قضية إختطاف الأطفال في السويد: أرانب تجارب في الصناعات الدوائية

Image preview

معهد أوبسالا لتحسين النسل

إيهاب مقبل

عندما ينحرف رجال الدولة تسعى السلطات والقوى القانونية بجهد لإصلاح هذا الإنحراف وإعادة الثقة وتحقيق العدالة. ولكن عندما تكون هناك رغبة في شرعنة هذا الإنحراف، حينها يختل ميزان العدالة وتُكرس الأفكار المُنحرفة في المجتمع.

تصاعد الغضب من جانب الجالية العربية والمُسلمة في السويد ضد دائرة الشؤون الإجتماعية، المعروفة باسم «السوسيال»، والتي تُتهم بخطف الأطفال من عائلاتهم الأصلية، إضافة إلى تعرض بعض الأطفال والفتيات لمعاملات بعيدة تمامًا عن الإنسانية لدى الأسر البديلة ومنازل الرعاية التي تديرها شركات خاصة.

ورجحَ السياسي العربي في الحزب المسيحي الديمقراطي السويدي «عيسى عيسى»، في لقاء أجراه معه الإعلامي «جورج توما» في السادس والعشرين من فبراير شباط الماضي 2022، إلى إن سبب عمليات إنتزاع الأطفال من ذويهم، ووضعهم في منازل الأسر البديلة ومنازل الرعاية الخاصة، هو «الفساد الإداري»، والذي يمكن تعريفه على أنه إساءة للثقة لتحقيق مكاسب شخصية أو مكاسب للعائلة أو الاصدقاء أو المعارف.

كما قدمَ عيسى عيسى إستقالته من مجلس الرعاية الإجتماعية السويدية المعروف في السويد بإسم «سوسيال نيمدن»، وهي الجهة المسؤولة عن دائرة الشؤون الإجتماعية «السوسيال»، وذلك بسبب الفساد المستشري في هذه الدائرة الحكومية، إذ تُحقق كل أسرة بديلة أرباحًا مالية تصل إلى نحو 40 ألف كرون سويدي شهريًا/ 4400 دولار شهريًا على رعاية كل طفل مُنتزع من والديه البيولوجيين.

وقضية إختطاف الأطفال في السويد ليست حديثة العهد، ففي الحادي والثلاثين من يوليو تموز عام 1983، نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تقريرًا طويلًا بعنوان «أطفال جولاج في دولة الرفاهية السويدية»، وأتهمت فيه علانيةً دائرة السوسيال السويدي بإختطاف الإطفال من أسرهم الأصلية دون سبب واضح والإتجار بهم، مما أحدث حينها ضجة كبيرة، أدت إلى إرسال وزارة الخارجية السويدية تهديدات شفهية لنحو 150 صحفيًا أجنبيًا في مؤتمر بستوكهولم في محاولة للسيطرة على تقاريرهم.

كما أصدرَ العديد من المؤلفين كُتبًا باللغة السويدية تتناول هذه القضية عن كثب، منها كتاب «السلطة فوق الأطفال» لتوفه كارلسّون، والصادر عام 2018، وكتاب «التحول القسري للأطفال المسلمين في السويد» لسيد عيسى موسوي، والصادر عام 2017، وكتاب «الإتجار المربح بالبشر في البلديات» للنائب السابق من حزب الوسط في البرلمان السويدي أوفه سفيدين، والصادر عام 2013.

ويُعد كِتاب أوفه سفيدين من أهم الكُتب، وذلك لإنه كان شخصيًا شاهدًا في ثلاثين حالة إختطاف أطفال من ذويهم في سبع بلديات سويدية لمدة 17 عامًا، وبحوزته كذلك الوثائق والمُراسلات التي تدين السوسيال السويدي وجهاز الشرطة والقضاة والمحاميين والأطباء.

يقول سفيدين في الصفحة السابعة من كتابة: «بدعم من المحاكم الإدارية، تسمح مصلحة الخدمات الإجتماعية لخدمة النقل البوليسية بإختطاف الأطفال مباشرة من المدرسة، وبدون علم الوالدين، ويوضعون في منزل تحقيق أو منزل رعاية بعيدًا عن منزل الطفل.. ومع الضمير الواسع للوالدين بالتبني، ودون إذن الوالدين البيولوجيين، يمكن فيما بعد إستخدام الطفل المختطف كعامل غير مدفوع الأجر في مزرعة، أو يتم تبنيه بعيدًا، أو يتم بيعه لمدمني الجنس، أو لمشتهي الأطفال من الأثرياء، أو يتم إستخدامهم كأرانب تجارب في صناعة المستحضـــــرات الصيدلانيـــــة».

ويطرح سفيدين في كتابه قُصص متنوعة لأطفال مُصابين بأمراض مُختلفة، كالأطفال المصابين بـ«إضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط» والأطفال المصابين بـ«مرض طيف التوحد»، تعاطوا أدوية غير مُعتمدة بعد إنتزاعهم من والديهم البيولوجيين، وأوصلتهم لاحقًا إلى حالة من اليأس والتفكير بالإنتحار، إذ يقول في الصفحة السادسة والأربعين من كتابه: «لقدْ أصبحت هذه التنشئة الإجتماعية السرية الآن فعالة للغاية لدرجة أن السُلطات تُحقق أرباحًا من تفكك الأسرة أخلاقيًا وماليًا وإجتماعيًا وطبيـــــًا، وصولًا إلى مئات حالات الإنتحار، خاصة من الأمهات والأطفال، والذين لم يعدوا قادرين على المزيد من النضال ضد السلطات الإجتماعية الفاسدة».

وقضية التجارب الطبية على الأطفال في السويد ليست جديدة بتاتًا. المعهد الوطني لتحسين النسل، ويسمى كذلك معهد الأحياء العنصرية، ويشتهر شعبيًا بإسم «معهد الرعب»، وهو معهد علمي تأسس في مدينة أوبسالا وسط السويد سنة 1922، بحجة توفير أساس علمي لتحسين النسل، وقدْ تورط هذا المعهد بإجراء تجارب علمية مرعبة على البشر، مما أدى خلال الفترة 1922 – 1976 إلى مقتل نحو 70 الف شخص، معظهم من فئتي الأطفال والنساء بحسب الكاتبة السويدية إيفا دالغرين في كتابها «جدي كانَ عنصريًا علميًا».

كانَ وراء هذا المعهد، الطبيب السويدي والعنصري العلمي «هيرمان برنارد لوندبورغ»، تولد عام 1868 – توفى عام 1943. وقدْ لاقت أفكار لوندبورغ آنذاك دعمًا من السياسيين، ولاسيما الديمقراطي الإشتراكي «ألفريد بيترين»، وكادر طبي مختص، وكانت حجتهم الأساسية: «تنظيف العِرق والقضاء على الأمراض والمعاناة عبر خَلق جيل جديد صحي وبشعر أشقر وبشرة بيضاء طويل العنق والقامة»، وهكذا حسب أفكارهم العنصرية سيكون المجتمع خالي من «التدهور والإنحدار العرقي أو التسمم بالإعراق الآخرى». وقدْ أمتحنَ لوندبورغ خلال سنة 1926 أكثر من 100 ألف سويدي، وإعتمد حينها على القياسات الجسمية، وعلم قياس الجماجم، وغيرها من التخصصات أو شبه التخصصات، في دعم نظرية تصنيف البشر إلى أجناس بشرية منفصلة جسديًا، بحيث تكون أجناس محددة أكثر رقيًا من أجناس أخرى.

وتمكنَ لوندبورغ في سنة 1934م من إصدار قانون يسمى بـ«قانون التعقيم»، إذ إستهدفَ المرضى عقليًا وذوي الإصابات التنموية والجسدية والنساء المنحدرات من أسر فقيرة، وكانت تجاربه تجرى على أساس تعسفي في كثير من الأحيان فأدت إلى مقتل الآلآف من الأطفال والنساء. ورغم تأييد الحكومات السويدية المتعاقبة لإرتكاب مثل هذه الجرائم غير الأخلاقية وغير الإنسانية بحق الأطفال والنساء، إلا أنهم صدموا في النهاية عندما تيقنوا ان «علم تحسين النسل زائف وغير حقيقي بإستثناء بعض من جوانبه كالجينات الوراثية».

وفي ستينيات القرن الماضي، استخدم مستشفى فيبيهولم بمدينة لوند جنوب السويد، الأطفال الذين يعانون من إعاقة في النمو كـ«أرانب تجارب في الصناعات الدوائية»، في إنتهاك صريح للمبادئ الأخلاقية والطبية والقانونية.

وسجلت السويد رقمًا قياسيًا عالميًا بإستخدام الأطفال في الصناعات الدوائية داخل هذا المستشفى الحكومي بحسب تقرير بثه الراديو السويدي في الثاني والعشرين من اكتوبر تشرين الأول عام 2020، ويحمل عنوان «موضوع اختبار عمره ست سنوات في تجربة تسوس سويدية»، حيث كانت حجة الحكومة السويدية آنذاك عِبر شركات الأدوية بأنها تريد إستخدام هؤلاء الأطفال من أجل تحسين الصحة العامة للسكان والقضاء على تسوس الأسنان (حوالي 98٪ من الأطفال والشبان السويديين في ذلك الوقت عانوا من تسوس الأسنان حتى خمسينيات القرن الماضي لإنهم كانوا مغرمين بتناول الحلويات منذ إستيراد السكر للسويد من مستعمرات منطقة البحر الكاريبي في القرن الثامن عشر). ولذلك احتجزت الحكومة السويدية الآلاف من هؤلاء الأطفال الضعفاء داخل هذه المؤسسة المغلقة، وأجبرتهم على تناول كميات كبيرة من الكراميل. والنتيجة كانت وفاة أكثر من 200 طفل جراء هذه التجارب الوحشية التي تربط الفيتامينات والمعادن بتسوس الأسنان.

وفي مقالة بعنوان «لا تستخدموا أطفالنا كأرانب تجارب»، نُشرت على موقع فيتتكت السويدي في الرابع والعشرين من يناير كانون الثاني عام 2018، تُحذر فيها من تجارب «هرمون التستوستيرون» على الأطفال بهدف تحويل جنسهم إلى ذكور، إذ جاء فيها: «التستوستيرون الذي يعطيه الأطباء للأطفال والشابات غير معتمد للاستخدام مع هؤلاء المرضى. لا أحد يعرف ما هي الآثار الجانبية التي سيتم اكتشافها بعد عدة سنوات من العلاج. إن قدرة كل من الأطباء والمجلس الوطني للصحة ومجلس الرعاية الإجتماعية على تجاهل العِلم والخبرة المثبتة لهو أمر غريب للغاية وغير أخلاقي تمامًا».

وجاءَ في المقالة أيضًا: «وصفت دراسة سويدية أرقامًا مخيبة للآمال لمزاج سيئ بعد جراحة تغيير الجنس، ولم يشعر 4 من 19 شخص بحالة جيدة بعد تلقيهم العلاج، وأن 1 من 19 شخص ندم على إجراء الجراحة. ينطوي ندم الخضوع لهذه الجراحة بالطبع على معاناة هائلة. كيف يمكن لكل من المجلس الوطني للصحة ومجلس الرعاية الإجتماعية وموظفي الرعاية الصحية أن يغضوا الطرف عن حقيقة أنهم يفتقرون إلى الأساس العلمي الكافي والخبرة المثبتة ويدعون أنهم لا يمارسون التجارب؟! لا توجد موافقة على إستخدام علاج التستوستيرون، والذي تتلقاه الإناث المتحولات إلى ذكور، ولا يعرف ما هي الآثار طويلة المدى لهذا الدواء. وتوجد بالفعل تجربة سابقة مماثلة لفتاة كانت تتعاطى هرمون التستوستيرون، وتسبب لها هذا الهرمون بمآسي شخصية. لماذا لا نتعلم شيئًا من التاريخ؟!».

والتستوستيرون، هو الهرمون الجنسي الرئيسي لدى الذكور، ويلعب لدى ذكور البشر دورًا مفتاحيًا في نمو الأنسجة التناسلية الذكرية مثل الخصيتان والبروستات، وكذلك تعزيز الخصائص الجنسية الثانوية مثل زيادة كتلة العضلات والعظام، ونمو شعر الجسم.

معظم الدراسات الطبية التي تجرى اليوم في السويد وأوروبا، تتعلق بالأمراض النفسية والعصبية. وفي تقرير بعنوان «شركات الأدوية تستخدم الفقراء كارانب تجارب»، والذي نُشر في صحيفة «عالم الأدوية» السويدية، وهي صحيفة الكترونية مستقلة، يُحذر فيه من إستخدام الفقراء في تجارب الصناعة الدوائية، عن طريق إختبار أدوية جديدة ضد الدواء الوهمي على الرغم من توافر الأدوية.

يقول التقرير الصادر في السابع والعشرين من فبراير شباط عام 2008: «لا تتبع شركات الأدوية الإرشادات الدولية التي تنص على أنه في تجارب الأدوية مع المرضى، ينبغي إستخدام الدواء الوهمي فقط في حالة عدم وجود دواء لمرض المريض. ومن الأمثلة تجربة إستخدام دواء لمرضى إنفصام الشخصية. تمت الموافقة على الدواء بالفعل، ولكن الشركة طورت نسخة جديدة، مما يعني أن المريض يحتاج فقط إلى تناول الدواء مرة واحدة في اليوم. والنتيجة كانت إنتحار أحد المرضى، بينما اضطر العديد من المرضى الآخرين الذين تلقوا العلاج الوهمي إلى تلقي الرعاية النفسية، على الرغم من أنهم كانوا مستقرين في مرضهم قبل بدء التجربة».

وتُشير الصحيفة إلى أن المسؤولية الكاملة لهذه التجارب لا تقع على عاتق شركات الأدوية، إذ تقول: «يشارك البعض في هذه التجارب للحصول على المال، والبعض الآخر لأنها قدْ تكون الفرصة الوحيدة للحصول على العلاج».

تدفع شركات الأدوية أكثر من 7500 كرون سويدي/ 750 دولار مقابل إجراء تجربة عقار جديد على متطوع من البشر. ويُستخدم الأطفال عادةً في المرحلة الثالثة من تجارب الدواء الجديد لمعرفة تأثيراته عليهم (المرحلة الأولى الأصحاء والمرحلة الثانية المرضى)، وذلك قبل طرحه في الأسواق ومراقبة آثاره الجانبية الخطيرة وغير المتوقعة في المرحلة الرابعة. والمطلب القانوني لإجراء مِثل هذه التجارب على الأطفال هو الحصول على موافقة الوالدين أو رُعاة الأطفال، ولكن عادةً ما يرفض الأبوين البيولوجيين إجراء تجارب طبية على أطفالهم. ولذلك، تحصل شركات الأدوية، وبالتعاون مع دائرة الشؤون الإجتماعية «السوسيال»، على هذه الموافقة من الأسر البديلة أو الرُعاة الجُدد للطفل المُختطف، بهدف إجراء تجارب طبية عليه.

Image previewعائلة سورية إنتزع منها خمسة أطفال في السويد

إنتهى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here