مفاوضات وسط استعراضات الصواريخ النووية

مفاوضات وسط استعراضات الصواريخ النووية، نعيم الهاشمي الخفاجي

العالم مقسم ما بين اللاعبين الخمسة الكبار ما بين دول تابعة لهم أو مناطق نفوذ، الأزمات العالمية تظهر أسماء لم يكن قد سمع بها أحد، الخمسة الكبار لم يسمحوا أن يشاركهم أحد في تقاسم العالم فيما بينهم، في مجلس الأمن لهم حق الفيتو في رفض أي قرار وأن دعمت القرار كل دول وشعوب الأرض، يسقط القرار بحق النقض الفيتو، مجرد المندوب يقول كلمة فيتو يسقط القرار.

الدول الخمسة الكبيرة النووية لا يمكن فرض أي قرارات عليها بالقوة، الطريق الوحيد الذي يتم اتباعه محاولة كسب ود الدول الكبرى فيما بينهم لتمرير أي قرار بعد الاتفاق المسبق، وزير الخارجية الروسي قال نحن لا نخاف شيئا ولا نؤمن في لغة ذرف الدموع.

بعد تفكك السوفيت وبقاء الجمهورية الروسية الاتحادية تم ضم أراضي إلى روسيا مثل استونيا وأبخازيا، وعندما حدث الانقلاب الغربي في أوكرانيا عام ٢٠١٤ القوات البحرية الروسية التي مقرها شبه جزيرة القرم أعلنت استقلال شبه جزيرة القرم، وايضا تظاهر وحمل السلاح ابناء مقاطعين في الشرق الأوكراني من القومية الروسية للمطالبة في الاستقلال، الأزمة الأوكرانية هي صراع إرادة ما بين روسيا والناتو، لذلك روسيا تعمل على دعم جمهوريات في الشرق الأوكراني مثل دونباس ودونيتسك.

دق الغرب طبول الحرب لجعل أوكرانيا ساحة للصراع ما بين أوكرانيا وروسيا، لكن القيصر الماهر بوتين ايضا وضع خطط يسير عليها بشكل محكم ودقيق، في وقت كان الإعلام الغربي يحدد أوقات غزو روسيا إلى أوكرانيا كان الإعلام الروسي ينشر أخبار أن روسيا تستعد لاستقبال 700 ألف لاجئ من دونباس، وإن مليون لاجئ سوف يتدفقون على بولندا، ومليوناً آخر على بيلاروسيا – إذا انفجرت في أوكرانيا.

الروس يقولون إن الغرب هستيري، ولا غزو لأوكرانيا، بينما يقول الأميركيون إن موسكو وضعت 40 في المائة من قواتها في حالة تأهب، وإن الهجوم وشيك.

وفي الحقيقة القيصر بوتين لا يفكر في غزو دولة أوكرانيا أبدا وإنما يكتفي في دعم استقلال الجمهوريتين في شرق أوكرانيا، عندما بدأت المناوشات القوات الأوكرانية استخدمت القوة ضد مناطق دونيتسك ولوغانسك، استخدام القوة العسكرية أعطى مبرر إلى أن يتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرار الاعتراف في الجمهوريتين، وألقى كلمة في مساء يوم أمس الأول الاثنين المصادف يوم ٢١/٢/٢٠٢٢ خطابا أعلن الاعتراف في الجمهوريتين من خلال خطاب مرتجل وجهه القيصر الروسي بوتين إلى الأمة الروسية بثه التلفزيون الرسمي قال به: أعتقد أنه من الضروري اتخاذ قرار تأخر كثيراً، بالاعتراف فوراً باستقلال وسيادة كل من جمهورية دونيتسك الشعبية و جمهورية لوغانسك الشعبية، كذلك بث التلفزيون لقطات لتوقيع بوتين في الكرملين مع زعيمي الجمهوريتين اتفاقات للتعاون العسكري فيما بينهم.

وطالب بوتين كييف بوقف عملياتها العسكرية في شرق البلاد فوراً،وقال: نطالب بوقف العمليات العسكرية فوراً، وإلا فإنّ المسؤولية عن استمرار سفك الدماء ستقع على ضمير النظام الحاكم في أوكرانيا بشكل كامل.

التدخل الروسي يبقى ضمن دونباس لذلك عملية استمرار قصف القوات العسكرية الأوكرانية للجمهوريتين المستقلتين المعترف بهم روسيا يجعل القوات الروسية المسلحة هي التي ترد على القوات الاوكرانية، بذلك سوف تهدأ أصوات المدفعية وأزيز الرصاص ولم يبقى سوى خيار واحد وهو خيار المفاوضات والسلام.

العقوبات الغربية التي أعلن عنها بعد اعتراف روسيا بالجمهوريتين بالشرق الأوكراني وضعت مسبقا، مثل إعلان برلين تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم2» مع روسيا.

أو فرض رئيس الحكومة البريطاني عقوبات على بنوك روسية، روسيا قوة عظمى تستطيع عمل بنوك خاصة بها وهذه العقوبات لاتؤثر شيئا بل تكون سبب مهم في دعم الحكومة الروسية للاقتصاد الروسي الداخلي، روسيا كسب سوق الصين التي يبلغ نفوسها ربع نفوس العالم في بيع البترول والغاز.

دول العرب البترولية أكثر الدول تضرر من خلاف روسيا مع الغرب، دول الخليج البترولية خسرت سوق الصين والهند البترولية، وحتى لو باعت دول الخليج البترول والغاز إلى أوروبا فيكون البيع نسبته قليلة إذا قورن بالسوق الصينية والهندية.

المحصلة صادق البرلمان الروسي على الاتفاقات التي وقعها بوتين الأحد مع قادة منطقتي دونيتسك ولوغانسك الذين يقاتلون قوات كييف منذ عام 2014، وذلك في وقت تحشد فيه روسيا قوات على الحدود الأوكرانية قدرت واشنطن عديدها بـ150 ألف عسكري.

هذه الحشود الروسية ليست لشن حرب عالمية ثالثة وإنما هذه الحشود والاستعراضات النووية الغاية منها إجراء مفاوضات ما بين روسيا والناتو لتقاسم النفوذ بالعالم بظل نظام عالمي يضمن مصالح الدول الخمسة النووية الكبرى.

مايجري في أوكرانيا اليوم يشبه تماما لحدث وقع عام 1963 حيث نقل نيكيتا خروشوف الزعيم السوفياتي صواريخه النوويه الى كوبا، على بعد 75 ميلاً من فلوريدا، ثم سحبها قبل لحظات من انفجارها وانفجار العالم معها، وظلت الحرب باردة، وفق التعبير الذي ابتدعه المفكر والتر ليبمان، الحرب الباردة استمرت مايقارب نصف قرن، حافظ خلالها كل فريق على مناطقه الحيوية،

الآن صواريخ الناتو بالقرب من موسكو من خلال أوكرانيا المؤيدة للغرب، المطالب الروسية الآن لا تريد أن يتمدد الحلف الأطلسي إلى مناطقها.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

23/2/2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here