ثقافة من نوع أخر

ثقافة من نوع أخر :
بقلم ( كامل سلمان )
شخص يظهر على شاشة تلفزيونية او يكتب مقال تحليلي ليقول ( انا محايد حول الصراع بين الطرف الفلاني والطرف الاخر ولكني ارى الطرف الاول معتدي متجاوز وعميل للأجنبي ويستوجب قتله ) يقول هذا الكلام وهو يظن في قرارة نفسه انه على الحياد هذه هي نمط الثقافة الجديدة عند بعض المثقفين الذين لا يفهمون من الثقافة الا رذاذها ، وشخص أخر يوصف بإنه محلل وباحث سياسي اسمه الدكتور ؟ وهو عضو في الحزب ال؟ يقول وامام كاميرات التلفزة وفي مناظرة مباشرة مع نظير له من جبهة اخرى يقول ( انني رجل احترم الرأي الاخر ولكنني لا اسمح للطرف الاخر بنقد كلماتي او ابداء رأي يخالف ما نحن مؤمنون به ، فهذا خط احمر لا يسمح تجاوزه ) . هذا نمط اخر من الثقافة والديمقراطية عند بعض السياسيين ، وعندما ينتهي الحوار وبعد اللقاء تتصاعد ادخنة التهديدات وغالبا ما تكون ذات طابع عشائري او ميليشياوي او ارهابي بإمتياز .
وشخص ثالث يعتبر اولياء نعمته ورموزه تيجان على رؤوس الاخرين رضوا ام لم يرضوا وان أبوا فهم اولاد زنا بدون تردد او حياء… وشخص رابع يقف امام شاشة فضائية ليقسم بمقدساته التي هو يؤمن بها ليثبت للاخرين مصداقية كلامه وهو مسؤول في الدولة ولا ادري اية دولة في العالم تدار شؤونها بالقسم واليمين والحلف لتبيان الصح من الخطأ ، شيء لا يصدقه العقل .
اذا هي ثقافة تاج الرأس وثقافة الخط الاحمر وثقافة الوعيد وثقافة القسم وثقافة الدكة العشائرية ، وللأسف نسميها ثقافة لإن لها منظرين واتباع ولها قواعد جماهيرية معتبرة واذا ما فكر احدنا بإزالة هذه الانماط من الثقافة عليه ان يفكر بإزالة قطاع كبير من المجتمع وعليه ان يحسب حساب التهلكة التي سينالها . والمشكلة ليست انك لا تعير الاهتمام لمثل هذه الثقافة الجاهلية بل واجب عليك التعامل معها واحترامها لإنها ثقافة النخبة التي تقود البلد اليوم ، عليك ان تصدق وتعتقد ان تلك الختمة السوداء على جبين المتحدث بإنها علامة التقوى . عليك ان تحترم المحابس في اصابع يده بإنها حرز من الله لزيادة امواله والبركة في نموها ..
نعم انا سأذعن لهذه الثقافة واتجرع مرارتها وبكل مساوئها كأي فرد عاش في بلد اسمه العراق ولكن هناك سؤال يختلج في صدري ، ماذا قدمت هذه الثقافة للناس ؟ انا هنا اتساءل سؤال قد يكون غريب لإن ما أسمعه من بعض العقلاء واقصد عقلاء تلك الثقافة ينتقدون حملة هذه الثقافة ولا ينتقدون ذات الثقافة لإن هؤلاء العقلاء كما يسمون انفسهم عقلاء واكثر حديثهم يأتي من على المنابر ، يرون ان اسلوب التعبير عن هذه الثقافة هي التي كانت وراء المآسي والالام للناس اي ان هذه الثقافة بريئة من الوضع المآساوي وعلينا ايجاد من هو اهل للتعبير عن هذه الثقافة لإن هؤلاء السابقين لا يجيدون اللعب وان هذه الثقافة صحيحة ولا عيب فيها والعيب بمن لا يفهمها وبمن لا يرسمها بشكل صحيح في اذهان الناس وكلمة الناس اي البسطاء …. يعني بمعنى اوضح قد ذهب هؤلاء العقلاء الى مكان ابعد واعطوا بعدا فلسفيا لهذه الترهات و التخرصات .
بعض المثقفين الحقيقين انساقوا وراء هذه الثقافة الهجينة تحت تأثير الواقع . . في بلد مثل العراق يعج بالمثقفين الحقيقين لا يمكن ان يسمح ( لثقافة ارى بعض عناوينها وشخصياتها وكأني ارى متسولين في منظرهم العام ) يتسيدوا المشهد العام للبلد و يختزلوا جمالية النطق الثقافي بمفردات نكرة ولغة عقيمة ومفاهيم نتنة ليجعلوا الحياة سوداوية بشكلها ومنظرها .
العراق لا يستحق مثل هذه الثقافة المهينة فهو بلد انتج الثقافات الرائعة ، ايها الناس انقذوا العراق من مخالب ثقافة هي ثقافة الجهلاء ، لا يمكن ان تصبح هذه هي لغة الاعلام والكتابة والخطابة ولا يمكن ان تكون هذه الثقافة البديل عن ثقافة التنوير واحياء العقول ، والله ان العين لتدمع عندما اقرأ او اسمع احدهم يتكلم بأسلوب او يكتب بأسلوب لا يطيق سمعه او قراءته الا من عاش في ظلمات الدنيا وامتلاء قلبه بالقيح والكراهية على المجتمع وعلى الإنسان اينما كان واستحكمت الجهالة في ثناياه ، لإننا جميعا نعلم ان المعرفة والعلم والدين تنظف القلوب وتطهرها لا ان تلوثها ، ولكن يبقى منشأ الطيبين غير قابل للتقليد !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here