دروس روسية فى الأمن القومى

محمد سيف الدولة

[email protected]

 فيما يلى قراءة فى المفهوم الروسى للامن القومى من واقع (كلمات بوتين) التى وردت فى خطابيه فى 21 و 24 فبراير الجارى، اقدمها “بتصرف” من باب المقارنة مع ما نشاهده ونعيشه على امتداد ما يقرب من نصف قرن من نزيف التنازل والتفريط العربى الرسمى فى أساسيات وضرورات الامن القومى الوطنى والعربى فى مواجهة (اسرائيل) والولايات المتحدة.

الأمن المتكافئ

على مدى 30 عاماً نحاول التوصل إلى اتفاق مع دول الناتو حول مبادئ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة في أوروبا… وان خيارات الدول من أجل تعزيز أمنها يجب ألا تتضمن تهديداً لأمن دول أخرى او على حسابها .. إلا أنهم رفضوا ذلك .. لا يريدون لروسيا أن تُحد من أمن الدول الأخرى، ولكن فى المقابل من حق أعضاء الناتو أن يحدوا من أمن روسيا .. ورغم كل احتجاجاتنا ومخاوفنا، توسعوا باطراد. آلة الحرب تتحرك وتقترب من حدودنا.

***

لا تنزع سلاحك .. لا تأمن لهم

·        بعد انهيار الاتحاد السوفيتى كان علينا الاعتراف بالوضع الجديد ومراعاة التغيرات في الوضع العالمى وفى توازن القوى نفسه. لكن كان يجب أن يتم ذلك بمهنية وسلاسة وصبر مع مراعاة مصالح جميع الدول واحترامها. لكن ما شهدناه هو حالة من النشوة من التفوق المطلق، نوع من الشكل الحديث للحكم المطلق.

·        ومع كل الانفتاح غير المسبوق لروسيا الجديدة، والاستعداد للعمل بصدق مع الولايات المتحدة والشركاء الغربيين الآخرين، وفي ظروف نزع السلاح من جانب واحد تقريباً، فقد حاولوا على الفور عصرنا، وتدميرنا تماماً.

·        يقولون إن الناتو لا يهدد أمن روسيا، لكن في عام 1990 عندما كان يجري الجدل حول مسألة إعادة توحيد ألمانيا، كانوا يؤكدون حينها للقيادة السوفيتية أنه بعد إعادة وحدة ألمانيا لن تبدأ عملية تمدد المؤسسة العسكرية للناتو إلى الشرق. كانت مجرد كلمات رنانة. ثم بدأوا يحاولون إقناعنا بأن انضمام دول من شرق ووسط أوروبا إلى الناتو سيساعد هذه الدول في التغلب على انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية... ثم توسعوا شرقا وقربوا معداتهم من الحدود الروسية متجاهلين كافة مصالحنا واهتماماتنا، وقاموا بالبصق علينا وفعلوا كل ما يريدونه وفق مقولة “دع الكلاب تنبح والقافلة تسير.

 أقول إننا لن نوافق على هذا الأمر.

***

القوة وضريبة الضعف

·        لماذا يحدث كل هذا؟ من أين تأتي هذه الطريقة الوقحة في التحدث من موقف الهيمنة والفوقية؟ من أين يأتي الموقف المستهتر والازدرائي تجاه مصالحنا ومطالبنا المشروعة؟

·        لقد ضعف الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ثم انهار تماماً. إن مجمل الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت تعد درساً جيدا لنا اليوم؛ فقد أظهرت بشكل مؤكد أن شلل القوة والإرادة هي الخطوة الأولى نحو التدهور الكامل. فبمجرد أن فقدنا الثقة في أنفسنا لبعض الوقت، عانى ميزان القوى في العالم من الاضطراب.

·        أن القوة الحقيقية تكمن في العدل والحقيقة، التي هي إلى جانبنا. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن القوة والاستعداد للقتال هو الأساس الذي يقوم عليه الاستقلال والسيادة، وهما الأساس الضروري الذي يمكنك من خلاله بناء مستقبلك بشكل موثوق، وبناء منزلك وعائلتك ووطنك.

***

لا تسترضى عدوك

·        نحن نعلم جيداً من التاريخ كيف حاول الاتحاد السوفياتي في عام 1940 وأوائل عام 1941 بكل طريقة ممكنة منع أو على الأقل تأخير اندلاع الحرب… وحرص في سبيل ذلك على عدم استفزاز العدو بدلا من الاستعداد لصد هجومه. وكانت النتائج كارثية، حيث لم تكن البلاد مستعدة لمواجهة غزو ألمانيا النازية، التي هاجمت وطننا الأم في 22 يونيو 1941 دون إعلان الحرب. صحيح انه تم إيقاف العدو ثم سحقه، ولكن بثمن باهظ .. فلقد فقدنا في الأشهر الأولى للعدوان مناطق شاسعة ذات أهمية استراتيجية وخسرنا الملايين من الناس.  

·        لقد تعلمنا أن محاولة استرضاء المعتدي .. كانت خطأ كلف شعبنا غالياً. ولن نسمح مرة ثانية بمثل هذا الخطأ.

***

الخطوط الحمراء

·        ان التوسع الإضافي للبنية التحتية لحلف شمال الأطلسي، والتطوير العسكري لأوكرانيا هو أمر غير مقبول بالنسبة لنا.

·         في أراضينا التاريخية، يتم إنشاء كيان مناهض لروسيا، والذي تم وضعه تحت السيطرة الخارجية الكاملة، ويتم تعزيزه بشكل مكثف من قبل القوات المسلحة من دول الناتو ويتم منحه أحدث الأسلحة.

·        بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، هذه هي سياسة احتواء روسيا، وهي تمنحهم مكاسب جيوسياسية واضحة. وبالنسبة لبلدنا، هذه في النهاية مسألة حياة أو موت، وهي مسألة مستقبلنا التاريخي كشعب .. هذا تهديد حقيقي ليس فقط لمصالحنا، ولكن لوجود دولتنا وسيادتها. هذا هو الخط الأحمر الذي تم الحديث عنه مرات عديدة.

·        ان الضمانات الامنية التى يتجاهلونها والتى نصر نحن عليها تتكون من ثلاثة نقاط رئيسية: أولاً، عدم السماح للناتو بالتوسع، ثانياً رفض نشر القواعد والمنظومات الهجومية قرب الحدود الروسية، وأيضاً العودة إلى حدود عام 1997 لانتشار الناتو.

***

الابادة الجماعية

·        كان من الضروري ايضا إيقاف الإبادة الجماعية ضد ملايين الأشخاص الذين يعيشون هناك، والذين يعتمدون فقط على روسيا، كانت هذه التطلعات والمشاعر وآلام الناس هي الدافع الرئيسي بالنسبة لنا لاتخاذ قرار الاعتراف بجمهوريات دونباس الشعبي.  ان هدفنا هو حماية السكان الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف لمدة ثماني سنوات.

·        لكل ذلك فاننا سنسعى جاهدين لنزع سلاح أوكرانيا، وتقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم دموية عديدة ضد المدنيين، بمن فيهم مواطنو الاتحاد الروسي، إلى العدالة.

***

لم يكن هذا حديثا عن الصراع الروسى الأوكراني، كما لم يكن تسليما بالرواية الروسية، فهذا موضوع آخر. وانما كان حديثا ذى شجون عربية وفلسطينية بحتة.

*****

القاهرة فى 26 فبراير 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here