فلسفة : لولا الشر، لما وُجد الخير

فلسفة : لولا الشر، لما وُجد الخير * د. رضا العطار

يعتبر (الشر) شرطا ضروريا لوجود (الخير)، اذ لولا امكانية الشر لكانت امكانية الخير ضربا من المحال. والواقع ان الخير والشر لا يوجدان في الاشياء بل في الطريقة التي تستخدم بها ارادتنا تلك الاشياء – – – ولعل هذا ما فطن اليه بعض فلاسفة العصور الوسطى حينما قالوا :

(ان الارادة في حد ذاتها خيرة، وانما يكمن الشر في سوء استعمال هذه الارادة)

ولكن بيت القصيد – في رأينا – هو ان نؤكد انه لو لم يكن هناك سوى اسلوب واحد او طريقة واحدة في استعمال الواقع الخارجي سواء أكانت هذه الطريقة خيرة ام شريرة، لصار السلوك حتما ضروريا، وبالتالي لفقد صبغته الاخلاقية. وقد نقول انه لا معنى للخير الهم الا بالنظر الى الاختيار الممكن للشر ، والعكس بالعكس – – – واذن فإن الشر مرتبط بممارسة الحرية البشرية لنشاطها الخاص، اذ لولاه لحقق الانسان الخير بطريقة آلية (ميكانيكية)

ومعنى هذا اننا لو رفعنا عن الانسان امكانية الشر او الخطأ او الضلال لاصبح الانسان كائنا مجبرا لا يملك ادنى قسط من الحرية على الاطلاق – – – والواقع ان تعارض الخير والشر يضع امام انظارنا منذ البداية اسلوبين متمايزين من اساليب (الوجود

في العالم) او طريقتين مختلفتين من طرق (التعامل مع الواقع).

صحيح اننا جميعا نواجه في الحياة موقفا واحدا ولكن الازدواج القائم بين الخير والشر انما يضع بين ايدينا اسلوبين متناقضين في تفسير هذا الموقف الواحد. وقد يكون الاسلوب الاول منهما اميل الى الاخذ بفلسفة التفاؤل في حين يبدو الاسلوب الثاني منهما اقرب الى التسليم بفلسفة التشاؤم. ولكن المهم ان هذا الازدواج القائم على وجود (التناقض) انما هو الذي يضطر الانسان الى (الاختيار) سواء أكان ذلك بالخضوع والقبول ام بالثورة والتمرد.

فلولا هذا العارض الذي قد يسمح للانسان بان يتخذ من اشد العقبات صلابة نقطة ارتكاز له من اجل الانطلاق الى ما وراءها، لاستحال الانسان الى مجرد (طبيعة) بدلا من ان يكون (حرية) – – – واذن فان ممارسة الحرية لذاتها مشروطة بقيام هذا التعارض الاصلي بين الخير والشر بحيث قد يكون في وسعنا ان نقول ان وجود (الشر) هو الذي يقود الانسان الى اختيار الخير، ولعل هذا هو السبب في ارتباط مشكلة الشر منذ البداية في اذهان الكثيرين – بمشكلة الاختيار او للحرية.

· مقتبس من كتاب فلسفة الحياة د. زكريا ابراهيم – القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here