في ذِكرى مولدِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في [١٣] رجب الأَصب؛   الإِنتماءُ… سلوكٌ

Image preview

                             نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   مَن مِنَّا لا يتغنَّى بالإِنتماءِ لعليٍّ (ع)؟!.

   حتَّى السَّفلة مِن الطُّغاة وحُكَّام الجَور الذين يفتخِرُونَ بشجرةِ العائلةِ يحرصُونَ على أَن تنتهي إِلى أَميرِ المُؤمنينَ (ع) حصراً دونَ غيرهِ من [الخُلفاء] عندمايريدُونَ أَن يضحكُوا على المُغفَّلينَ ويُضلِّلوا الرَّأي العام ويتستَّرُوا بالمُقدَّس.

   معَ كلِّ هذا إِلَّا أَنَّ واقعَنا مُرٌّ وحالَنا مُتدهوِرٌ ووضعَنا كارثِيٌّ يُرثى لهُ على كُلِّ الأَصعدةِ!.

   فأَينَ الخللُ؟! أَينَ المُشكلةُ؟! أَينَ الخطأُ في كلِّ هذا؟!.

   للإِجابةِ على كلِّ هذهِ التَّساؤُلات وغيرِها فتِّشوا في الإِنتماءِ!.

   فالإِنتماءُ على نوعَينِ؛ إِنتماءُ الهويَّة وانتماءُ الوَلاء!.

   الأَوَّل باللِّسانِ والثَّاني بالسُّلوكِ.

   والأَوَّل بالخطابِ والثَّاني بالأَثرِ!.

   الأَوَّل سياسيٌّ وإِعلاميٌّ تسمعُ عنهُ بالثَّرثرةِ، نختلفُ فيهِ ولا ضيرَ! والثَّاني عقدِيٌّ رساليٌّ إِلهيٌّ شاملٌ نتَّفقُ عليهِ ولا نختلفُ فيهِ.

   الأَوَّل يستحضِرُ الأَشخاص والثَّاني يستحضرُ الفِكر والقِيم والمنهج.

   وبهذا الفارقُ تحديداً ميَّزَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بينهُما!.

   فلقد قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! فَقَالَ (ع) {يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْتَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ}.

وقولُهُ {إِنَّهُ ملبُوسٌ عليكَ، وإِنَّ الحقَّ والباطِلَ لا يُعرفانِ بالنَّاسِ، ولكن اعرفِ الحقَّ تعرِفُ أَهلهُ، واعرفِ الباطِلَ تعرِفُ مَن أَتاهُ}.

   إِنتماءُ الهويَّة هوَ الذي عانى منهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) كما في قولهِ {يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْأَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِيبِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ}.

   وقولُهُ (ع) {لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ}.

   أَمَّا إِنتماء الوَلاء فلقد كانَ (ع) يفتخرُ بهِ ويتحسَّر عليهِ كما في قولهِ {أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَأَيْنَ ذُوالشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَأُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ} ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ، ثُمَّ قَالَ(ع) {أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ}.

   ولقد لخَّص (ع) الفرق بين الإِنتماءَينِ بقولهِ {إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ}.

   فالكثرةُ في الباحاتِ عند الدِّعةِ دليلُ الإِنتماءِ بالهويَّةِ، أَمَّا القلَّةُ تحتَ الرَّاياتِ عندَ البلاءِ فدليلُ الإِنتماءِ بالولاءِ.

   ولإِنتماءِ الولاءِ مظاهرٌ تتجسَّد في السُّلوكِ أَوَّلها التميُّز كما في قولِ الإِمامِ جعفرِ بن محمَّد الصَّادق (ع) {ليسَ مِن شيعتِنا مَن كانَ في مدينتهِ مَن هوَ أَفضلُمِنْهُ}.

   وكذا عندما يَكُونُ الشِّيعيُّ في السُّلطةِ، متميِّزٌ في النَّزاهةِ والإِنجازِ!.

   هذا يعني أَنَّ المُفاضلة في إِنتماء الهويَّة يجري بينَ سيِّءٍ وأَسوء، كأَن تكونَ بينَ فاسدٍ وأَفسدَ منهُ، وجاهلٍ وأَجهلَ منهُ وفاشلٍ وأَفشلَ منهُ!.

   أَمَّا في إِنتماءِ الولاء فالمُفاضلةُ بينَ حسنٍ وأَحسنَ منهُ، وناجحٍ وأَنجحَ منهُ ونزيهٍ وأَنزهَ منهُ وعالمٍ وأَعلمَ منهُ وخبيرٍ وأَخبرَ منهُ وهكذا!.

   وإِذا أَردتَ أَن تتعرَّفَ على نوعيَّةِ إِنتماءِ [شيعةِ السُّلطةِ] تابع معاييرِ المُفاضلةِ فقط!.

   ولطالما حذَّرَ أَهلُ البيتِ (ع) ونبَّهُوا مِن إِنتماءِ الهويَّة لأَنَّهُ نوعٌ من أَنواعِ النِّفاقِ وازدواجِ الشخصيَّة، وهو خطيرٌ يضرُّ بسُمعتهِم.

   إِنَّهُ تجارةٌ وشَينٌ ومُصيبةٌ على أَئمَّةِ الهُدى، كما في قولِ الإمام جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) الذي طالما ابتُليَ بهذا النُّموذج السيِّء {الشِّيعةُ ثلاث؛ مُحبٌّ وادفهو مِنَّا، ومُتزيِّنٌ بِنا ونحنُ زَينٌ لِمَن تزيَّنَ بِنا، ومُستأكِلٌ بنا النَّاس، ومَن استأكلَ بِنا افتقَر} وقولهُ (ع) {يا معشرَ الشِّيعة إِنَّكُم قد نُسِبتم إِلينا، كونُوا لنا زَيناً، ولاتكونُوا علينا شَيناً} و {رحِمَ الله عبداً حبَّبنا إِلى النَّاسِ ولَم يُبغِضنا إِليهِم}.

   أَمَّا إِنتماءُ الولاءِ فرِسالةٌ أَوَّلاً وأَخيراً، باستحضارِ النُّموذج والمنهجِ.

   كما أَنَّ الحُسين السِّبط (ع) إِبتُليَ بهذهِ النَّماذج كما يشرحُ في جانبٍ منها هذا النَّص التَّاريخي [لمَّا نزلَ (ع) [زبالة] أَخرجَ للنِّاسِ كِتاباً فقرأَهُ عليهِم فإِذافيهِ {بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم، أَمَّا بعدُ فإِنَّهُ قد أَتانا خَبرٌ فظيعٌ؛ قتلُ مُسلم بن عقيلٍ وهانئ بن عُروة وعبدالله بن يقطُر، وقد خذَلنا شيعتُنا، فمَن أَحبَّ منكُمالإِنصراف فلينصرِف في غيرِ حرجٍ وليسَ عليهِ ذِمامٌ} فتفرَّقَ النَّاسُ عنهُ وأَخذَ يميناً وشِمالاً حتَّى بقِيَ في أَصحابهِ الذين جاءُوا معهُ مِن المدينةِ ونفرٌ يسيرٌ ممَّنانضمُّوا إِليهِ].

   لقد رسمَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) وحدَّد معاييرَ لكُلِّ شيءٍ للتمييزِ بينَ الولاءَينِ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ، ومِنها على سبيلِ الفرضِ [السُّلطة]!.

   فهيَ في مفهومِ الإِمامِ كما يصفها (ع) {كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُلِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِبِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِأَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ}.

   وقولهُ (ع) {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِيبِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ}.

   أَمَّا مِعيارُ العدلِ فهوَ الحقُّ والباطلُ وليسَ الإِنتماءُ والهويَّة والعشيرة والنَّسب فلقد قالَ (ع) {وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَاعِنْدِي هَوَادَةٌ وَلَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.

   وأَنَّ معيارَ الإِلتزامِ التَّضحيةُ كما في قولهِ (ع) {وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَأَحْجَمَ النَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِفَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ وَلَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَمَنِيَّتَهُأُجِّلَتْ}.

   والفرقُ بينَ الإِنتماءَينِ يظهر ويتجلَّى في السُّلوكِ فقط، وما عداهُ شِعارات للتستُّر بالمُقدَّسِ لخِداعِ المُغفَّلينَ وتضليلِ الرَّأي العام!.

   يقولُ الإِمامُ الصَّادق (ع) {لَو أَنَّ شيعتنا استقامُوا لصافحتهُم الملائِكة، ولأَظلَّهُم الغَمام ولأَشرقُوا نهاراً ولأَكلُوا مِن فَوقهِم ومِن تحتِ أَرجُلهِم، ولَما سأَلُوا اللهشيئاً إِلَّا أَعطاهُم}.

   ولقد قالَ أَحدهُم؛ كنتُ عندَ أَبي عبد الله (ع) فدخلَ رجلٌ فسلَّمَ فسأَلهُ؛ كيفَ مَن خلَّفتَ مِن إِخوانِكَ؟! قال؛ فأَحسنَ الثَّناء وزكَّى وأَطرى، فقالَ لهُ (ع) كيفَعِيادةَ أَغنيائهُم على فُقرائهِم؟! فقالَ؛ قليلةٌ، قالَ؛ فكيفَ مُشاهدةَ أَغنيائهِم لفُقرائهِم؟! قالَ؛ قليلةٌ، قالَ؛ فكيفَ صِلةَ أَغنيائهِم لفُقرائهِم في ذاتِ أَيديهِم؟! قالَ؛ إِنَّكَلتذكرُ أَخلاقاً ما هيَ فيمن عِندنا، فقالَ (ع)؛ فكيفَ تزعمُ هؤُلاء أَنَّهُم شيعةً؟!.

   إِنَّ إِنتماء الوَلاء يقومُ على مُعادلةِ الحقِّ والباطل أَمَّا إِنتماء الهويَّة فيقومُ على قاعدةِ هويَّة مُقابل هويَّة فقط!.

   فالزُّبير مثلاً كانَ في كلِّ حياتهِ [شيعيّاً] لكنهُ ماتَ [سُنيّاً] كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ الْمَشْئُومُ عَبْدُاللَّهِ}.

   على العكسِ منهُ كانَ الحرُّ بن يزيد الرِّياحي الذي كانَ في كُلِّ حياتهِ أَمويّاً إِلَّا أَنَّهُ ختمها بشهادةٍ مدوِّيةٍ فماتَ شيعيّاً في لحظةِ موقفٍ تاريخيٍّ نادِراً مايتكرَّر، حتَّى قالَ عنهُ الحُسين السِّبط(ع) في كربلاء في يومِ عاشوراء {أَنتَ حُرٌّ كما سمَّتكَ أُمَّك، أَنتَ حُرٌّ في الدُّنيا وسعيدٌ في الآخِرةِ}.

   وأَنَّ قَول الحُسين السِّبط (ع) {أَلا ترَونَ إِلى الحقِّ لا يُعملُ بهِ وإِلى الباطلِ لا يُتناهى عنهُ} يُشيرُ بما لا يدع مجالاً للنِّقاش إِلى أَنَّ الحقَّ واحدٌ لا علاقةَ لهُبالهويَّة المُجرَّدة، وأَنَّ أَولى النَّاسَ للعملِ بهِ هوَ الشِّيعي كما في قولهِ (ع) {وأَنا أَحقُّ مَن غَيَّر} و {مثلي لا يُبايعُ مثلهُ}.

   وللتَّمييزِ بينَ الولاءَين فإِنَّ الشِّيعي مُعرَّض دائِماً للإِمتحانِ {مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ} كما يُشيرُ لذلكَ الحُسينالسِّبط (ع) {إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ}.

   هُنا؛ واحدٌ من النَّماذج التي تعرَّضت للبلاءِ والإِمتحانِ بالسُّلطةِ تحديداً لتتبيَّن حقيقةَ انتمائِهِ! ففضحهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع).

   فلقد كانَ قبلَ أَن يعتلي السُّلطة يدَّعي أَنَّهُ [شيعيٌّ قُح] فابتلاهُ الله تعالى بالسُّلطة ليكشفَ حقيقتهُ للرَّأي العام!.

   ولقد شرحَ الإِمامُ (ع) قُصَّتهُ قبلَ السُّلطة وبعدَها بالنصِّ التَّالي {أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِيأَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَمُوَازَرَتِي وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَالْعَدُوَقَدْ حَرِبَ وَأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَهَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْوَشَغَرَتْ قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَلَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُبِجِهَادِكَ وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَوَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِبِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَمَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَعِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَتَشْرَبُ حَرَاماً وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَوَالْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَىاللَّهِ فِيكَ وَلَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلَا ظَفِرَا مِنِّيبِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّرُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ}.

   وهو حالُ [شيعة السُّلطة] اليَوم والذين ينطبِق عليهِم هذا النَّص من دونِ زيادةٍ أَو نُقصان.

   هؤُلاء الذين يتهجَّم بعضهُم على ويُحاربُونَ الشَّعائر الحُسينيَّة بذريعةِ أَنَّها تتسبَّب بإِهانةِ المذهبِ لكنَّهُم يسرقونَ دولةً بهويَّتهِم الكاذِبة ويُفسدُونَ من دونِ أَنيعتبرَ ذلكَ إِهانةً للمذهبِ!.

   إِنَّهم يتذكَّرُونَ هويَّتهُم عندما تتضرَّر مصالحهُم فقط للإِتِّجار بعواطفِ النَّاسِ وحماستهِم!.

   عندما نُحيي الذِّكرى، فليسَ من أَجلِ أَن نُغيِّر في تفاصيلِها، بل لنقيسَ بمنهجِها سلوكنا فنُصحِّح فنقترِب من قِيَمِها وفكرِها.

    {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} كما يصفها القُرآن الكريم و {مِنَ التَّوْفِيقِ حِفْظُ التَّجْرِبَةِ} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فإِذا اكتشفتَ نفسكَ في الذِّكرى فأَنتَ محظوظٌ وإِلَّا فأَنتسيِّء الحظ {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}.

   مِن كُلِّ ما تقدَّم، أَقولُ بصراحةٍ؛ أَنَّنا نُريدُ شيعيّاً يحمي حقوقنا وليس حيالله شيعي!.

   إِنَّ من المُفارقات العجيبةِ في هذا الزَّمَنِ أَنَّنا نُدافعُ عن [شيعةِ السُّلطةِ] ليسَ لأَنَّهُم نزيهينَ ناجحينَ، أَبداً، وإِنَّما لأَنَّ غيرهُم فاسِدونَ كذلكَ!.

   لقد كُناَّ نُقارن عهدَ وسيرةَ وسُلطةَ الإِمام (ع) مع الآخرينَ فنفخَر ونُقدِّمها نمُوذج يُحتذى، ونتمنَّى أَن يُمكِّننا الله تعالى من تحقيقِها مشروعاً على الأَرضِ ننعمَبخيراتِها، لكنَّنا اليَوم لا نجرُؤ على ذلكَ بعدَ كُلِّ هذا الفسادِ والفشلِ باسمِ الإِنتماءِ الصُّوَري الكاذِب! وإِنَّما بِتنا نُقارن الفاسِد بالفاسدِ!.

   نحنُ ضحَّينا من أَجلِ نمُوذجٍ جديدٍ نستلهِم معانيهِ وقِيمهِ من أَميرِ المُؤمنينَ (ع) وأَهلِ البيتِ (ع) على الأَقلِّ في مُحافظاتِنا

المظلومةِ لذلكَ نحنُ ننتظرُ من [شيعةِ السُّلطةِ] وعمائمِ السُّلطة فعلَ ذلكَ من خلالِ النُّموذجِ وليسَ مِن غيرهِم من ساسةِ المُكوِّناتِ!.

   إِذا بهِم يُقارنُونَ أَنفُسهُم بنظامِ الطَّاغيةِ وفسادَنا بفسادِ السَّاسة السُّنَّة والكُرد!.

   يا لِهَولِ المُصيبةِ!.

   ١٦ شباط ٢٠٢٢

                                    لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar5

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here