حب وكراهية منذ الصغر :

بقلم ( كامل سلمان )

انا احب مايحب ابي واكره ما يكرهه ابي ، انا احب ما يحب صديقي واكره ما يكرهه صديقي ، انا احب ما يحبه رجل الدين في محلتنا واكره ما يكرهه رجل الدين عندنا . . هكذا تولد عندي الحب والكراهية منذ الطفولة مجرد تقليد لمن احب ، فهؤلاء هم عالمي الذي ارتبط بهم اضافة الى الام والاخ والاخت والاقربون ارتبطت بهم عاطفيا وعندما كبرت ظل هذا الشعور الانقيادي ممزوج بعواطفي ، فعندما يدخل احدهم في عالم السياسة سأظل تحت عباءته في الحب والكراهية مهما اساء ومهما اخطأ فهم بالنسبة لي خط احمر لا ارى سيئاتهم سيئات فقد غطى حبي لهم مدى الرؤيا ، هذا هو حال مجتمعنا لا يزيغ عن هذه القاعدة ، فعندما كشر رجال الدين وهم يقودون مجتمعنا عن انيابهم واظهروا حقيقة غير التي كنا نعرفها عنهم سأبحث وسأختلق المبررات لهم كي احتفظ بنفس القدر من الحب الذي اعطيتهم منذ الصغر ، لإنهم هم احتفظوا بالمنبر الذي يناغي ويداعب مشاعري فسأبقى وفيا مخلصا تابعا دون ان اسمح لنفسي التمرد على حبهم رغم انني ارى بأم عيني ما يفعلون من سوء وقد يستغرب من لا يعرف هذا الارتباط ويستغرب هذه العبودية ولكن عندما يعرف حقيقة المشاعر واساسها سيزول عنه الاستغراب . العائلة لم تزرع فينا استقلالية في التفكير لإنها لا تعرف معنى الاستقلالية وكذلك المجتمع يرفض استقلاليتي ، والمدارس لم تكن سوى تلقين للمواد الدراسية ، فمن ذا الذي سيبني شخصيتي المستقلة كي اقف وانا كبير لأقرر حياتي وادافع عن كرامتي التي تم سحقها من قبل هؤلاء الذين كنت ومازلت احبهم ، انا لست مغفلا ولكنني مدجن و المدجن لا يملك قرار لنفسه ، نعم انا اليوم اعاني من سوء بنائي الفكري وأتألم لحال اولادي وغير قادر على فعل شيء كلها بسبب البدايات السيئة التي بدأت بها مشوار حياتي … هذه كلمات قالها لي احدهم وهو يشرح لي لماذا انه ومجتمعه ساكت وغير قادر ان يحرك ساكنا امام ما يتعرض اليه المجتمع من ظلم وحرمان على يد من احبهم بالامس .
الحقيقة انا اتفهم ما قاله صاحبي وهي الحقيقة الكاملة التي يعاني منها معظم الناس الا وهو الارتباط الروحي بقادة اليوم وخاصة العناوين الدينية ، حتى انه قال لي بإنه سيكرهني إذا ما سولت لي نفسي الاساءة الى اي منهم حتى وان كان كلامي فيه الصدق والدليل .
السؤال هل يستطيع المثقف الكاتب ايجاد شرخ في هذا الارتباط الاعمى وبعث الحياة لهذا الإنسان من سباته وسكرته الطويلة ؟ نعم ثورة تشرين فعلت ذلك ولكنهم سرعان ما قاموا بردم الهوة مرة ثانية ، استطاعت ثورة تشرين ذلك عندما رأى هذا الإنسان ابنه وابنته يصرخون مطالبين بحقهم فتغيرت العواطف والاحاسيس لإن الابناء هم الاغلى ولا مساومة على الابناء . تشرين غيرت نفوس الناس وخلقت مشاعر جديدة عند الناس وستبقى تتفاعل مع دماء الشهداء الشباب والجرحى و المعوقيين فهي البداية التي قصمت ظهر الماضي المقدس وخلقت مجتمعا اخر يختلف ، واليوم نرى بكل وضوح اثار ثورة تشرين وتأثير امواجها تضرب نفوس المتسلطين وتزلزل مضاجعهم ولا خلاص لهم منها الا بالتغيير الجذري .
تعال معي ياصاحبي لنضع النقاط على الحروف . هل خلقنا انا وانت كي نكون تحت رحمة من لا رحمة له ؟ هل سأعيش اكثر من هذه الحياة التي اعيشها لكي اعوض ابنائي ما خسرته انا وما سيخسره ابنائي ؟ هل الندم وندب الحظ سيعيد لي كرامتي وحقي المسلوب ؟ وعشرات الاسئلة التي لا اجد لها الجواب ، وكل هذه التساؤلات لو بحثت عنها سأجد الجواب موجود في نفسي وفي داخلي وانا وحدي فقط من يستطيع الرد ان قررت ذلك ، وهو ان اتغير انا اولا وانتفض على الاساس الذي تربينا عليه وانظر الى الحياة بمنظار اكثر واقعية واكثر جدية . فلسنا اقل الشعوب كرامة كي نرضى بالسيء ولسنا اقل عقلا كي يتم خداعنا تكرارا . فهذا العراقي المولود في ارض الرافدين والشارب من ماء دجلة والفرات يبدع وينتج اينما حل به الزمان بل ويبرز من بين الاخرين ، فلماذا نظلم انفسنا وانفسنا عزيزة لا تستحق الظلم . العواطف لم ولن تنهض بالإنسان الى العلا ، طفولية العقل لها مرحلة زمنية لا يصح لها ان تستمر ، صحيح نحن بشر من دم ولحم وعواطف واحاسيس وصحيح ايضا ان نعيش المسؤولية امام الاجيال التي تنتظر منا الكثير ، ما نعانيه اليوم بسبب تقصير الاباء في مسؤولياتهم فلا ينبغي ان نحذو حذوهم ونعيد الكرة على الابناء ، فالواجب علينا ان نتحمل عبء المسؤولية مهما تعقدت لكي نوفر للأبناء ما يجعلنا مفخرة لهم لا ان نكون لعنة عليهم .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here