نظرية التطور واصل الانسان : كيف عرف الأنسان الملابس ؟

نظرية التطور واصل الانسان : كيف عرف الأنسان الملابس ؟ (*) د. رضا العطار

لم يكن الدافع الاساسي للباس عند الانسان البدائي في نشأته الأولى من تطوره سوى التجمّل والزينة. فإن الانسان لم يلبس اللباس في اول ألأمر اتقاء للبرد والحر وانما كان القصد منه هو التباهي امام بني جنسه. ناهيك عن مفهوم الحشمة التي لم تخطر بباله قط، وهذا هو حال جميع المتوحشين في الوقت الحاضر. فبعضهم مثل الاقوام الفويجية لم يعرفوا اللباس في تاريخهم ولا هم في حاجة اليه، رغم صرامة الجو الذي يعيشون فيه.

ونحن اذا نظرنا الان الى لباس السيدات عندنا، وخاصة عند الغربيات وجدنا ان الزينة هي الباعث الاكبر في انتقاء الزي. وان المجال الثاني هو الفائدة الصحية والتي لا مجال لها على الاطلاق. ونحن الرجال لا يزال في لباسنا شئ كثير من الزينة، خالية من اي منفعة لنا، كالتفنن في غطاء الرأس وربطة العنق ومنديل جيب الصدر والخواتم والأزرار العديدة وغيرها.

ولذلك فالكلام عن تطور اللباس هو في اكثره شرح لضروب الزينة التي تجمّل مظهر الرجل من اقدم عصوره الى الان. واكبر ما يبعث الانسان على الزينة هو ظهور المرأة بمظهر يلفت اليها نظر الرجل ويستدعي اعجابه. وظهور الرجل بمظهر يلفت اليه نظر المرأة، إنه لم يكن في العالم القديم شأن يخص الانسان البدائي اكثر من حاجته الى الطعام، وشهوته الى الأنثى.

ان هذه العلاقة التي تشغل الان عقلنا الباطن والتي هي مبعث اكثر خواطرنا واحلامنا، كانت كذلك عند الانسان الاول، بل كانت اشد من ذلك لأن مشاغله كانت محدودة بالنسبة الى مشاغلنا. فكان اكثر اجتراره الفكري متعلقا بالشهوة الجنسية.

فالوزرة التي يغطي المتوحش بها اعضاءه التناسلية لا يستعملها بدافع الحياء من الناس، بل هو يقصد بها الى لفت نظر الأنثى اليه.

وكذلك الحال في الوزرة التي تضعها المتوحشة. وهذا هو السبب في ان هذه الوزرة لا تزيد عن كونها عقدا من الودع والصدف لا يخفي شيئا بل يؤكد معنى. فالحياء في عصرنا، يعتبر من المعاني الحديثة، يجهله المتوحش كما يجهله الحيوان، هذا المعنى انتجه فكر البشر ضمن ما انتجه من اخلاقيات الدين.

وكلمة ( الحياة ) مشتقة من ( الحياء ) وهو عضو التناسل في المرأة. ولا بد ان الانسان عند بدء خروجه من الحالة الحيوانية كانت بشرته مغطاة بالشعر، وهو لم يتجرد من شعره الا بالتدريج، بل هو لم يتجرد منه تماما للآن. وربما كان ( الانتخاب الجنسي ) العامل الاكبر في هذا التجرد. فلأمر ما، في ذهن الرجال منذ زمان بعيد ان المرأة المتجردة من الشعر اجمل من المرأة الكاسية به. فصارت اقل النساء شعرا اكثرهن اولادا، وهؤلاء الاولاد يرثون امهم في قلة الشعر. وما يحدث في المرأة ينعكس اثره بحكم الوراثة في الرجل فيتجرد ايضا من الشعر، وان كان تجرده اخف من تجرد المرأة ( على نحو ما ظهرت الثديان في صدر الرجل تبعا لظهور الثدين في صدر المرأة ).

ومن ضروب الزينة التي تؤيد نظريتنا، هي ان الحياء ليس لها صلة باللباس، ان الشعر ينمو حول الاعضاء التناسلية عند الرجال والنساء دون سائر القرود العليا، فهذا الشعر حديث العهد و لا يقصد منه الا الى لفت النظر وانبعاث الخواطر الجنسية في الجنسين,

وقد تكون معرفة الانسان بالنار وتعوده الاصطلاء بها من الاسباب التي دعت الى زوال الشعر اذ قلّتته. فالنار تؤدي وظيفة الشعر في الدفء ثم تؤذي الرجل الشعراني وقد تؤدي الى احتراقه.

ومن ضروب الزينة التي يمارسها الهمج في الوقت الحاضر وربما كان اسلافنا في الماضي السحيق يمارسونها ايضا هي تحزيز الوجه والجسم. ولعل الاصل في ذلك ان يثبت الانسان انه قد تمرس بالقتال وجرح على نحو ما. وقد يفخر بعض الطلبة في الجامعات الالمانية في العصر الحاضر بما تركته المبارزات الرياضية بالسيوف من الجراح في اجسامهم.

ومن ضروب الزينة ايضا صبغ الوجه بصبغة ما. فالهمج في استراليا مثلا يمضغون ورق اليوكالبت، ثم يدلكون بما مضغوه على بشرتهم فتكتسب بذلك لونا اخضر. فالاصباغ التي تستعملها النساء الآن لا تحتاج الى شرح. ومن التحزيز والاصباغ نشأ فن الوشم الذي لا يزال يمارسه المتوحشون في افريقيا وغيرها، وكذلك المتحللون من الهيبيز في مختلف بقاع العالم

وبعض الزينة له قيمة سحرية يدخل في عالم الخرافات، فبعض نسائنا العربيات في مصر يتزين بحلية من الذهب تُدعى ( كف مريم ) اعتقادا منهن انها ترد عنهن عادية الارواح الشريرة، او ( صورة عين فرعونية ) تعلق على صدر الطفل، اعتقادا من الام انها ( تعمي ) عين الحسود، بالضبط كما يعمل الافارقة المتوحشون.

ولكن كل هذه الزينة لم تكن لتؤدي الى اللباس الذي نعرفه الان والذي صار فيه معنى الوقاية من الحر والبرد. والاصل في اللباس هو في الاغلب عادة الرجال الذين فازوا في صيد احد الحيوانات في وضع فروه او جلده على اكتافهم بقصد المفاخرة، ترمز الى صفة الشجاعة امام الاخرين، فمن صاد حيوانا مفترسا كالاسد حمل هذا الجلد كل يوم لهذه الغاية وينافسه آخر في هذا العمل حتى يصير حمل الجلود او الفراء سنة متبعة عند الجميع. وعندما عرفوا قيمتها في الدفء بمرور الوقت، أستمروا في ارتدائها.

وقد مضى دهر طويل والانسان يلبس جلود الحيوانات قبل ان يعرف المنسوجات القطنية اوالصوفية قبل خمس و عشرين الف سنة. فإن هذه كانت تحتاج الى الزراعة اولا ثم الى عدة فنون اخرى ملحقة بها .

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

*مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here