “وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ” (الانبياء 56)، و “فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ” (المائدة 83)، و “وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ” (ال عمران 140)، و “وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” (النساء 69). وان روحه رُوحَهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وهي الجَنَّة. وإن الشهيدَ يُبعث يوم القيامة وله شاهدٌ بقتله، وهو دمه. و الشهيدَ حاضرٌ شاهدٌ حيٌّ عند ربه، ليس بميت كما قال الله سبحانه “وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزقون” (ال عمران 169)، و “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ” (البقرة 154).
والشهادة في سبيل الله أفضل صفقة بيع وشراء مع الله عز وجل “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ” (البقرة 154)، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” (الصف 10-11).
النصر والشهادة تسميان الحسنيين اما النصر او الشهادة “قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ” (التوبة 52) ونتيجة الحسنيين وهما من احسن الاعمال الجنة كما قال الله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلً أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ جَنَّٰتُ عَدْنٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ” (الكهف 30-31).
والإسلام دين فيه مبدأ الدفاع وليس الاعتداء، فالبداية مع العدو تكون كما قال الله تعالى “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (النحل 125) و ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة 83) حيث تتطلب الرحمة وعدم الغلظة “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (ال عمران 159) وإذا لم يردعهم عفوك فاعزم وتوكل على الله. ولكن بعد مقدمات التعامل الحسن وعند استمرار الاعداء بغيهم فإن الله تعالى طلب من رسوله التعامل بقسوة وشدة مع هؤلاء الأعداء “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ” (التوبة 73) ولا يمكن تطبيق الآية فيهم “عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ” (المائدة 95).  ولا يلدغ المؤمن مرتين وهكذا تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الاطهار عليهم السلام ومنهم الحسين عليه السلام مع الاعداء فاما النصر او الشهادة. وعلى طريق أبي عبد الله فان محبيه سائرون على طريقه في مقارعة الأعداء.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here