نظرية التطور واصل الانسان : كيف اهتدى الأنسان الى الدين ؟

نظرية التطور واصل الانسان : كيف اهتدى الأنسان الى الدين ؟ (*) د. رضا العطار

عاش الانسان الأول حقبة طويلة من الزمن قبل ان يعرف ما هو معنى الدين، حينها كان منشغلا في ممارسة اعمال السحر والكهانة، فلم تكن اللغة تساعده بعد على ان يوضح لنفسه غوامض هذا الكون. فإذا فكر في مسائل الحياة والموت والعالم وسر الوجود وما الى ذلك من نفس وجسد وثواب وعقاب، اختلطت افكاره وارتبكت خواطره. لأنه لم يكن في لغته الكلمات الكافية التي تؤدي له هذه المعاني.

انه ليس من الممكن ان نتصور معنى مجردا ما دمنا نجهل الكلمات التي تعبر عنه. دع عنك ان هَمْ الانسان الاول كان مصروفا الى ارضاء شهوة الطعام و الجنس ولم يكن الطعام كافيا لان الزراعة لم تكن قد عرفت بعد. ووسائل الصيد لم تكن ايضا قد عرفت. فسكان قارة اوربا الذي يقدر الان بأكثر من ثلاثمائة مليون نسمة، في بدايات تاريخ ظهور الانسان كان أقل من نصف مليون، يقطعونها جبالا وانهارا لكي يهتدوا الى بعض الحشرات ,والديدان و الأثمار او جذور بعض الاشجار ليأكلوها.

ثم ان الشهوة الجنسية في الانسان وفي القردة العليا اشد مما هي عند سائر الحيوانات بل هي في الانسان اشد من القرود، كما ترى في شَعر العانة الذي اختص به الانسان دون سائر الكائنات والذي لم ينشأ الا لفرط قواه الجنسية، تمً لفتا للأنظار. والزينة الخلفية الحمراء في بعض القردة هي لهذا الغرض ايضا.

فلم يكن الانسان بهتم الا لهاتين الشهوتين، ولم يكن يفكر الا فيهما. وكانتا لذلك تستغرقان كل وقته. فلما عرف الصيد والاجتماع وارتقت لغته بعض الشيء بدأ يعتقد في الاشياء واخذ يتدرج عندئذ من السحر الى الوثنية، جتى ارتقى اخيرا الى مستوى التوحيد.

وكان الموت احد الشؤون الكبرى التي انبنت عليها عقيدة الانسان الاول. فان الموت الطبيعي لم يكن من مألوفات الانسان البدائي، وكان اكثرهم يرى الموت عند القتل او التردي او الغرق فيعرف عندئذ سببه. اما ان الموت يحصل نتيجة مرض فهذا ما لم يكن يعقله، حتى انه كان لا يعتبره سببا. لذلك صار يعتقد ان الانسان عند ما يموت وحده بشيخوخة انما يحدث له بفعل انسان بعيد عنه اراد به الموت ونجح في تحقيق ارادته عن طريق السحر.

ومن هنا نشأ السحر. فان المتوحشين الى الان في استراليا وافريقيا يستأجرون ساحرا لكي يوقع المرض او الموت بعدوّ لهم بعيد عنهم، والساحر وهو يؤدي هذه الخدمة يقلد حركات القاتل، فيجمع ادواته ويضرب بسلاحه هذا الشخص المقصود دون ان يراه.

ولكن الانسان الاول لم يكن يعتقد ان الموت نهاية الحياة وسبب ذلك انه كان يرى احيانا ان بعض الاشخاص كان يغمى عليهم فيظهر عليهم امارات الموت ثم يفيقون. وكان احيانا يرى بعض الموتى في احلامه فيخاطبهم ويخاطبونه كأنهم احياء فيتوهم من ذلك ان الموت لا يناقض الحياة وقد نتج عن ذلك عدة اشياء:

اولا: ان الانسان يعتني بالجثة ويقدم لها الطعام معتقدا ان صاحبها يعلم، فنشأ من ذلك صناعة التحنيط وفكرة القربان والتضحية.

ثانيا: عندما كان يموت عدوّ او احد كبار المجرمين الذين آذوا القبيلة او العشيرة كان يخشى بأسهم بعد الموت فكانوا يقيدون ايديهم وارجلهم اذا ماتوا، او كانوا يضعون فوقهم ركاما من الاحجار حتى لا يستطيعون القيام من تحتها، فنشأت من ذلك صناعة القبور ثم تطورت الى معابد.

ثالثا : عندما كان يموت رئيس العشيرة او القبيلة او احد الابطال المحبوبين او الذين كان يخافهم ويحترمهم في حياته وينظر اليهم بخشية ويعتبرهم حماة القبيلة، كان يستمر على احترامهم بعد موتهم ويذكرهم هو وذريته من بعده، فيصير هؤلاء الابطال آلهة في نظرهم وتصبح قبورهم معابد تزار.

رابعا: كانت الجثة في القبر تفقد بعض اجزائها بمرور الوقت كالذراع والفم مثلا. فكان يتصور انها اصبحت عاجزة على تناول طعامها. فكان في مثل هذه الحالة يصنع لها صنما من الطين يشبه الميت ويبدأ يعتني يه ويقدم له الطعام. ومن هنا نشأت صناعة الاصنام والتماثيل، بل الفنون الجميلة الاولى.

ولكن هنا يجب ان نذكر ان للفنون الجميلة اصل آخر وهو السحر، فإن بعض السحرة اذا ارادوا ان يؤذوا احدا صنعوا له تمثال من الطين ثم قتلوه اعتقادا منهم بأن ما يحصل للتمثال يحصل لصاحبه. وعلى كل حال تعتبر الحالتين هذه هما المصدر الاصلي في نشأة الفنون الجميلة.

وقد كان الانسان الاول يأكل بعض اعضاء الموتى المشهورين لكي يحصل على قوتهم. وكان يفعل ذلك ايضا بمن يقتله من الاعداء، اذ كان يعتقد فيه القوة والبأس. ومن هذه العادات نشأت فكرة التقمص وفكرة الروح. والغالب انها نشأت متأخرة جدا، اي بعد ممارسة تلك العادة دهرا طويلا من الزمن.

ومعظم المتوحشين الذين يعرفون الالهة لا يعرفون عقيدة الشيطان وهذا يدل على ان هذه الفكرة حديثة العهد وربما كانت فارسية. وعلى كل حال فلفظة شيطان عبرانية، وقد تكون مشتقة من كلمة (شيت) اله الشر المصري، بينما كلمة ابليس لاتينية ( ذيابواوس )

اما خروج الانسان من الوثنية الى التوحيد فيحتاج الى شرح طويل. وخلاصة القول ان فكرة التوحيد نشأت عند الامم التي تعيش في الصحراء لا تحسن صناعة البناء وعمل التماثيل، ولذلك ظهر بين الأمم البدوية التي تعيش في الخيام، اهم احد مظاهر الحضارة، فكانت اصنامهم بدائية رديئة الصنع، يصنعونها من الطين، كالعرب والأسرائيليين.

والأغلب ان الهكسوس هم اول من آمن بأله واحد يجدونه في كل مكان يترحلون اليه، ولا يحتاجون الى تمثيله في صنم يرهقهم حمله ونقله. اما الأمم المتحضرة فكانت تجيد صناعة الاصنام تنحتها من المرمر الصلد، تخلب بها افئدة المتعبدين. وكانت لها هياكل ثابتة عليها كهنة ولها اوقاف. فكان من الصعب جدا ان تروّج بينها فكرة التوحيد، كان نوح أبو الانبياء، اول من أمن بفكرة التوحيد ثم تبعه نبي الله ابراهيم ثم اخناتون، فرعون مصر. لكن فكرة التوحيد لاقت رواجا منقطع النظير في الجزيرة العربية عام 622 ميلادية على يد نبي الاسلام محمد.

* مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here