زفرات أيّوب
جميل حسين الســـاعدي
الزفرة الأولى:
الحزنُ أوغلَ في روحي كما راما
وفاضّ جُرحيَ يا ربّاهُ إيلا مــــــا
لعنت ُ صبحا ً به ِ الأرزاءُ قد علقت
فأعقب َ الصبح َ ليلٌ زاد َ إظلامــا
ما كان َ أسرع َ ما يُطوى السرورُ بــهِ
وهل ســرورٌ على الأيّامِ قد داما
تبدّل َ العيشُ شرّا ً بعْد َ بهجتــه ِ
وأصبح َ الأملُ المنشودُ أوهـاما
كأسُ الأماني أُريقتْ في التراب ِ وما
وجدْتُ غير الأسى أسقى لهُ جاما
ليت َ الليالي التي قضّيتها عُدِمتْ
ولَمْ تكُنْ بحساب ِ الدهْرِ أعوامـا
وليتَ عاما ً أراني العيش َ قدْ سُلِبَتْ
شهوره ُ ثمّ لا أحياهُ أيّـــــــاما
وليتَ أمّيَ ذاك َ العام قد عقمتْ
فلمْ تلدْني لأحيا العمْـر َ آلاما
الزفرة الثانية:
الحزنُ كالموت ِ للإنسـان ِ مقدور ُ
وطير ُ آمالــه ِ باليأس ِ مأسورُ
مـا كان َ للمرء ِ أن يحياه ُ سوف َ يُرى
لأنّه ُ في جبين ِ المرء ِ محفورُ
ما أنت َ فاعلـه ُ في اليوم ِ حاصـدهُ
غدا ً وما تخفّيـه ِ طيّ النفسِ منشورُ
أصبرْ على الرزْء ِ يا أيّوب ليسَ سوى
صبر ٍ يُرجّـى إذا لمْ يســطع ِ النورُ
الرزْءُ جدّ عظيـــــــــم ٍ والفؤادُ دم ٌ
اصبرْ فصبرك َ ذا للمُبتلـى سورُ
الزفرة الثالثة :
كمْ قد تضرّع َ يشكو قلبــي َ الدامــي
أنْ يرفع ّ الربُّ عنّي بعض َ آلامي
جزعْت ُ حتّى شكـا منْ كان َ يعرفني
أهلـي وصحْبي وأخوالي وأعمامي
ماذا يريد ُ القضاءُ المرُّ يتبعني
كأنني الغرضُ المقصودُ للرامــي
أرفق إلهــي بعبد ٍ حائر ٍقلقٍ
إنّي لعطفك ِ يا ربّ السما ظام ِ
جسمي ابتليت وأبنائي خطفتهم ُ
أهكــذا كبرتْ يا ربُّ آثامــي
الداءُ يسري بجسمي المستدقّ ضنى
مِنْ هامة ِ الرأسِ حتّى حدّ أقدامي
على فمي نغــمُ الشكوى أرددهُ
من بعدمــا قُبِــرتْ أفراحُ أنغامي
تفجّر ّ الألمُ المحمومُ يغمــرُني
فما جرَتْ بسوى الأحزانِ أقلامي
الزفرة الرابعة:
تضعضع ّ الجسْم ُ يا ربّاهُ منْ ألــم ٍ
أحسُّــهُ في ثنايا النفسِ نيرانـــــا
قدْ لان َ للداء ِ جسمي في تماسكه ِ
فهلْ فؤادك َ يا ربّ السمــا لانا
ماذا فعلت ُ وماذا قد أتتـه ُ يدي
حتّى أذوق َ من الويلات ِ ألوانا
ماذا عسى في بني حوّاء تأملــه ُ
حتّى تحمّل هذا الثقْل َ إنسانا
سأترك ُ الأرض َ يا ربّاه ُ عريانا
كما وِلدْتُ عليها قبْلُ عريانا
حقيقة ٌ لوْ وعاها الخلْقُ لاطّـرحوا
الحقْد َ المميت َ وعاشوا العمْرَ أخوانا
الحقُّ أبْلج ُ لا تعـــــلوهُ غاشية ٌ
لكنَّ أهوانا السـوداء تغشـانا
نستقبل ُ الأمْر َ مقلوبا ً نفسّــرُهُ
ما كان َ أكذبنا ما كان ّ أغبانا
الزفرة الخامسة:
عفوا ً إذا ساءَ منّي القولُ يا ربّي
فأنت َ أدرى بما عانيت ُ من كرْب ِ
والمرْء ُ يعجز ُ عنْ إخفاء ِ لوعتــه ِ
إذا الجراحُ أصابتْ مُضغة َ القلْب ِ
أنْت َ المصــرّف ُ للأحوالِ تنقلها
مِن حنظل ٍ مرّهُ قاس ٍ إلى عَذْب ِ
قد تستجيب ُ لشكوى مُؤجع ٍ تَعِـب ٍ
وقدْ تردُّ الذي قد زال َ بالسلْـب ِ
وجّهت ُ نحوك َ آمــالي وأدعيتي
وليس َ إلاك َ يدعو صاحب ُ اللبّ ِ
أنت َ المهيمن ُ تدري كل َّ خافيــة ٍ
وسيّد ُ الشرْق ِ لا استثناء والغرْب ِ
ضلّتْ نفوس ٌ تخلّتْ عنك واتجهت
إلى سواك َ فلمْ تثبُتْ على درْب ِ
هــذا أنا يا إلـــــهي هدّني ألــــم ٌ
ولست ُ أملك ُ إلا خالص َ الحبّ ِ
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط