الجزء الثاني ذكريات عبرت وفي الذاكرة بصمت

فضيلة مرتضىرائحة الماضي ونسائمه فتحت أبواب ونوافذ وشريط الذكريات دار الى الوراء  وأخذني مع صوره الى زمن الطفولة ثم فتح عيون الذاكرة وسلط الضوء على الحارة الشبه ضيقة التي تحتل جانب كبير منها ثلاثة بيوت متراصة تعود ملكيتها الى جدنا الأكبر وأسم الحارة نسب الى ذلك الجد العظيم الذي اشترى الأرض وهي بستان نخيل بعدها بنى ثلاثة بيوت بعد أن أزال ذلك البستان لكي يؤمن سكن لأولاده وأحفادة . البيت الكبير كان يتوسط البيتين وكان عبارة عن سبعة عشر غرفة  وفي وسط باحته حديقة صغيرة مسيجة بسياج خشبي وأسلاك معدنية , زرع فيها أبي أشجار العنب المتسلق وقد مدت أذرعها فوق قمرية كبيرة تظلل على باحة البيت  وتتدلى منها عناقيد العنب بأنواعها الثلاثة {ديس العنز,والعنب الأسود ,والعنب المدور الأصفر} . ياويل الذي يقترب ويمد يده لتلك العناقيد المغرية لأن أبي كان يحرسها ويعتني بها بكل حواسه. بجانب الحديقة حوض صغير فيه حنفية ماء لغرض الغسل ولسقي المزروعات .كان المنزل جميل في فصل الربيع حيث نسائم هواء فصل الشباب يهز أوراق شجرة اليوكالبتوس العظيمة والتي تتوسط الحديقة وترتفع جذعها الى الأعلى وتصل الى الطابق الثاني من البيت , وصوت الطائرالذي يغرد{كو كو كو} يبعث البهجة في نفوس سكان البيت. البيت مكون من طابقين الطابق الثاني على شكل شقة  لها طارمة كبيرة مطلة على باحة البيت وياخذ جانب كامل وطراز البيت شرقي غيرمسقف ,القصد باحة البيت بلا سقف ومفتوح يطل عليه وجه السماء الأزرق. فوق الشقة سطح ويعتبر السطح الثاني للمنزل الكبير وفي السطح الثاني بيتونة {غرفة صغيرة لخزن فرش النوم في فصل الصيف حيث كنا ننام فوق الأسطح هربآ من حرارة الصيف اللاهبة .كنا نحن الصغار نلعب في البيتونة {بيت أبيوت } نأخذ اللعب والقدور وألأواني الصغيرة ونتخيل بأننا عائلة وكل يأخذ دور في العائلة  ونطبخ في تلك القدور الصغيرة الطعام على الحطب . تلك الأواني أشتراها لي أبي من سوق الصفافير .. السوق الذي كان له فيه خان تجاري حيث يخزن التجار بضائعم عنده مقابل مبالغ مالية .  تحت الشقة مباشرة سرداب كبير له مدخلان ,مدخل قريب من الباب الخارجي للبيت والمدخل الآخر قريب من المرافق الصحية الثلاثة والتي بنيت في طارمة صغيرة وبجانب الطارمة سلم يؤدي الى الصعود الى الشقة .. كنا نستغل السرداب صيفآ وقت الظهيرة للقيلولة حيث برودة الهواء وأرضية السرداب غير مبلطة وباردة وشبه رطبة وبذلك لانحتاج الى مراوح هوائية والتي إصلآ غير متوفرة.سكان البيت خمسة عوائل ,عائلتنا وعوائل أعمام أبي وعماته .عشت في هذا البيت طفولة مشبعة بأهتمام أدبي من قبل أخي الذي يكبرني بأعوام ولكونه كان ميال للأدب والشعر كان يشتري لي مجلات الأطفال كما ذكرت في الجزء الأول من مصروفه الخاص.   في ليالي بغداد الصيفية كنا ننام فوق سطح المنزل وكنت أراقب سماء بغداد المرصعة بالنجوم الكثيرة واللامعة والقمر المنير والشهب  بين آونة وأخرى تمر سريعآ في السماء ..كنت أسأل السماء ببراءة الأطفال وأنا في سن خمس أو أربع سنوات : أيتها السماء البعيدة من رماك بكل هذه الأحجار وكانت أمي تسمعني وأنا ملتصقة بها وهي مستلقية بجانبي على الفراش خوفآ من الأشباح التي تخرج من السرداب ليلأ كما كانوا يدعون . كانت أمي تضحك وفي الصبح تعيده على مسامع عماتي وكن يضحكن ويقبلنني بحرارة وكنت افرح لتلك القبلات الحنونة.في كل مساء عند غروب الشمس كانت أختي الكبيرة ترش السطح بالماء وتفرش فرش النوم وبعدها تاخذ الرقي والفواكه الى السطح حيث نتناول تلك الفواكة قبل الخلود الى النوم وطبعا جرة الماء تضعه على سياج السطح ليبرد.وفي كل ليلة نجتمع نحن صغار عوائل البيت ونشكل حلقة حول أختي وأكون أنا في حضنها لكي تسرد علينا القصص والأساطير الخيالية الى أن يتملكنا النوم وكل يذهب الى المكان المخصص له عند عائلته .كانت أيام وليالي جميلة من الزمن الجميل.وأنا صغيرة كنت أفكر كثيرآ بالظواهر الطبيعية الغريبة وكنت أنظر الى السماء وأغني :{ايها القمر وأيتها الشمس هل رأيتم أخي في الطريق يحمل بندقية صغيرة على كتفه وكل الأعداء والمتربصين قوربان له ولعينيه} . كانت هذه الأغنية أحبها كثيرآ وأرددها خصوصا في ليالي الصيف على سطح المنزل. العابنا في الحارة كانت بسيطة وتشبع طفولتنا في ذلك الزمن مثلآ لعبة الغميضة أحدنا تغمض عينيها والأخرى تختبئ وعلى من أغمضت عينيها أن تكتشف مكان أختباء الأخرى وهكذا يأتي الدور على من عرف مكان أختباءها , والعاب أخرى مثل التوكي ورمي العصا والطفيران وبلبلة وشطرنج والخرز والعاب كثيرة أخرى مشتركة بين الذكور والأناث .طفولة بريئة وجميلة ولكن لم تكن خالية من المعاناة والأحداث الغير متوقعة على جميع الأصعدة.للكتابة بقية01/02/2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here