لا يجوز ترجمة نص شعري بحرفية دقيقة ؟

لا يجوز ترجمة نص شعري بحرفية دقيقة ؟

بقلم مهدي قاسم

حسب تصوري أنه لا يجوز القيام بترجمة حرفية لنص شعري ، لتكون بديلا عن تقنية الترجمة الفنية و الإبداعية المطلوبة و بتمكن و اقتدار لغويين ، و ذلك لسبب بسيط وواضح إلا وهو :
ــــ إن كل لغة من لغات العالم تحتوي متضمنة كلمات ومفردات و مصطلحات بل ، و تعابير أيضا ، خاصة بها هي حصريا ، مختلفة عن غيرها من لغات أخرى ـ بل و لا توجد مثيلا متطابقا لها تماما في لغة ثانية ، كذلك الأمر بالنسبة للمناخ البيئوي والثقافي والنفسي لأهل اللغة المعنية بالأمر ، وطبيعة تعبيرهم عن أحوالهم و مشاعرهم و أفكارهم وأحاسيسهم سواء بعبارات طويلة أو موجزة و قصيرة مكثفة ، او بإيحاء مبطن ومضمر ـ ولكن الأهم من ذلك هو الإطلاع الثقافي الواسع و التمكن اللغوي ذات كنوز من مفردات كثيرة لمعرفة الطابع السيكولوجي والروحي والثقافي الذي من خلاله يرغب أهل اللغة في التعبير عن مشاعرهم و أفكارهم و أحوالهم عبر أشكال و قوالب و نصوص معينة ، فمن هنا استحالة الترجمة الحرفية أو الدقيقة للنص الشعري بحكم تصادف عدم وجود مفردات متطابقة بشكل كلي ، إنما الاضطرار للاستعانة بمفردات مرادفة أو قريبة بعض الشيء ، معنى و مبنى ، و أحيانا ابتكار جملة قريبة إلى مضمون و مناخ القصيدة لتكون بديلا عن كلمة أو عبارة في اللغة الأصلية التي ربما تكون غير قابلة للترجمة أو التي تجعل الكلمة أو الجملة المترَجمة ركيكة و مهزوزة وربما بلا معنى ، تفتقد لقيمة فنية مطلوبة في النص الشعري ، فضلا عن معرفة واستشفاف مناخ النص و عكسه تجسيدا في اللغة المترَجمة و كذلك الطابع الرمزي ، ولكن الأهم من كل ذلك أيضا هو الحفاظ على مضمون النص ومناخه الشعري العام في كل الأحوال ، ثم توصيله بصيغ و جمل و تعابير لغوية متينة ومتألقة لتكتسب رونقا وإبهارا جماليا في لغتها الجديدة ، ولكن بنفس الروحية الأصلية أو الأصيلة السابقة ..
على الأقل أنا هكذا أتصور أصول وتقنية الترجمة للنص الشعري أو الأدبي ضمن ذائقتي الجمالية والإبداعية ..
مع العلم إن عملية الترجمة الحرفية و الدقيقة جدا للنص الشعري ربما تكون بمثابة إعدام للنص الأصلي ــ حسب اعتقادي ، إذ إننا سوف لن نحصل في النتيجة النهائية سوى على نصّ متخشب ، هو عبارة عن تقرير جاف مكوّن من مجرد كلمات متراصفة بتراتب متلاحق ، كأنما كومة أحجار متيبسة فحسب ، ربما له علاقة بكل شيء ما عدا بالشعر ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here