اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 14)

اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 14)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب منة المنان للشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: إن فائدة الكلام إنما هو إيصال المعنى إلى السمع بأي قالب كان وبأي لفظ كان . فاختيار الألفاظ وصياغتها ستكون بطبيعة الحال اختيارية للمتكلم , فله إن يختار من الألفاظ ما يشاء من دون إن ينطبق قانون الترجيح بلا مرجح . لان هذا القانون منطبق على العلة القهرية لا على العلة الاختيارية . ومع وجود الاختيار فالترجيح بلا مرجح ممكن . لان الاختيار والإرادة هو الذي يكون مرجحا , ثبت في علم الكلام . ومعه فلا يمكن السؤال بأن الله تعالى : لماذا قال كذا ولم يقل كذا . لأنه سبحانه إنما يريد أن يوصل المعاني إلينا لا أكثر ، واختياره لهذه الالفاض يوافق الحكمة والفصاحة والمصلحة التي هي في علمه . وبذلك يندفع كثير من الاسئله التي يمكن إثارتها عن التعبير القرآني . لأن جوابها إن الله تعالى أراد هذا التعبير اختيارا وليس لنا أن نناقش فيه . فمثلآً : لمجرد الإيضاح ، ليس لنا أن نسأل أنه تعالى : لماذا جعل آيات سورة البقرة طوالا التي تبدأ بالاية المباركة “الم” (البقرة 1) وآيات سورة ق قصاراً ؟ أو انه لماذا جعل النسق في السورة الفلانية بالنون والأخرى بالقاف والأخرى بالميم ؟ وهكذا . فأنها كلها أمور اختيارية غير قابلة للمناقشة . ومنها : إن قصور اللغة يمكن أن يكون هو المسؤول عن كثير من الظواهر الكلامية . في حين إن التوسع في اللغة هو الحاجة الضرورية لكثير من الأمور كالقوافي الشعرية والسجع ولزوم ما لا يلزم ، كما في لزوميات المعري ومقامات الحريري وغيرها . فإذا لم يوجد في صدد معين إلا ثلاث كلمات أو أربع اضطر المتكلم إلى حصر حديثه في نطاق ضيق أو إلى تكرار العبارات نفسها لإتمام مقصودة .

وهذا هو الذي أعنيه من قصور اللغة . وهو باب واسع لا يقتصر على هذا المجال . ولعل هذا هو الذي يفسر لنا عددا من ظهور النسق القرآني، اعني نهايات الآيات ، أو الروي وهو ماقبل النهاية . كتكرار لفظ الناس في سورة الناس ، والتكرار في سورة ق و ص وغيرهما. ومن ذلك تغير النسق في سورة مريم بمقدار ست آيات ونحو ذلك. فان قلت: ولكن الله قادر على كل شئ ، فهو قادر على أن يوجد كلمات كثيرة غير مكررة لحفظ النسق . قلت :هذا وهم فان القدرة وإن كانت تامة ولا نهائية في ذات الله سبحانه ، لكنها تتعلق بالممكن والمقدور . إما المستحيلات فلا تتعلق بها القدرة ، كما هو مبرهن عليه في محله من علم الكلام، لقصور الموضوع لا لقصور الفاعل. ومن جملة قصور الموضوع ، قصور اللغة ، فأنها ليس فيها من الكلمات ما يكفي لأجل سد الحاجة . ولايمكن اختيار الكلمات إلا بالمقدار المناسب مع المجتمع وما يفهمه الناس، ولا يمكن ان نتكلم بكلام غير مفهوم باعتبار إتمام السجع أو النسق أو الرويَ، بطبيعة الحال .

جاء في كتاب الطهارة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: معاني الطهارة: لابدَّ لنا في أول كتاب الطهارة، من أن نعطي معنى الطهارة فقهياً، وإن كنا قد تحدثنا عنه بما فيه الكفاية في فصله الخاصِّ به من كتابنا ما وراء الفقه. وقد برهنا هناك: أنَّ الطهارة هي الحالة الناتجة عن زوال الدنس، إلا أنَّ الأدناس تختلف جداً، وباختلافها تختلف أنواع الطهارة ومعانيها مع رجوعها جميعاً إلى المعنى المشار إليه. وقد برهنا هناك أنَّ عامَّة معاني الطهارة تعود إلى الطهارة المعنوية، ولا تختصُّ بالطهارة المادية التي هي زوال الدنس المادي، كالتراب وغيره عن اليد مثلاً، وإنما هذا أحد المعاني فقط من عددٍ كثيرٍ من المعاني التي تعود كلها إلى الجهة المعنوية. ونعددها فيما يلي باختصار، مع شيءٍ من الإيضاح والإستشهاد بآي القرآن الكريم بعونه سبحانه منها انقطاع دم الحيض، فإنه من معاني الطهارة في اللغة، ومنه قوله تعالى: “ولا تَقرَبُوهُنَ حَتّى يَطْهُرنَ” (البقرة 222). و الاستنجاء من البول والغائط، فإنه من معاني الطهارة لغةً. ومنه قوله تعالى: “إِنّ الله يُحِبُ التَّوابينَ ويُحِبُ المُتطهِرِّينَ” (البقرة 222) بقرينة ما ورد من مورد نزولها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here