ريادة الأعمال الإنسانية.. استراتيجية خروج من محنة الكوكب

ريادة الأعمال الإنسانية.. استراتيجية خروج من محنة الكوكب
نيرة النعيمي
ربما كان الدافع الأساسي وراء نشأة ريادة الأعمال دافعًا اقتصاديًا بحتًا، أما الآن وقد أمست التغيرات الجذرية تضرب بأطنابها في شتى أصقاع العالم، وعمت الكوارث في كل ناحية، فلم يعد من سبيل سوى التوجه إلى نموذج ريادة الأعمال الإنسانية.
والحق أن التحولات البنيوية التي شهدها النسق الرأسمالي كانت هي المحفز والدافع الرئيسي _رغم مأساوية هذه التحولات_ وراء بزوغ الحاجة إلى ريادة الأعمال الإنسانية.
كان الهدف، والمفترض أن الأمر ما زال كذلك، من التقدم والتنوير وشتى عمليات التحديث المختلفة هو تسييد الإنسان على الطبيعة، وتعميم الخير، وتعزيز قيم التقدم العلمي والمادي والروحي، سوى أن ما حدث كان خلاف ذلك، فالنتائج لم تعد تشبه المقدمات في شيء.
ما بعد الإنسان
وإذا كانت الكارثة _البيئية والاقتصادية والاجتماعية_ أمست هي النموذج الأكثر شهرة وذيوعًا في عصرنا الراهن، الذي يُسمى عصر الـ “ما بعد” (ما بعد الحداثة، ما بعد التنوير، ما بعد الإنسان ذاته)، أمست هناك حاجة ماسة للابتكار داخل الاقتصادات؛ لدعم الانتعاش الاقتصادي وحل العديد من القضايا الاجتماعية والبيئية على الصعيد العالمي.
ومن هنا، وعلى صعيد التجدد والابتكار المفاهيم، جاء مفهوم ريادة الأعمال الإنسانية التي تعمل على إيلاء العناية بالإنسان، ووضعه في أول اهتماماتها.
والحق أن ذلك؛ أي نشأة مفهوم ريادة الأعمال الإنسانية، جاء متناغمًا مع حركة فكرية أخرى آخذة في الذيوع والانتشار في الحقبة الأخيرة وهي تلك الحركة التي تسمى في الأدبيات النظرية عمومًا «ما بعد الإنسان».
غير أن تقديم تعريف جامع مانع لهذه الحركة أمر جد عسير؛ ذلك لأن الحركة ذاتها خاضعة لجدل لا يرحم، فثمة من يعارضها وهناك أيضًا من يؤيدها، لكن ما يمكننا قوله في هذا الصدد إن هذه الحركة _سواءً كنا من المؤيدين لها أو الرافضين إياها_ لست سوى استجابة للأزمات التي باتت تضرب بأطنابها في شتى أرجاء العالم المعمور.
وإن كانت هذه الحركة تعمل على صعيد الاشتغالات الفكرية والاجتماعية والنفسية، فإن ريادة الأعمال الإنسانية تعمل على الصعيدين الاقتصادي والإنساني، لكنها لا تغفل بقية الجوانب، ومن هذا الجانب تبدو أواصر الصلة بينها وبين حركة ما بعد الإنسان بشكل عام.
طبقات الحداثة وتحولات الريادة
من أكثر الموضوعات إثارة للجدل هو موضوع الحداثة ذاته؛ إذ هناك تصنيفات وتحديدات جمة لهذا المفهوم، الذي هو تعبير عن حقبة زمنية بعينها، يزعم البعض أن العالم تخطاها ودخل مرحلة أخرى، فيما يزعم آخرون أن الحداثة حقبة لا تنتهي.
وإن كان ذاك الجدل لا يعنينا في الوقت الراهن، فإن ما نبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن التحولات الجمة التي خضعت لها حركة الحداثة تزامن معها تغير أو تحول آخر في نسق ريادة الأعمال.
ذلك أن الريادة ليست حركة خارج الزمن، وإنما كل فكر/ مشروع ريادي هو استجابة لظروف اجتماعية واقتصادية بعينها. وكان من نتاج هذه التحولات التي غمرت حركة الحداثة أن ألفينا على صعيد آخر مواز صعود وظهور مصطلح “ريادة الأعمال الإنسانية”.
فمطالعة تحليل زيجمونت باومان _على سبيل المثال_ للحقبة الراهنة التي يسميها هو مرحلة السيولة أو عصر السيولة، ومعه أيضًا تحليلات بيونغ تشول هان؛ تبين أن العالم يخوض بقدميه في وحل من الكوارث والأزمات، وبالتالي كان لا بد من طوق نجاة جديد، وليس ذلك سوى ريادة الأعمال الإنسانية.

ريادة الأعمال الإنسانية ومحنة الكوكب
ليس بخافٍ على أحد أن كوكب الأرض رازح تحت نير أزمات مركبة لا ترحم؛ من شح الموارد، إلى أزمة الطاقة، فالاحتباس الحراري وتغير المناخي.. إلخ؛ ما يوصلنا إلى استنتاج مفاده أن وجودنا البشري على شفير الهاوية.
وفي مواجهة هذه المحنة طرح جماعة من المفكرين نموذج ريادة الأعمال الإنسانية؛ ذاك الذي يسعى إلى إعطاء الأولوية للجوانب الاجتماعية والبيئية جنبًا إلى جنب توليد وظائف ذات نوعية حياة أعلى.
وتأخذ ريادة الأعمال الإنسانية، علاوة على ذلك، في اعتبارها العمل على صنع إدارة مسؤولة للموارد المتاحة، وتعزيز التنمية المسؤولة بيئيًا وإنسانيًا واجتماعيًا.
وتعمل ريادة الأعمال الإنسانية كذلك على توفير مفهوم عملي للتنمية المستدامة يمكنه أن يسهم في التنمية الاقتصادية الاجتماعية والاستدامة بشكل عام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here