ضحكة تلك الإعلامية ذكرتني بقصة “زبالة و أبنه ” القندرة * “

بقلم مهدي قاسم
روى لي أحد الأصدقاء أنه كان مجندا إلزاميا يخدم في الجيش العراقي في الثمانينات من القرن الماضي ، ــ أضاف مستدركا ــ و كان معنا في الفصيل جندي اسمه ” زبالة ” شخص خفيف ظل ، ولطيف معشر و ظريف ، يميل نحو طرافة وفكاهة و إطلاق نكات طريفة ومرحة ، و حدث ذات يوم أن تلقى برقية تخبره أنه قد رُزق بذكر من زوجته الحامل ( و كان شبه أمي و كنت أنا أقرأ له الرسالة و عندما وصلتُ في قراءة البرقية إلى عبارة ” من زوجته الحامل ” ضحك منكتا قائلا : طبعا من زوجتي الحامل ) ، ثم أخذ الرسالة إلى أمر الفصيل ليحصل على الإجازة في هذه المناسبة المهمة والاستثنائية ، و عند عودته من الإجازة هنأناه مجددا و سألناه عن اسم أبنه فرد بنبرة لامبالاة :
ــ سميته ب” قندرة ” .. !
ضحكنا مفتكرين أنه يمزح .. و لكننا بقينا نلّح عليه أن يجيبنا بجدية ، فإجاب :
ــ فعلا سميته ” قندرة ” ! ..
ـــ قندرة ؟ .. و لماذا اخترتَ له تحديدا اسم قندرة ؟.
.ـــ لأنه إذا واحد اسم ابوه ” زبالة ” فأليس من الأفضل أن يكون اسم أبنه ” قندرة ” ؟.. بمعنى إن هذه القندرة من تلك الزبالة !..
تذكرت هذه القصة و أنا أرى الإعلامية سحر عباس جميل كيف تضحك ساخرة ومستهزئة ولفترة طويلة على شهداء الحرب العراقية الإيرانية في برنامجها التلفزيوني، الأمر الذي اثار سخط و غضب واستهجان عدد كبير من العراقيين الذين اعتبروا ضحكتها الساخرة ليس فقط تعبيرا عن قلة ذوق
وانعدام لياقة و غياب شعور أو تعاطف إنساني وعدم احترام حرمة الموتى ، إنما و بالأساس إهانة لذكرى الجنود العراقيين الذين قُتلوا و استشهدوا في الحرب العراقية الإيرانية حتى ولو رغما على إرادتهم كجنود متطوعين أو مجندين في مؤسسة الجيش العراقي فكان من واجبهم الدفاع عن أرض الوطن إزاء هجمات العدو و خاصة إنهم كانوا يقاتلون في حالة إجبارية و قسرية ، حيث بنادق فصائل الإعدام للنظام السابق مصوبة عليهم من خلفهم لمنعهم من الهروب ، بينما بنادق ومدافع العدو الإيراني من الإمام وهو يحاول الهجوم والزحف نحو الأراضي العراقية..
ورب قائل سيسأل ما هو الربط بين هذه الإعلامية و بين قصة الجندي زبالة ..
سؤال مشروع و جيد حقا !..
رباط الموضوع هو : انعدام المهنية واللياقة و الاحترافية العامة ، ذلك الغياب الذي افرزته الطبقة السياسية الفاسدة في العراق بحيث أن عملية انعدام أو غياب المهنية واللياقة هذه قد انسحبت على كل شيء في العراق بما في ذلك معظم مؤسسات الوسائل الإعلامية أيضا ناهيك عن بعض القيم والثوابت الاجتماعية التي أخذت تنحدر نحو الأسفل و الحضيض في وسط هذا الفساد الشامل و الخراب الكامل ..
و بتعبير أوضح أقصد بالمهنية واللياقة التالي : أن مقدمي أو مقدمات البرنامج و خاصة إذا كان برنامجا سياسيا يمثلون ـــ عادة ـــ الطرف الغائب ، في حالة التطرق إليه في السياقات الجارية للحوار أو الجدل الدائر حول قضية ما ، لذا فمن الواجب المهني و الأخلاقي لهؤلاء الدفاع عن هذا الطرف الغائب في الحوار في حالة تعرضه لإساءة أو عملية تسقيط و تشهير ، بينما هذه الإعلامية ليس فقط لم تدافع عن الطرف الغائب إنما تواطأت مع المسيئين وضحكت ساخرة من الجنود العراقيين القتلى في الحرب العراقية ـــ الإيرانية ..
و يبقى أن أقول : أنني اعتقد انه يدخل ضمن حرية التعبير والرأي إذا ثمة شخص ما لا يُعد هذا الجندي القتيل أو ذلك شهيدا من أجل الوطن ، فهذه قناعته لأسباب مبدئية أو سياسية ، إنما أعتبر أمرا غير مقبول الضحك والسخرية من جنود قتلى لهم حرمتهم المصونة لكونهم موتى ، و لكن قبل كل هذا و ذاك ، إنهم جنود قد ضحوا بحياتهم من أجل الدفاع عن تراب الوطن و قد فعلوا ذلك كمجندين ضمن مؤسسة الجيش وكان هذا من ضمن واجبهم الرسمي ، بمعنى لم يكونوا مرتزقة أجانب ، و بغض النظر عن دوافع و ظروف وملابسات اندلاع هذه الحرب أم تلك ..
* نقول للتوضيح بالنسبة للأصدقاء العرب و غير العرب أن كلمة ” القندرة ” باللهجة العراقية تعني ” الحذاء ” !..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here