فتيات المطعم

فتيات المطعم

 نوارة الأخرس
في صباحٍ شديد البرودة كانت روائح الأطباق الشتويَّة المُنبعثة من المطعم الشعبي تغمر زبائنه بإحساس الدفء ولعلَّ بصمة صاحباته الفتيات كانت قادرةً على أن تجتذب أصحاب المحال التجارية التي تجاوره. كانت نكهة البيت طاغية على الأطباق التي تتواشج مع صخب الشارع.
احمر وجه إحداهن وهي تمسح عن جبينها  حبات عرق سببتهُ حرارة المواقد، بينما تُنصت الأخرى لشبان دخلوا المطعم قبل لحظات وقد هيمنت الحيرةُ على ملامحهم وهم يتداولون الرأي بشأن الأطباق المناسبة لأوقات الصباح. كان التردد يضعهم بحيرة أمام “الكبة والچلفراي، والبيض المقلي وطبق الباقلاء بالدهن وحساء العدس الساخن”.
كانت أبابيل “21 عاماً” وهي أكثرهنَّ نشاطاً تنظر إلى ساعة الحائط قبل القيام بتجهيز أطباق وجبات الغداء.
قالت وهي تحمل السكين لتشرع بتقطيع البصل: “بدأت رحلتي مع الطبخ منذ ثلاث سنوات، كنت دائمة البحث عن أطباق مُتجددة لكنها تحتفظ بنكهة أمهاتنا، كان القدر حليفي، منذ أن بدأت مشواري في كلية الصيدلة، وجدت نفسي طالبة هناك وطباخة هنا، بعد أن قررت أن أصبَّ جهودي للعمل لسدِّ تكاليف كلية الصيدلة الأهلية، الجهود مُضاعفة لكنها محببة وهذا ما يخفف ثقلها على كاهلي”.
في مشاريع صغيرة كهذه تلعبُ المناطق دورها، إذ إنها ترتبط بروادها ودخلهم المادي، فشرق بغداد  يختلف عن غربها، هناك عوالم كثيرة مختلفة الوجوه وتعابيرها والأحلام، حتى الفتيات يتغير مظهرهنَّ بين منطقة وأخرى.
تقول أبابيل: “في البداية شعرنا بقليل من الخوف، إذ إنَّ الفتيات لاسيما في مناطقنا يتجنبن الشارع فكيف الخوض بتجربة كهذه، لكننا سرعان ما لمسنا اختلافاً وبات الأمر أسهل بكثير، التقبل بدا واضحاً شيئاً فشيئاً”.
فتيات قررن فتح مطعم للأكلات الشعبية وهو عمل ليس بالسهل. وقد نجحن في هذا.
تقول أبابيل: “الطبخ ليس هو المشكلة وإنما إدارة هكذا عمل وتنظيمه ومعرفة رغبة الزبون كما أننا نتعامل مع زبائن كلهم من الرجال وهم لم يتعودوا على رؤية الفتيات في هكذا مناطق صناعية”.
وتابعت، “لم نتعرض إلى مضايقات بل على العكس، الكل أخذ على عاتقه حمايتنا من المتطفلين وهم يحرصون على استمرارنا لأنَّ أكلاتنا طيبة المذاق وتذكر الشباب بأمهاتهم وأخواتهم”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here