اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره عن سورة البقرة (ح 5)

الدكتور فاضل حسن شريف
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ان صلاة الجماعة: تحتوي على عدة عناصر، مأخوذةٍ بنظر الإعتبار شرعياً وفقهياً، بالرغم من أنَّ المؤدى اللغويَّ لها لا يتضمن أكثر من أنَّ جماعةً لا على التعيين يؤدون الصلاة في زمنٍ واحدٍ ومكانٍ مشترك. العنصر الأول: الإمامة في الصلاة، فلا توجد صلاة جماعةٍ بلا إمام. العنصر الثاني: وجوب متابعة المأموم أو المأمومين لأفعال الإمام في صلاته. العنصر الثالث: إيمان الإمام وعدالته “وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” (البقرة 124). العنصر الرابع: عدم الفاصل الكثير بين الإمام والمأمومين، أو بين المأمومين أنفسهم, وإلا بطلت صلاة المتأخر وصحت صلاة الملتحق. العنصر الخامس: اشتراكهم الزمانيّ في الصلاة. فإنَّ هذا ثابتٌ بالضرورة لغوياً وفقهياً. العنصر السادس: اشتراط الذكورة مع كون المأمومين رجالاً أو فيهم الرجال، بخلاف ما لو كانوا نساءاً متمحضة. العنصر السابع: اشتراط أن لا تكون صلاة الإمام أدنى من صلاة المأموم في بعض الصفات، فلا يجوز إمامة المتيمم بالمتوضئ أو القاعد بالقائم, أو المضطجع بالقاعد، أو الألثغ ونحوه بالفصيح.
ولكلٍّ من هذه العناصر رمزيته الخاصة أو المشتركة بينه وبين غيره. فالإمامة في الصلاة, ترمز إلى التقدم في كثيرٍ من الأشياء تقدماً يرتبط بالآخرين, وليس أنَّ مجرد الآخر أثرى منه, أو أكثر مؤلفاتٍ, أو أوفر في فرصة العمل. بل هو تقدمٌ يرتبط بالآخرين، كتقدم المربِّي على من يربيه، والمرشد على من يرشده, والموجه على من يوجهه، والمعلم على من يعلمه, والقائد على من يقوده، والهادي على من يهديه, والناصح على من ينصحه، إلى غير ذلك كثير. والإمامة كذلك هي العنصر المركزيُّ الذي ترتبط به العناصر الأخرى، كشرائط الإمام ووجوب متابعته ونحوها، ولا معنى لتابعٍ من دون متبوع, أو مأمومٍ بدون إمام.
جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في موارد جواز الإفطار: وهي، كما هو معروفٌ فقهياً، المرض والسفر. كما قال الله سبحانه: “فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (البقرة 184) يعني يجب عليه أن يفطر من يومه ويقضيه في أيامٍ أخر. وقد عرفنا خلال الفقرات السابقة من الحديث المعطى المعنويَّ للصوم وللإفطار. وكذلك عرفنا المعطى المعنويَّ للسفر عندما تحدثنا عن صلاة القصر. وبذلك يمكن أن يتحصل للقارئ اللبيب معنى الإفطار في السفر. وفي الواقع، فإنَّ هناك عدة وجوهٍ معنويةٍ يمكن الرمز إليها بالإفطار في السفر، نقتصر على ذكر اثنين منها: الوجه الأول: ما تحصل مما سبق, حيث قلنا: إنَّ الصوم هو الإبتعاد عن ملاذِّ الدنيا، والإفطار هو الأخذ منها أو بها. والسفر هو الإبتعاد عن الأهل إلى دار الغربة. فمن هنا فقد يصبح من الراجح الإفطار في دار الغربة، ولو موقتاً لعدة أسباب: منها: كتم الصوم عن غير الأهل، بحيث يحسب الآخرون أنَّ هذا الفرد ليس بصائم، وأنه غير ملتزمٍ للأمور المعنوية. ومنها: أنَّ ممارسة الغربة قد تحدث ضعفاً في النفس عن تحمل الصوم، فيكون من الأرجح إعطاؤه الراحة بعض الوقت، ريثما تعود مجدداً إليه. الوجه الثاني: إنَّ السفر كما يمكن أن يسبب الإبتعاد عن الأهل والوطن، كذلك يمكنه أن يسبب الإقتراب منهم, فهو سفرٌ إليهم بدلاً عن أن يكون سفراً عنهم.
جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في معنى القضاء: قال الله تعالى: “فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (البقرة 185). وهو إشارةٌ إلى القضاء بعد أن يكون الصوم في وقته الأصليِّ وأيامه الحقيقية لم ينجز، وإنما حصل الإفطار فيها. إذن، فينبغي أو يجب تكريس أوقاتٍ أخرى أو أيامٍ أخرى لممارسة الصوم من جديدٍ في غير موعده الأصليّ، وهو معنى القضاء. غير أننا يمكن أن نفهم لقضاء الصوم عدة معانٍ، على اعتبارٍ يعود إلى معنى القضاء نفسه:
أولاً: أن يكون معنى القضاء إصدار الأمر والتشريع. فيكون معنى قضاء الصوم إيجابه والأمر به. ثانياً: أن يكون القضاء بمعنى الأداء، بالإصطلاح الفقهيّ، وهو الإيجاد والإنجاز، يعني إذا أنجزت وتمت، فيكون معنى قضاء الصوم إنجازه وإتمامه، سواءٌ كان في موعده المعين أو في أيامٍ أخرى. ثالثاً: أن يكون القضاء بالمعنى المصطلح فقهياً، وهو ممارسته خارج وقته, وهذا يعني أكثر من معنى. فإنَّ أوقات أو مناسبات الإفطار التي ذكرناها في الفقرة السابقة، إنما هي وقتٌ حقيقيٌّ للصوم، غير أنَّ الفرد باعتبار تلك الأسباب سيمارس الإفطار، ومعه فسوف يكون مسؤولاً عن العودة إلى الصوم بعد زوال ذلك السبب. ونوكل تطبيق ذلك إلى فطنة القارئ الكريم. ولكن قد يخطر في البال: أنَّ كل الأزمان قابلةٌ لأداء الصوم، كأيام السنة القابلة لممارسة الصوم المستحبِّ فيها، فإذا أفطر الفرد في بعض الأيام وصام في بعضها، لا يكون اليوم الذي صامه بمنزلة القضاء عن اليوم الذي أفطره، بل يكون أداءاً لتكليفه الحاليِّ الأدائيِّ بطبيعة الحال. ومن هنا لا يكون هذا المعنى من الصوم قابلاً للقضاء، بل هو أداءٌ باستمرار. إلا أن يراد به معانٍ أدق نسبياً، كمضاعفة الجهد بعد ارتفاع المانع فيكون المقدار الزائد من الجهد بمنزلة القضاء لما فات، حتى لا يكون فوته سبباً لبطء السير أو بعد الهدف. كما أنَّ هذا الجهد الزائد، قد يعني إعطاء الكفارة عن الصوم الفائت فيما سبق، الذي قد يكون فات عمداً، ليكون هذا سبباً للعفو عن مثل هذا الزلل والهفوة، وهو معنى الكفارة, بمعنى تغطية الذنب والتجاوز عنه، حتى كأنه لم يكن.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here