لماذا الناس يستجيبون للدجل ولا يستجيبون للعلم والثقافة

لماذا الناس يستجيبون للدجل ولا يستجيبون للعلم والثقافة :
بقلم ( كامل سلمان )
عندما لا تستجيب الناس للمثقف ، اكيد انها تستجيب للدجال والمشعوذ ، وهذا الخلل ايضا سببه المثقف لإن المثقف الذي لا يستطيع ان يصنع من الثقافة وسيلة تجذب الناس ليس بمثقف وثقافته شكلية ، ومثل هذه النوعية من الثقافة التي تضعف امام الدجل استطيع تسميتها ثقافة عليلة ! . الثقافة حالة مطلوبة وهي جدا مهمة ولكن اسلوب ايصال الافكار الثقافية والعلمية هي الاهم ، وكما نعلم ان الثقافة والعلم منبعهما واحد الا وهو العقل وهما بنفس الوقت تغذية للعقل ، فالناس لا تعرف قيمة الثقافة والعلم الا بعد ان تصل بأياديها وتتذوق طعمها وتتفتح عقولها لاستقبال سماد الروح والعقل الا وهو العلم والثقافة ، اما عدم وصولها بشكلها الصحيح فهذا عيب اشبه بالداء يصاب به المثقف ويتحمل مسؤوليتها كاملة في المجتمعات التي فيها صراعات فكرية من العيار الثقيل ، ليست كل الثقافات تنقل الإنسان الى عالم الحرية وتعطيه الكرامة والعزة بل هناك بعض الثقافات ظروف نشأتها غير طبيعية قد تكون نافعة لجيل معين او مكان محدد ولا يمكن ان تكون هي البديل عن كل شيء ، ولا يمكن ان تكون هي الثقافة السائدة للأبد ، فالثقافة مثلها مثل العلم تتطور ولكن تبقى اساسياتها قائمة .
انت عندما تكون قادرا على ايصال افكارك الثقافية والعلمية فأنت انسان مفكر ورائع لإنك فعلت ماعجز الكثيرين عن فعله ، ولكل من الكاتب والفنان والشاعر والرياضي والسياسي والمهني طريقته لإيصال أفكاره وأكثرهم نجاحا أقربهم الى قلوب الناس ، اما الدجال والمشعوذ لا يحتاج الى عناء وجهد كبير لإيصال الدجل والشعوذة لإنه يمتلك مداخل كثيرة وطرق معبدة منها الفاقة والحرمان والسذاجة والجهل عند الناس ، وكل مايحتاجه هو الزي المؤثر على نفوس الناس والمعمول به للشعوذة ( لابد ان يفرز الدجال والمشعوذ نفسه عن بقية افراد المجتمع بزي خاص يختلف فيه عن الاخرين وحتى جلوسه يجب ان يكون اعلى قليلا من الاخرين ) اضافة الى الاساليب الموروثة واحيانا التخويف اذا كان المجتمع قد تعود الخوف اضافة الى بعض الملامح المختلفة عن باقي الناس ونبرة صوتية مميزة .
المجتمع واي مجتمع لا يستغني عن حاجته للمثقفين والحاجة الى المثقفين لا تقل اهمية عن الحاجة الى الكوادر الطبية والهندسية والتعليمية والخدمية وغيرها فالمثقف هو صمام الامان لفضح الدجل وتعريته امام عامة الناس وهو القائد الفعلي للمجتمع نحو السمو والعلا وكذلك يتصدى المثقف لتحايل الفاسدين والمسؤولين المنحرفين ، فهو النائب والممثل الحقيقي لصوت الشعب والرادع للأصوات النشاز في المجتمع . فكل ظهور للعيوب في المجتمع هي اشارات لنقص الثقافة والمثقفين ، فجسم المجتمع كجسم الانسان مع كل نقص غذائي يحصل للجسم هناك اشارات يعطيها الجسم توضح ذلك النقص ويفهمها اصحاب الاختصاص الطبي وفي المجتمع يفهمها اصحاب العقل والوعي .
وكما عودتنا الاحداث التاريخية نجد الواعي العاقل الذي يرسم الطريق الامثل للناس هو الضحية وهو اخر المستفيدين رغم ان سعادته تكتمل حين يرى الناس قد وصلت بر الامان ونالت ثمرة اتعابه واتعاب المضحين والمرشدين بافكارهم وثقافتهم .
واينما حل الدجل وجيوش التخلف يخرج اليهم عدد قليل من المثقفين يقلبون عليهم فرحتهم عزاء . وحتى هذا الشيء نراه بالطبيعة ، شتاء قارس يقتل الحياة وصيف حار مؤذي ومؤلم تجعل الحياة جحيم ولكن مجرد ان يحل الربيع يعيد للحياة طعمها ونكهتها وهكذا هو المثقف ! هو ربيع القلوب هو نكهة الحياة .
الصراع بين التخلف والعلم صراع تأريخي وغالبا ما يستطيع العلم او الثقافة من ان تحسم المعركة لصالحها ولكن مع صراع المصالح يبرز هنا وهناك من يدافع عن التخلف ويسنده بأساليب شيطانية ويوفر له كل اسباب النصر ضد العلم وضد الثقافة والسبب هو ان المصالح تستوجب نصرة التخلف دون الالتفات الى اهمية الثقافة والعلم لأن مروجي التخلف والدجل لا يهمهم الناس بل تهمهم مصالحهم حتى ولو كانت على حساب ارواح الناس ووجودهم ، لذلك أصبح للدجل حضور وقوة في بعض المجتمعات مما ادى الى سحق العلم وسحق الثقافة في مواقع كثيرة ، وغالبا ما تجد اصحاب العلم والثقافة في تلك المواقع المهزومة اقل قدرة من اصحاب الدجل ، فالثقافة التي لا تتجدد فهي ثقافة عقيمة مهزومة لا تستطيع المواجهة والمطاولة فلا عزاء عليها ولا على مثقفي الدرجة الثانية لإنهم لم يهيئوا أنفسهم لمواجهات العيار الثقيل ! والمقصود من مواجهات العيار الثقيل هي تلك المواجهات التي يكون فيها المشعوذ في افضل حالاته يعيش وسط جيوش من الجهلاء التابعين السائرين خلف خزعبلاته .
في ظروف الازمات يطفو الى السطح اللصوص ، وتكثر بيوت البغاء ، وتكثر الجرائم ويقل التعليم ويتحلل المجتمع ، كل هذه الامور تكون ارض خصبة لصعود نجم المشعوذين واندحار الثقافة والعلم ، فهل يستطيع المثقف ان يصارع التيار في مثل هذه الاحوال ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here