العراق يبدأ إعادة تفعيل دور المخابرات بعد فترة من التغييب

تشييد مقر ضخم للجهاز لاستيعاب مهماته المتنامية 

 مؤيد الطرفي مراسل عراقي

الكاظمي خلال حفل وضع حجر الأساس لمبنى المخابرات الجديد (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء)

منذ أبريل (نيسان) 2003، تعرض جهاز المخابرات العراقي لسلسلة إجراءات إدارية ألغت كل صلاحياته وجعلت منه مجرد جامع معلومات ترسل إلى رئاسة الحكومة وسط رفض من الأحزاب الشيعية والكردية لأي دور له في الملف الأمني.
وكان هذا الأمر واضحاً في منع تشريع قانون للجهاز، مقدم من قبل الحكومة، قبل أكثر من عقد بحجج مختلفة، ورفضهم في عام 2012 وجود أي تمثيل للجهاز داخل السفارات العراقية أو حتى في مؤسسات الدولة المختلفة. ولدى هذه الأحزاب والجهات ذكريات تقول إنها “سيئة”، لا سيما المتعلقة بالجهاز خلال فترة حكم نظام صدام حسين، إذ لاحق المنتمين إليها في خارج العراق واستهدفهم عبر محاولات اغتيال معروفة.

توسع عمل الجهاز

وبعد تسلم حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي مقاليد السلطة في العراق، توسع عمل الجهاز بشكل تدريجي لينتقل من جمع التقارير والمعلومات إلى تنفيذ العديد من العمليات داخل العراق وخارجه لملاحقة عناصر “داعش” والجماعات المسلحة.
وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة لهذا التوسع، فإن الجهاز ومنذ تولي رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي منصبه، شهد أكبر عملية تحول في عمله وأصبح دوره في الملف الأمني ماثلاً للعيان وتوالت ردود الأفعال الإيجابية المرحبة به، تزامناً مع تصريحات بعض الفصائل الشيعية وقياداتها التي بدت متخوفة من دور الجهاز وكالت إليه التهم.

تشييد مقر جديد

ويبدو أن الكاظمي عازم على تطوير عمل الجهاز وتوسيعه، لا سيما وأنه كان يرأسه في عام 2016، وبدا هذا واضحاً من خلال وضع رئيس الوزراء حجر الأساس للمبنى الإداري الجديد لجهاز المخابرات الوطني داخل مقره السابق في منطقة الحارثية غرب بغداد، والذي أعيد تأهيل جزء منه بعد تدميره خلال حرب عام 2003، وهو ذو رمزية كبيرة لدى العراقيين كونه اتخذ مقراً للجهاز منذ ثمانينيات القرن الماضي، ما يدل على وجود رغبة حقيقة في تطوير عمله.
وأكد الكاظمي في كلمة له خلال حفل وضع حجر الأساس للمبنى الجديد، أن “الحكومة عملت منذ عام 2016 على بناء قدرات بشرية كبيرة، أسهمت في تأمين الأمن الوطني ومواجهة تحديات كبرى بنجاح بارز، وبسعي أبطال الجهاز نجحنا نجاحاً كبيراً في تحقيق كثير من الأهداف التي رسمت لاستهداف منابع ورؤوس كبيرة للجماعات الإرهابية”. وأضاف الكاظمي أن “جهاز المخابرات نجح في تأسيس علاقات دولية واسعة ومتنوعة لصالح العراق، والاستفادة من الخبرات الدولية في تأمين الأمن الوطني العراقي”، مبيناً أن “هذا الأمر أعطى العراق زمام القيام بمبادرات إقليمية، وقد كان لجهاز المخابرات دور كبير في خفض حدة الصراع وإبعاد العراق عن الصراعات الدولية”.
ولفت إلى أن “عمل رجال المخابرات خلال الحكومات السابقة والحالية هو تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، وإبعاد شبح الحروب في المنطقة”، لافتاً إلى “نجاح الجهاز في تحقيق بعض الوساطات الإقليمية وعقدها داخل مقر جهاز المخابرات العراقي”.

رئيس_الوزراء_مصطفى_الكاظمي_خلال_حفل_وضع_حجر_الاساس_لمبنى_جهاز_المخابرات_2.jpeg

تفكيك المنظمات الإرهابية

وتابع الكاظمي، أن لجهاز المخابرات الوطني “دوراً جباراً في تفكيك المنظمات الإرهابية، خصوصاً داعش، وقتل واعتقال العشرات من قياداتها الرئيسة، ما أجهض كل محاولات استعادة التنظيم قوته المهزومة”، معرباً عن أمله في أن “يعزز هذا الصرح الاستخباري الجديد الذي نضع حجره الأساس اليوم الدور الوطني المشرف لكوادر الجهاز”.

الجهاز حقق نجاحات

بدروه، قال الباحث في الشأن السياسي علي بيدر، إن “الجهاز نجح في بعض المهمات وفشل في أخرى”، مرجحاً أن “إنشاء مبان كبيرة للجهاز يؤشر إلى عودة كبيرة له”. وأضاف البيدر أن “العراق يملك كثيراً من الإمكانيات القادرة على مواجهة التحديات التي يمر بها، والجهاز أثبت نجاحه في مشاركته في مقتل زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، وكذلك الزعيم الجديد القرشي والكثير من العمليات المتعلقة بالإرهاب”، لافتاً إلى أن “الجهاز يشوبه كثير من الغموض والتفاصيل المتعلقة بموارده وكثير من التفاصيل الأخرى”.

إخفاقات

وأوضح أن “جهاز المخابرات مخصص للعمل خارج البلاد ومراقبة الأجانب في الداخل، ولكن هذا الجهاز لم يكشف الكثير من العصابات التي تعمل في تجارة المخدرات والأسلحة وجوانب الإرهاب، وهذه نقطة تؤشر إلى الضد من عمله”، معرباً عن أمله في أن “يتم تأسيس جهاز جديد يعمل برؤية وطنية ويبتعد عن الصراعات السياسية وتأثيراته مثل ما حصل سابقاً، حيث كان الجهاز شبه مخترق من قبل جهات سياسية وأخرى إقليمية”.
ولفت إلى أنه “يفترض بجهاز المخابرات الوطني أن يحمل هذه الصفة، وأن يتم تسخير جزء كبير من موارد الدولة للخروج بنتائج إيجابية منه، وألا يكون عمله مسلطاً على المواطنين في الداخل مثل الأجهزة القمعية إبان حكم صدام حسين”.

هيكلية جديدة

وشدد على ضرورة أن تكون هناك “هيكلية جديدة وتحديث لعمل الجهاز حيث إنه تأسس بهيكيلة جديدة بعد عام 2003 في ظروف طارئة واستمرت الفترات الطارئة التي انعكست سلباً على الجهاز”، لافتاً إلى أن “الدول بدأت تستخدم أجهزة حديثة ولذلك يجب أن تسخر إمكانيات كبيرة من الدولة العراقية لدعم الجهاز”.

توسع الجهاز

بدوره بين الباحث في الشؤون الأمنية جمال الطائي، أن “توسع جهاز المخابرات أمر طبيعي، لا سيما في ظل زيادة عدد السكان والتطور الذي يشهده العالم على الصعيد الاستخباراتي، وحجم التحديات التي تواجه العراق”. وقال الطائي، إن “العراق دولة مؤسسات وبدأ يتوسع ويكبر، لا سيما وأن العالم يتطور وأجهزة الاستخبارات العالمية في تطور مستمر، فنحتاج إلى التوسع في عمل الأجهزة الأمنية، ولعل أهمها تطور المباني التي تضم هذه الأجهزة، مثل مراكز الشرطة التي اتسعت”. وأضاف، أن “جهاز المخابرات، جهاز أمني  ويعتبر الجهاز الأول في كل دول العالم، وهو يعتبر عيون الدولة التي تبحث عن المعلومة وتلقي القبض عن المجرم، وواجباته خارج نطاق العراق”، لافتاً إلى أن “مهمته جمع المعلومات عن الأجانب وماذا يعملون بالعراق، وبذلك يرتقي عمله لعمل وزارة”.

مقر ضخم

وأشار الطائي إلى أن “رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كان رجل مخابرات ولديه حس أمني ويهتم بالقضايا الأمنية، ولذلك نحتاج إلى مبنى ضخم وكادر كبير، لأن العراق محاط بالأعداء، ويجب أن يملك أجهزة مخابرات  كفوءة ومتخصصة تضم أقساماً مختلفة، لا سيما في المحافظات والدول”، مرجحاً أن “يتوسع أعداد عناصر الجهاز، الذي يضم كلية أمن قومي وعلوم أمنية”. ورجح “تنوع انتماءات موظفي الجهاز، وعدم اقتصار الأمر على طائفة واحدة”.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here