لماذا يتجنب بايدن الدخول في حرب مع روسيا؟

Emblem of the United States Department of the Army.svg

بايدن يقو ل إنه لن يرسل قوات أمريكية لمحاربة القوات الروسية في أوكرانيا، فيما يرى نقاد أن موقف بايدن ستستغله روسيا وستتذكره الصين

بينما بدأ الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، غزو كييف ونقل قواته إلى الأراضي الأوكرانية، رد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بكلمات إدانة وعقوبات اقتصادية، وجهود لحشد حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة موسكو.

لكن أحد الخيارات، التي لا يزال بايدن غير راغب في استخدامها، إرسال قوات أمريكية لمحاربة القوات الروسية في أوكرانيا.

وقالت مجلة بولتيكو، في تقرير، إن بايدن عازم على تجنُّب احتمال مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا، لدرجة أنه سحب من أوكرانيا عشرات القوات الأمريكية، التي كانت تدرب الجيش الاوكراني، كما حذر من أنه لن يرسل قوات أمريكية لإجلاء الأمريكيين العالقين في أوكرانيا، مشيرًا إلى خطر حدوث صدام.

وأوضح بايدن، في مقابلة سابقة مع ليستر هولت، من محطة إن بي سي نيوز: “هذه حرب عالمية، عندما يبدأ الأمريكيون وروسيا إطلاق النار على بعضهم، نحن في عالم مختلف تمامًا عما كنا عليه في أي وقت مضى”.

يوم الثلاثاء، بينما كان يضع الدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية على الكرملين بسبب غزوه لأوكرانيا، أكد بايدن مرة أخرى: “هذه خطوات دفاعية تمامًا من جانبنا، ليست لدينا نية لمحاربة روسيا”.

التورط في حرب

تدعم استطلاعات الرأي، الشعور بأن الرأي العام الأمريكي متردد بالتورط في حرب إطلاق نار في أوروبا، على بلد لا يمكن أن يجده سوى عدد قليل من الأمريكيين على الخريطة، لاسيما أن روسيا والولايات المتحدة قوتان نوويتان، ما يزيد المخاوف من التصعيد.

لكن موقف بايدن يثير أيضًا أكثر من سؤال: هل حسابات بوتين ستكون مختلفة في أوكرانيا هذا الأسبوع، إذا أثار بايدن احتمال نشر قوات أمريكية؟ وهل كان ينبغي لبايدن أن يظل صامتًا بشأن ما سيفعله؟ وهل اعتماد موقف استراتيجي غامض، كان من الممكن أن يردع بوتين؟

يقول منتقدو موقف بايدن، إنه من المستحيل تقييم ما كان من الممكن أن يحدث، لو أن بايدن أبقى الخيار العسكري قائمًا، فبعد كل شيء، كان لبوتين وجود داخل أوكرانيا منذ عام 2014، عندما غزاها لأول مرة، ويبدو أنه عازم على الاستيلاء على المزيد من البلاد.

لكن بعض النقاد يجادلون بأن استفادة الزعيم الروسي من عدم رغبة بايدن في نشر القوات، أنه يستطيع أن يفعل الكثير، والصين تتعلم الشيء نفسه، لأنها تزن كيفية التعامل مع تايوان.

بدوره، قال كوري شاك، مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز: إضافة إلى تحفظ بايدن في أوكرانيا وانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، سيعتقد القادة الشيوعيون الصينيون أننا “لسنا مستعدين للقتال”.

وذكرت مجلة بولتيكو أن بايدن ومساعديه على علم بهذه الانتقادات، لكنهم عندما سُئلوا عما إذا كانت تحركات بوتين قد أثارت إعادة التفكير أو التذمر داخل الإدارة بشأن موقف بايدن، كانوا صريحين في ردودهم.

قال مسؤول كبير في الإدارة: “لا”.

وأضاف مسؤول في البنتاغون: “لا قطعًا… لا أحد يريد المجازفة بحرب نووية مع روسيا بسبب أوكرانيا”.

الخيارات

لا يوجد ما يشير إلى أن إرسال القوات الأمريكية للقتال في أوكرانيا، كان موضوعًا جادًا للنقاش داخل إدارة بايدن، رغم تقارير تفيد بأن المسؤولين الأمريكيين يفكرون في ما إذا كانوا سيرسلون مستشارين عسكريين إلى البلاد.

“المستشار العسكري” مصطلح مرن في قاموس البنتاغون، يمكن أن يعني أفراد الخدمة الفعلية، أو جنود الاحتياط الذين يقدمون المساعدة أو التدريب في ساحة المعركة.

في نوفمبر، استخدم مسؤول كبير في وزارة الخارجية، العبارة الكلاسيكية التي يلجأ إليها العديد من القادة الأمريكيين، عند التلميح إلى أن القوة العسكرية المحتملة قيد الدراسة.

وقالت كارين دونفريد، مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية: “كما يمكنك أن تدرك، فإن جميع الخيارات على الطاولة، وهناك مجموعة من الخيارات”.

ومع ذلك، في ديسمبر، قال بايدن بشكل قاطع: “هذا ليس مطروحًا على الطاولة” عندما سُئل عما إذا كان يفكر في نشر قوات أمريكية في أوكرانيا، وردد مساعدوه صدى ذلك في الأيام التالية.

بصرف النظر عن المخاوف من اندلاع حرب نووية، يشير المسؤولون الأمريكيون سراً إلى أسباب أخرى لتجنُّب نشر القوات في أوكرانيا، على رأسها أن الولايات المتحدة ليست لديها مسؤوليات معاهدة تجاه أوكرانيا أو مصالح الأمن القومي الحساسة على المحك هناك، إذ لا تقع أوكرانيا على طول الحدود الأمريكية، ولا تستضيف قواعد عسكرية أمريكية، وليست شريكًا تجاريًا رئيسًا.

لكن هذه التفسيرات، لم تمنع الولايات المتحدة من استخدام قوتها العسكرية لصالح الآخرين في الماضي.

مواقف أمريكا

خلال إدارة بوش، حشدت الولايات المتحدة الدول الأخرى، لإخراج صدام حسين من الكويت، رغم عدم وجود أي التزام بموجب معاهدة تجاه ذلك البلد الصغير. وشملت مصالح واشنطن في ذلك الوقت، حماية إنتاج النفط والغاز في الشرق الأوسط.

وخلال إدارة باراك أوباما، تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا في ليبيا، لمنع الديكتاتور معمر القذافي من مهاجمة مدينة بنغازي، التي يسيطر عليها المتمردون، وهي عملية مبررة على أسس حقوق الإنسان.

لقد تطورت وجهات نظر بايدن، بشأن التدخل الأمريكي بمنحى متزايد من الحذر، خلال العقود العديدة التي قضاها كسياسي.

في التسعينيات، بصفته عضوًا في مجلس الشيوخ، أيد استخدام القوة الأمريكية، لقمع القتال العرقي في البلقان، لكنه، بسبب الصراعات الأمريكية في أفغانستان والعراق، أصبح أكثر حذرًا من نشر القوة العسكرية الأمريكية.

كنائب لرئيس أوباما، على سبيل المثال، عارض التدخل في ليبيا، قائلاً إن الولايات المتحدة ليست لديها مصالح استراتيجية كبرى هناك. وفي السنوات اللاحقة، أشار إلى الفوضى في البلاد، على أنها تثبت صحة موقفه.

وبالمثل، عارض بايدن بشدة زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، داعياً إلى تقليص أثر مكافحة الإرهاب.

في ذلك الصراع الذي دام 20 عامًا، ورث دور صانع القرار النهائي، وأمر القوات الأمريكية بالخروج من أفغانستان العام الماضي.

ودافع عن القرار رغم الفوضى التي أعقبته، بما في ذلك التفجير الذي قُتل فيه 13 جنديًا أمريكيًا وعشرات الأفغان في كابل.

ما فعله بايدن، كما لاحظ مسؤولو الإدارة في دفاعه عن موقفه، هو إرسال أو إعادة نشر آلاف القوات الإضافية إلى دول الناتو بالقرب من أوكرانيا.

وصُممت عمليات نشر القوات هذه، لردع بوتين عن التفكير في أنه يستطيع نقل حربه إلى ما وراء أوكرانيا وإلى دول الناتو، التي يقع على عاتق الولايات المتحدة، التزام بموجب المعاهدة بالدفاع عنها.

كما زاد بايدن المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لأوكرانيا، حيث أرسل الصواريخ والذخيرة والمعدات، على أمل منحها فرصة قتالية ضد الجيش الروسي المتفوق.

حتى أن الجهود الدبلوماسية، التي تبذلها إدارته نيابة عن أوكرانيا، دفعت بعض الدول الآسيوية إلى التعبير عن رفضها لموقف روسيا. وقالت اليابان هذا الأسبوع، إنها ستفرض عقوبات على موسكو.

العقوبات على روسيا

في غضون ذلك، انتقدت الصين العقوبات المفروضة على روسيا، وفكرة توسيع الناتو رغم أنها، في الوقت الحالي، ابتعدت عن تأييد تحرك موسكو إلى شرقي أوكرانيا.

من المحتمل أن ترى بكين رد فعل المجتمع الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا، كنمط محتمل يمكن أن يتكرر، إذا حاولت الصين السيطرة على تايوان.

حافظت الولايات المتحدة على سياسة “الغموض الاستراتيجي” تجاه تايوان، ما يعني أنها لن تقول ما إذا كانت ستتدخل عسكريًا، لمساعدة الجزيرة في الدفاع عن نفسها، ضد محاولة الصين للاستيلاء عليها.

في الوقت نفسه، تعد الولايات المتحدة موردًا رئيسًا للأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى للتايوانيين.

وبدا أن بايدن -العام الماضي- يشير إلى أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت للهجوم، حيث أصر البيت الأبيض على أن بايدن لم يقصد الإشارة إلى أي تغيير في سياسة الغموض الاستراتيجي، لكن الخلاف أدى إلى دعوات لواشنطن لتبني موقف أوضح بشأن ما ستفعله لتايوان، خاصة أن الصين تكثف تحركاتها العدوانية تجاه الجزيرة.

السياسة الأمريكية الصعبة

عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، هناك عامل آخر أقل شهرة، يدفع نفور الإدارة من استخدام القوات السياسة الداخلية.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن هناك رغبة ضعيفة بين الأمريكيين لخوض حرب أخرى، خاصة بعد التجربة الأمريكية الدموية في أفغانستان، التي انتهت باستيلاء مقاتلي طالبان على البلاد.

لقد نال موقف بايدن بشأن أوكرانيا تعاطفًا، ليس فقط من زملائه الديمقراطيين، ولكن حتى من الجمهوريين الذين يدركون جيدًا المزاج العام.

حتى أن بعض أعضاء الحزب الجمهوري، بدفع من مضيف قناة فوكس نيوز المحافظ تاكر كارلسون، يقفون إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا، ما يزيد من الطبيعة الغريبة للجدل السياسي.

السناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا)، المتشدد حيال السياسة الخارجية بشكل عام وغالبًا ما ينتقد فريق بايدن، رفض فكرة إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا ، قائلاً: “لن تكون الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا أمرًا جيدًا لأي شخص”.

و قال روبيو على شبكة سي بي إس: “هاتان أكبر قوتين نوويتين في العالم، وهذا أحد الأشياء -حتى ونحن حازمون في استجابتنا- يتعين علينا محاولة كل شيء لتجنُّب ذلك، لأنه يمكن أن يتصاعد بسرعة كبيرة… لسنا رجال شرطة العالم، نحن لا نرسل قوات إلى أوكرانيا “.

ورغم أن وجهة نظر روبيو مشتركة بين اليسار واليمين، فإن هناك بعض المشرعين منزعجون من عدم مرونة بايدن بشأن مسألة القوات.

وكتب روجر ويكر، السناتور الجمهوري عن ولاية ميسيسيبي، في مجلة ناشونال ريفيو الأسبوع الماضي: “لا يطرح الرؤساء الأقوياء الخيارات مطلقًا على الطاولة، ولا يمكننا أن نفاجأ إذا شك بوتين الآن في ما إذا كنا مهتمين حقًا بما يفعله بأوكرانيا”.

وفي إشارة إلى مدى خطورة السياسة، كتب أكثر من 40 مشرعًا يمثلون الحزبين إلى بايدن هذا الأسبوع، مصرين على أنه إذا قرر إرسال قوات إلى أوكرانيا، يجب عليه أن يعرض الأمر على الكونجرس أولاً.

وكتب المشرعون: “الشعب الأمريكي، من خلال ممثليه في الكونجرس، يستحق أن يكون له رأي قبل تعريض القوات الأمريكية للخطر أو تدخل الولايات المتحدة في صراع خارجي آخر”.

لعبة طويلة الأمد

قال أحد المسؤولين الأمريكيين المطلعين على القضية إنه داخل الإدارة، هناك قلق مستمر بشأن احتمال تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، حتى لو لم تكن القوات الأمريكية في أوكرانيا.

وقال المسؤول إن ذلك قد يحدث إذا قُتل أمريكيون في أوكرانيا، أو إذا استخدمت روسيا الهجمات الإلكترونية، للرد على العقوبات الأمريكية، أو إذا أطلقت القوات الروسية النار بطريق الخطأ عبر الحدود على إحدى دول الناتو.

يمكن أن يختلف مستوى التدخل الأمريكي في أوكرانيا، اعتمادًا على المدة التي يستمر فيها الصراع، ومن المسؤول في البيت الأبيض.

يشك العديد من المسؤولين والمحللين، في أن بوتين يخطط للذهاب إلى أبعد الحدود، في محاولة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من البلاد.

وقد أدى ذلك إلى الاحتمال الواضح، بأن واشنطن قد تساعد التمرد الأوكراني، خاصة إذا استولى الجيش الروسي على كل أو جزء كبير من أوكرانيا.

للولايات المتحدة سجل حافل على هذه الجبهة، في أفغانستان من بين جميع الأماكن.

خلال الثمانينيات، سلَّحت واشنطن وموَّلت المتمردين الأفغان، الذين يحاولون إخراج الاتحاد السوفييتي من بلادهم. غادر السوفييت في النهاية، لكن العنف في البلاد لم يتوقف، حيث انقلبت الميليشيات الأفغانية على بعضها، ما أدى في النهاية إلى ظهور طالبان.

تمويل المتمردين الأوكرانيين وتسليحهم، خطة يمكن أن تحصل على دعم كبير في الكونجرس، لكنها أيضًا تتطلب الصبر والتفكير طويل المدى.

كما يمكن لرئيس جديد أن يقلب الخطط رأسًا على عقب.

حاول سلف بايدن في البيت الأبيض، الجمهوري دونالد ترامب، مرارًا وتكرارًا كسب تأييد بوتين، رغم أن إدارته -بفضل تشريعات الكونغرس جزئيًا- فرضت عقوبات صارمة على روسيا، بسبب مجموعة من الشكاوى.

وحاول ترامب أيضًا الضغط على الحكومة الأوكرانية للتحقيق مع بايدن، وهي محاولة أدت إلى مساءلته الأولى ثم تبرئته.

في تصريحات مختلفة هذا الأسبوع، قال ترامب إن روسيا ما كانت لتغزو أوكرانيا لو كان رئيسًا، بينما وصف تحركات بوتين بأنها “ذكية” وبأنه “عبقري”.

سواء كان ترامب أو بايدن، أو أي شخص آخر، مسؤولاً في واشنطن عام 2025، فإن بوتين هو الشخص الذي لديه رؤية طويلة الأمد، والذي يخطط للبقاء في السلطة سنوات عدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here