حوار مع القاص والروائي العراقي هيثم بهنام بردى

حاوره: الدكتور عامر ملوكا

 عندما تجري حواراً مع مثقف مهنته التلاعب بالحروف وصياغة الكلمات حيث تكون الفلسفة والحكمة من أهم ما يميز نتاجه الادبي، حيث الكتابة عنده لم تعد ترفاً أو سعياً لنيل شهرة أو مكاسب مادية، بل تعتبر مسؤولية وأمانة و تفاعلاً حياتياً متكاملاً مع كل ما يدور حوله ليصل من خلالها إلى الحق والحقيقة، ولا بد من أن يكون هناك هدف ورسالة نبيلة يحاول هيثم بردى أن يوصلها من خلال كتاباته وترسم خارطةً للمحبة أشبه بسياحة للعالم لأن ما يخلفه الكاتب من نتاج فكري هو بمثابة صحيفة الأعمال أو السيرة الذاتية التي تظل تلاحق الكاتب كظله، ولابد للكاتب أن يحمل عنصر الدهشة والانبهار في كل ما يجده حوله كي لا يكرر نفسه ومواضيعه ويصبح نتاجه مملاً للقارئ والمتلقي.

وجدت في أعمال صديقي الروائي هيثم بردى أنها ممتلئة بمحبة الوطن وبمحبة الانسان الذي ينتمي له، والمتمسك بالقيم، والمجاهد من أجل ديمومتها وبقائها وتتألق كتاباته التي تسمو فيها الألفة السمحة على الذاتية الضيقة، فكلما حاولنا الغوص في عمق معانيها وهي تشبه تقطير الزهور بهدف الوصول إلى العطر الثمين، راسماً خارطة للمحبة تنقلنا لعوالم مليئة بالروعة والجمال، فالكتابة هي تفريغ لما يحمله الكاتب على مستوى ما يعيشه وما يعانيه أو ما يختزنه في الذاكرة، وتأخذك كتاباته إلى عوالم الحقيقة والخيال المبدع لينقلنا إلى عوالم الجمال والألق بأبهى صوره، وكما يقول ريك مودي: أظن أنني عندما أكتب وبشكل أدق – متى ما كتبت, سأكون انساناً أفضل وأكثر سلاماً، فوجدت الروائي هيثم انساناً فاضلاً وأكثر سلاماً وعندما تلتقيه كأنك تعرفه منذ زمن سحيق بقدم الحرف المكتشف في حضارة ما بين النهرين، وقبل أن نبدأ الحوار هذه بعض السطور للتعريف بالروائي هيثم بردى.

هيثم بهنام بردى في سطور

هيثم بهنام بردى، قاص وروائي وكاتب أدب طفل من العراق. عضو المجلس المركزي والمكتب التنفيذي ونائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عن الثقافة السريانية  للفترة من 2011 -2013. أصدر أكثر من أربعين كتاباً موزعاً بين القصة القصيرة جداً والقصة القصيرة والرواية والرواية القصيرة والنقد وأدب الطفل وسلسلة مبدعون عراقيون سريان. صدر عن أدبه خمسة عشر كتاباً. تناولت أدبه سبع رسائل ماجستير وأطروحة دكتوراه واحدة داخل وخارج العراق. شارك في مؤتمرات ومهرجانات وملتقيات عديدة داخل وخارج العراق. كتب عن أدبة العشرات من النقاد العراقيين والعرب. ورد اسمه في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين وكذلك في موسوعة أعلام الموصل. حائز على العديد من الجوائز العراقية والعربية منها جائزة كتارا للرواية. ترجمت قصصه إلى العديد من اللغات الحية.

ويسعدنا أن نلتقيه بهذا الحوار.

د. عامر: أنت أخذت الكثير من الصفات الوراثية من الأب والأم والأسلاف وصقلت شخصيتك من تجارب الحياة، كيف لك أن توضح لنا ذلك؟.

هيثم: هي متسلسلة متناغمة، جدي جرجيس كان طوطمي السردي الذي نهلت من فيوض مناهله القطاف الكثير من الحكايا التي توارثها عن والده ووالده –حسبما أسر لي مرة- توارثها عن والده، وهكذا كانت السجية مثل حلقة لاحقة تتعشق بحلقة سابقة وحتى حلقة الجد السومري الأول فالكثير من الحكايات التي كان يسردها اكتشفت بعد اطلاعي على بطون الكتب والأحاجي والملاحم الرافدينية القديمة الأثيلة بعد سنوات عديدة أنها كانت الجذر الأول لتلك الحكايا ومن الشجرة الوارفة للذاكرة السردية البين النهرينية تناثرت الحكايات وبمرور الزمن تلاقحت وتماهت مع أحاجي أخرى، فكنت أرى الملامح المضببة للحكاية تتوضح وأدرانها الغريبة العالقة تنضى عن أبدانها وتتبدى الحكاية عائدة إلى جذرها البهي الناصع الأول، فإن كان الوالد قد ورث عن والده ووالدته فإنه كان دلوا كبيراً من طيبة لا تنضب وهو يهبط إلى اعماق بئر العائلة ليفيض لمن حوله بالطيبة والهدوء حد ان الهدوء كان يغبطه على هدوءه والطيبة كانت تتوارى أمام طيبته، وتأسيساً على هذا توارثنا من الأب والجد ووالد الجد وجد الجد سجاياهم وشمائلهم وتوزعت علينا بحسب النوع فزهير شاعر وأنا قاص ورعد رسول الشهامة والرجولة والغيرة ونادية تنقطر منها العفوية وسعد رياضي مثابر ومدرب مرموق للكرة الطائرة النسوية، وشذى تمتلك قوة الشخصية فضلاً عن كونها ونادية كانتا رياضيتين، وما ينطبق علينا انطبق على أولاد عمي يشوع، فلويس فنان تشكيلي، وجوزيف نجل ابن عمي حنا كاتب قصصي ومسرحي معروف….. إلخ، ولا أنسى أرومتي من والدتي فوالدها يوسف قاشا من أعيان كرمليس كان يمتلك الشجاعة والجسارة والشهادة وجده الخوري بطرس ججو خزيمي تمتد جذوره إلى عائلة خزيمي الألقوشية، وكان جد جدي الخوري يمتلك خطاً بديعاً، وبناء عليه أستطيع أن أقول أن السجايا والسمات والصفات التي كان يمتلكها السلف من الجهتين تشظت وبشكل نوعي في الخَلَف..

د. عامر: هل هناك علاقة بين المهنة أو الدراسة الأكاديمية للكاتب وابداعه الأدبي؟.

هيثم: سؤال يحتمل ثلاث إجابات.

الأولى: نجد الكثير من أساتذة الجامعات المحصنين بشهادات أكاديمية فخمة، وفي عين الوقت يمتهن حرفة الأدب، وفي حالة كون ابداعه شعراً أم سرداً أم كتابة مسرحية، تجده أمام خيارين، إما تطبيق النظم الاكاديمية الصارمة على أدبه فتحول النص إلى بضاعة مدججة بمدلولات نقدية صارمة، وكأن النص مكبل بأصفاد تمنعه من التحرك ضمن مسافة لا تحدها حدود فيتقولب النص ويصير حاله حال الديد الذي حاول أن يقلد الغراب في مشيته فبدا مضحكاً وعندما أراد العودة إلى مشيته الحقيقية نساها فاختلطت عنده معايير المشي فتهالك محاولاً تذكر حقيقته المفتقدة.

الثانية: الاكاديمي الذي يحاول، في حالة تملكه الذات الابداعية، أن يبعد أكاديميته عن نصه الابداعي، ولكنه عندما يفرغ من الكتابة، يحاول أن يحيله إلى الاحتكامات الأكاديمية فبقص من بنيته من جانب ويماهي بين الروح الابداعية للنص وبعض المسلمات النقدية القارة، فيجعل من نصه شبيهاً بطريق ممهد في حالة ممتازة وفجأة تعترض القارئ مطبات تجعله يزور عنه.

الثالثة: وهناك المبدع غير الأكاديمي، ويجهل ما في داخل أسوار النقد الاكاديمي، ومعها النقد الانطباعي، ويجترح ابداعه وفي باله فقط أن يمشي في طريق النص حتى اكتماله وحين يصير شائعاً منشوراً يكون حظه عند الناقد الاكاديمي أو الانطباعي بحسب مستواه الابداعي.

د. عامر: سلامة موسى نادى بالكتابة بالعامية على اعتبار أنها أقرب للوجدان مثال ذلك الشعر الشعبي مقارنة بالشعر المقفى، أنتم ماذا تقولون؟.

هيثم: العامية وعلى مر العصور وفي كافة الثقافات على امتداد الأرض والأزمنة هي الوسيلة المتيسرة لمخاطبة شعوب الأرض ضمن رقع جغرافية متعددة، وهي ضمير الشعب البسيط بكافة طبقاته، وهي الأقرب إلى الذائقة الوضعية المكرسة، ولربما قصيدة مكتوبة باللغة العامية ضمن مشاربها المختلفة إن كانت عن العشق أو الغربة أو عن شحذ الهمم في الحروب بمثابة الشرارة التي تشتعل في حشايا العاشق والمتغرب والشعب الذي يشعر أن لوطنه الحق عليه أن يبذل الغالي والرخيص من أجل اعلاء شأنه ولنا نحن في العراق الكثير من الشواهد ولنا رموز شعرية تناطح السحاب فمن لا يذكر بفخر الشعراء الشعبيين مظفر النواب وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع وكريم العراقي وغيرهم، ولكن لنتعمق قليلاً وندخل في أغوار الماضي ونتناول اللغة العربية وما كتب باللغة العربية من شعر ونثر، ونتوغل أكثر في اللهجات العربية عبر عشرين قرناً ونيف لوجدنا شواهد عديدة على اللهجات الكثيرة المتعددة المنتشرة على رقعة الجزيرة العربية حتى أن ” تعدد اللهجات كان موجودًا عند العرب من أيام الجاهلية، حيث كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل” وتبعاً لهذه البدهية فأن لهجة قبيلة تسكن في الشمال كانت تختلف عن لهجة القبيلة التي تسكن في الجنوب، ولنا أن نتسائل أين هو الشعر أو النثر المكتوب باللهجة الشعبية في عصر ما قبل الاسلام، وفي المقابل نجد أن القصيدة المكتوبة باللغة العربية الفصحى تحتل موقعها المتميز والدافق بالحياة حتى عصرنا الراهن فلو عدنا إلى خمسة عشر قرناً لوجدنا الشعر العربي الفصيح يحتل مكانته النيرة في وجدان الذاكرة العربية، ولنأخذ مثلاً شعراء المعلقات: “أمرؤ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، الحارث بن حلزة اليشكري” وشعراء آخرين كثار، لم يكتبوا قصائدهم أو ينشدوها بالهجة العامية بل بلغة عربية فصحى مكينة تستذوقها الذائقة حتى قرون قادمة، ولكن ما كتب من شعر عامي حينها ذهب أدراج الرياح، والفهم والتلقي من مشارب اللغة الفصيحة لم يتأت من فراغ بل بتدريب الذائقة المتلقية وتقبلها اللغة الأنيقة الفصيحة، ورغم أنني أرفع قبعتي احتراماً وتوقيراً للمفكر التنويري سلامة موسى ولكنني لن أقف إلى جانب طرحه هذا.

د. عامر: بيتر هاندكة يقول: أن الأدب لا يغيّر الحياة بل يقوضّها… بينما ماريو فارغاس يقول: أن الأدب فعل قادر على تغيير الحياة…، أنتم ماذا تقولون؟.

هيثم: ما بين الرسالة التي يحملها المبدع النمساوي بيتر هاينكة المتعدد  المواهب “كاتب، مترجم، كاتب سيناريو، كاتب مسرحي”، والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2009، والأخرى المناقضة لها تماماً التي يحملها الروائي والصحفي ماريو فارغاس يوسا من بيرو والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2010، تتوامض الكثير من الاشارات والدلالات والسقوف قبل الأسانيد والهيكل الباطني منها والظاهري، فلكل منهما قناعاته التي تسند قوله الذي هو انعكاس لمسيرته الحياتية والابداعية والتي انعكست على رؤيته لوظيفة الأدب، وتعتمد هذه القناعات على الكثير من الارهاصات، فما مر به هاندكة من حياة عريضة زاخرة بالمتناقضات والتوافقات بالتأكيد تلتقي وتفترق مع قناعات فارغاس بحسب مسيرته الحياتية وانعكاساتها على ابداعه الانساني، وتبعاً لهذا تتشيد الاقوال بحسب القناعات، والقناعتان التي يؤمن بها المبدعان موضع تقدير واحترام بالتأكيد لأنها متأتية من تجربة حياتية وابداعية ثرة، وأنا أنحاز إلى قناعة يوسا بالتأكيد.

د. عامر: ما هي أهم المعوقات التي واجهتك في بداية مشوارك وماذا تنصح الشباب في بداية مشوارهم؟.

هيثم: البدايات في الابداع لا تكون على الأعم الأغلب مفروشة بالورود ولا حتى طرقاتها ممهدة يمشي عليها الأديب الناشئ الشاب الواعد بيسر وسلاسة، بل تتخللها مطبات كثيرة بعضها عميقة جداً تقتضي منه أن يخوض غمارها ويخبر مجاهلها متسلحاً بالعزيمة والاصرار، ومن بعد المطبات الأخرى من المحتمل أن يجد الحسك والأشواق والعوسج والصبار فعليه أن ينتعل اشارات تحمّل الألم والضنك وعينه على الأفق وحين تصل اليه تجده تتفرع منه عدة طرق بعضها يودي إلى التيه والآخر يودي إلى اللا جدوى والثالث يودي إلى غابة من متاهة حالما يلجها يضيع في دروبها والحاذق من يسلك الطريق الصواب ويمسك ناصية البداية الحقيقية….

وأنني حاولت أن أسلك الطريق الوعر المليء بالمصاعب التي ما اخترتها أنا بمحض إرادتي لكي أتفلسف بفلسفة رواقية حالي حال السفسطائيين بأن…. وأن…. وأن….. وفعلت…. وحاولت….. وتغلبت، بل أنني نقلت خطواتي المتأنية لأجتاز بها المثبطات –ولم تكن قليلة قط- حتى وصلت إلى الطريق الصحيح الذي يعقب “الأمل- الأفق” ثم تابعت خطوي حتى المرتجي بأقل ما يكون من الخسائر….

ولن أنصح أبداً الشباب وهم في نقطة البداية في الانطلاق نحو المأمول، بل آسر في آذانهم وحواسهم الست أن يتجببوا برداء المطاولة والجَلَد وأن يتغذوا بغذاء الحرف والجملة والكتاب في كافة الأجناس والأنواع كي يقوى عودهم وبدنهم ويستطيعوا أن يصلوا إلى الهدف المنشود  ويسجلوا لأنفسهم بعد كل هذا العناء اسماً في قرطاس الابداع…..

د. عامر: أيهما أكثر قدره على التعبير والتواصل مع القارئ الرواية أم القصة القصيرة، وهل انتهى زمن القصة القصيرة؟.

هيثم: الاجابة على ها السؤال الاشكالي يتطلب النسبية وليس الاطلاق……. فهي تحتمل الكثير من الاستنتاجات والرؤى والأحكام وتختلف بعضها عن البعض الآخر وفق ما تختزنه أخيلات الكتاب والقراء على السواء، فمنهم من يرى أن الزمن الحالي هو زمن الرواية والآخرين يقفون على الجانب المقابل يناصرون القصة القصيرة، وتبقى الاجابات على هذه الوتيرة ما دامت المطابع تضخ –بكثرة- الكم الكبير من الكتب التي تتوسم أغلفتها مصطلح “رواية”، وتضخ –بقلة قليلة- الكم اليسير جداً من المجموعات القصصية، ويتأتى السؤال المشروع الذي طرحته ويأتي بالعديد من الأجوبة، هذا الزمن للرواية أم للقصة القصيرة؟، ولابد لنا أن نقوم في البدء بدراسة الكينونة والماهية ومدى ملائمتها للعصر الذي نمر فيه، فنجد أن النفس بقدر ما نعيشه هذا العصر من زمن متسارع مجنون ينبغي أن نختصر فيه الكثير من الحيوات تجنح النفس والروح والمهجة إلى الافاضة والاسترسال كتنفيس موضوعي لتينك الحالة التي تجعل حتى أنفاسه المتلاحقة تعجز عن الوصول إلى معطيات العصر الجنونية في سرعتها وإرهاصاتها، فباتت الروح تواقة إلى الإطالة فتلوي عنان أفراس ذائقتها نحو الرواية تاركين محطة القصة تعاني من الاهمال والنسيان…. 

ولكوني غضت غمار الجنسين معاً وبمرجعة وجدانية معمقة أسانيدها العقلانية والانصاف والوقوف على مسار واحد ودون انحياز لطرف على حساب الطرف الآخر أستطيع أن أقول وبثقة: أنهما يتواصلان مع المتلقي كذراعين أو ساقين لجسد واحد إن بترت إحدى الذراعين صار من العسير على الجسد أن يقوم بأفعاله الحيوية، وكذلك الأمر بالنسبة لمن فقد إحدى ساقيه فيبقى الجسد أعرجَ…. فلا بد من تعاضدهما وتآصرهما وتماهيهما، كي يكون ذات الجنس “السرد” معافي متألقاً سرمدياً… ورغم تألق الرواية ورواجها في الوقت الحاضر وربما المستقبلي وعلى المدى البعيد غير المنظور ولكن القصة تبقى رغم قلة من صاروا يتعاطوها الرديفة والصنو والرفيقة والخدين…

ويطيب لي أن أنقل لكم أقوال عباقرة القصة والرواية وهم يتكلمون عن القصة بمحبة الحبيب لحبيبته الأزلية. 

يقول أنطون تشيخوف: القصة هي القطعة من الحياة.

تقول إيزابيل أليندي: القصة القصيرة كالسهم، تنطلق مرة واحدة لتصيب الهدف.

يقول يوسف ادريس: القصة القصيرة خاطفة وسريعة وتترك تأثيرها العميق بسرعة.

د. عامر: هل ظهور النسخ الالكترونية سوف يعزز انتشار النتاجات الأدبية ويلغي الورقية أم هو مكمل كما أكمل التلفزيون وجود جهاز الراديو ولم يلغه؟.

هيثم: تمتاز الكتب المنشورة الكترونيا بسمات عديدة توفرها تقنية الشبكة العنكبوتية والتي تقف إلى الجانب الذي يحاول أن يسحب البساط من المطبوع الورقي منها على سبيل المثال: رخص الثمن قياساً لثمن المطبوع الورقي، إضافة إلى ما يسرته الثورة المعلوماتية بتقنياتها المتطورة المذهلة للمطبوع الالكتروني لا يتوافر في المطبوع الورقي وخاصة فيما يتعلق بالخط ونوعه وما وفرته التقنية الالكترونية من سهولة اختيار الخط الذي يريح البصر والبصيرة والتحكم بتكبير وتصغير وتظليل وتلوين الجملة المهمة التي تحتاجها القارئ والباحث….. والكثير من الخدمات التي يوفرها المنشور الالكتروني والتي لا مجال لذكرها حالياً…. وضمن تجربتي الشخصية في هذا المجال لي كتب الكترونية في المواقع الالكترونية وفي تطبيق google  أجد أن بعض كتبي المنشورة في المواقع تجاوزت عدد من قام بتجميلها بحدود ألفين ويزيد  بينما العدد المطبوع ورقياً لا يتجاوز الألف في أفضل الأحوال، ولكن السؤال يبقى في حدود الطرح المشروع لسؤالك هل ألغى المطبوع الورقي…. وأستطيع أن أقول وبكل ثقة، أن ثمة العديد من القراء يرسلونني على الخاص وخصوصاً طلاب الماجستير والدكتوراه عن كتبي وعندما ألبي طلبهم بإرسالها بصيغة pdf يطلبونها ورقية لأنهم يرتاحون للورقية أكثر من الالكترونية وكذلك العديد من القراء الذين يفتقدون مؤلفاتي يشيرون أن لقراءة المطبوع الورقي سحر خاص لا يقاوم، ويبقى حال الكتب بنسخها الالكترونية تدور في عين الفلك الذي دار فيه التلفاز الذي بقي مسجلاً كتقنية متقدمة ظن الكثيرون أنه سيلغي المذياع ولكن واقع الحال بقي كما هو المذياع بقي مذياعاً وتكاتف مع التلفاز في تشابك جميل والعيون مصوبة نحو الفضاء حيث المعرفة بكل زهوها….

د. عامر: أنت دخلت عقدك السابع عمراً، لو أرجعنا الزمن خمسة عقود أو أكثر هل سوف تضيف أو تحذف أو تغيّر من مسيرة حياتك؟.

هيثم: مسألة الاضافة والحذف، إن جاز لنا أن نمنطقها ضمن المفهوم الحياتي، وهذا الأمر يدخل من باب المحال، لأن الزمن لو عاد إلى الوراء فستظهر، شأنها شأن فيلم سينمي، كل الحيوات التي عاشها المرء، وجلّها، وخاصة القرارات التي تكون نابعة من قناعات قارة في حينها، ومدروسة ضمن الفترة والمرحلة الزمنية التي عاشها والتي اتخذها ضمن قناعة تامة مجبولة ما بين المكان والزمان والحدث، فستدخل عند دراستها ضمن الممكن والمنطقي الصحيح، لذا فأن الحذف والاضافة تكون أشبه بلعبة ورق تتشكل كيفما شاءت ثم تعود الأوراق ضمن مواقعها وتراتبها الشكلي والعددي، وإن قررنا أن نشرعن هذا السؤال فإن إجابتي ستكون بالتأكيد أنني لن أحذف أو أضيف أية نقطة أو فارزة أو شارحة أو علامة استفهام وتعجب في نهاية كل سطر ينهي مرحلة من مراحل حياتي السالفة.

د. عامر: تبنيت مشروع تدوين القديسين روائياً ومار كوركيس آخرها…. هلا حدثتنا عنه؟

هيثم:

عام 2007 خطرت لي فكرة تدوين سير قديسين شهداء روائياً، أي أن أكتب روايات معاصرة تتحدث عن سيرهم العطرة المشبعة بالقداسة والتي توجوها باستشهادهم في سبيل ترسيخ الايمان المسيحي في أرض ما بين النهرين وسائر الشرق الذي شهد انتشار الأيمان المسيحي رغم المخاطر الجّمة اتي كانت تصادفهم من قبل ساسة الشعوب التي قيض لهم أن يجاهدوا فه وقدموا فيها دمائهم المقدسة الطاهرة في سبيل نشر الايمان المسيحي.

فأصدرت عام 2007 رواية (مار بهنام وأخته سارة) مزينة بأكثر من أربعين لوحة للفنان الراحل لوثر ايشو آدم، ومن ثم أصدرت عام 2008 روايتي الثانية (قديسو حدياب) ومزينة بأكثر من ستين لوحة للفنان نفسه، والتي تتمحور حول حياة ثلاثة قديسين هم (ربن بويا، مار عوديشو، مار قرداغ) وما لاقوه من الاضطهاد المتواصل لمدة أربعين عاماً على يد شابور ذو الأكتاف، فوجدتا صدى واسعاً من قبل القراء،… وهذا ما دفعني أن أكتب روايتي الجديدة (مار كوركيس) التي تتحدث عن المسيرة الايمانية الظافرة للقديس الشاب (جاورجيوس الروماني) واستشهاده البطولي في سبيل ايمانه المسيحي في عهد دقلديانوس الروماني حين تحدى القوانين التي سنها الامبراطور ضد الايمان المسيحي التي أدت إلى استشهاد الآلاف من المؤمنين حين قام بتمزيق المنشور رغم كونه قائداً رومانياً وما تحملّه من عذاب وما أتى من أسانيد تعزز الايمان الحق واعتناق الكثير من الرعايا للإيمان المسيحي ثم استشهاده البطولي وتكريس اسمه باللابس الظفر والقاب كثيرة أخرى.

وقد أكتب عن قديسين آخرين مثل مار متى والقديسة بربارة والقديسة يزداندوخت ومار قرياقوس ومارت شموني….. وسواهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here