أدمغة ناشفة:

بقلم ( كامل سلمان )

مفردة الدماغ الناشف متداولة عند العراقيين بكثرة وهي تطلق على الإنسان الذي لا يغير موقفه ولا يستمع الى نصيحة ولا يعطي اية مرونة في التعامل ، والمشكلة عندنا هذا النوع من البشر دائما في مقعد القيادة ، فلو نظرنا الى تأريخ العراق والمصائب التي ألمت به سندرك ان سببها الرئيس هو القائد صاحب الدماغ الناشف ، ولا نذهب بعيدا بما فعله أخر اربعة رؤوساء حكموا العراق بعيد الحكم الملكي وحتى سقوط بغداد في ٢٠٠٣ م واليوم نحن نعيش حالة النظام الديمقراطي كما يحلو لهم تسميتها ، فكل ما نتوقعه ان تكون قيادات البلد مع بحبوحة العيش التي يعيشونها ان تكون عقولهم مرنة ومتفتحة الى درجة قادرة ان تخلق من المستحيل ممكن ، لا ان يجعلوا من الممكن مستحيل . ولأجل التذكر عندما قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بخطوة كبيرة لا يتجرأ القيام بها الا شخص مثل انور السادات ، قام بزيارة الى اسرائيل في خضم التوترات الاقليمية والدولية ، وصفت حينها بالزيارة التاريخية لأن الرئيس المصري ادرك ان العناد والتعنت لا يفضي الى نتيجة تخدم الشعب المصري وان الحروب مع الاقوياء رهان خاسر ، فكانت خطوة اربكت حسابات الدول العظمى وكانت هناك بعض الدول العربية مساندة لهذه الزيارة ولكن بشكل غير معلن ومن جانب أخر كان للقادة العرب من اصحاب الادمغة الناشفة موقف أخر ، أطلقوا على هذه الزيارة تسمية زيارة العار . واليوم وبعد مرور اربعين سنة تقريبا على تلك الزيارة اين اصبح اصحاب الادمغة الناشفة واين اصبحت مصر والامارات وقطر والاردن .
عندما تكون رجل ثورة فإن الدماغ الناشف تعتبر نقطة تحتسب لك بل هي ضرورة من ضرورات الحركات الثورية وقادة الحركات الثورية وهي ماتسمى بهذه المرحلة بالثبات على المبادىء ولكن عندما تصبح رجل دولة فإنك تتحمل خطيئة ملايين الناس ارتبط مصيرهم بدماغك وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها على طوال مراحل التأريخ وهذه الايام تحديدا رزقنا بأدمغة ناشفة لا ترى غير شهوة السلطة والتسلط ولا يرف لها جفن على مصير هذا البلد وهذا الشعب فهي تركز نظرها على مصيرها ومصير اتباعها دون الاكتراث لمصير شعب بأكمله حتى ولو كان مصيرها يتقاطع مع مصير الامة فستضحي بالأمة لأجل نفسها .
ما هكذا تدار الدولة ياسادة ياكرام ، الدولة بحاجة الى من يخدمها والى من يعطيها لا الى من تخدمه الدولة وتعطيه ، فتذكروا هذه مني ( مع الحرام يصبح العمر قصير جدا والدنيا صغيرة جدا ومع الحلال تحس بطول العمر وتحس بوسع الدنيا مع العافية) انتبهوا الى كثرة الاخطاء وعودوا الى طبيعتكم البشرية ، ولتضعوا حدا لهذه المهازل وانظروا الى حال المرضى واليتامى والعاطلين عن العمل وكبار السن والخدمات والمستشفيات ، عودوا الى رشدكم فقد ابتعدتم كثيرا عن جادة الصواب ولم تنشف أدمغتكم فقط بل نشفت حتى ضمائركم عندما تركتم الشعب يصارع مصيره وانتم تتصارعون من اجل الكراسي .
ان من تضحك له الدنيا مرة لا يعني ان الدنيا ستبقى ضاحكة مستبشرة له ولا يعني بإن عناده ونشوف دماغه قد أثمر ، هذا البلد مذبوح جراحه تنزف ، سارعوا الى ضماد جراحه واخرجوا من هذه الدائرة اللعينة التي لم تثمر سوى عن مآسي وآلام . فلينظر كل واحد منكم الى نفسه كيف كان قبل ٢٠٠٣ م وكيف اصبح الآن فهذه التركيبة التي تكونت في كياناتكم بعد السقوط في العام ٢٠٠٣ م إنما هي تركيبة خداعة فلا تعولوا عليها .
اعلموا ان الخسارة والربح ليست بالمناصب ، كلكم تجيدون العناد وكلكم تمتلكون العدة والعدد لتدمير البلد ولكن من منكم يمتلك الشجاعة للتنازل والخروج من الدائرة ليتركها لمن هو أجدر بها ، صارحوا انفسكم لماذا تريدون البقاء في السلطة ؟ فهل عندكم اندفاع كبير لبناء البلد او اندفاع كبير لبناء انفسكم على حساب ابناء هذه الأمة .
الدماغ الناشف هو إيذاء للنفس وإيذاء للمجتمع ، وما قلة اتباعكم مع كل هذه الصرفيات والعطايا وفضائيات الاعلام الا دليل على نشوف الادمغة التي تحسب الامور إيجابًا فتخرج سلبا ثم تعاد الكرة بكيل من التهم لجميع الاطراف والسبب وراء كل ذلك هو نشوف الادمغة وعدم تقبلها للواقع ، بل كل ما تتقبلها هو الظن القديم والذي هو الأخر لم يكن حقيقي وإنما كان مزيفا بحرفية عالية .
خلال تجربتي في هذه الحياة تعلمت بأن زيادة الثقافة والمعرفة تعطي مرونة كبيرة لعقل الإنسان وتعطيه القدرة على استيعاب المتغيرات ، وللعلم فأن الثقافة والمعرفة لا يمكن للإنسان حملها وتذوق حلاوتها مالم يحمل قيم الأخلاق والإنسانية ، لذلك نرى قادة الدول المتقدمة بمجرد ان يترك عمله الوظيفي في القيادة لأسباب التقاعد او انتهاء المدة الدستورية للقيادة يعود الى حياته الطبيعية ومزاولة نشاطاته السابقة وتجده يصبح مساهم نشط في الجمعيات الخيرية ، وفي المقابل تجد صاحب الدماغ الناشف يرفع شعار لا حياة بدوني ولا وطن بدوني ولا وجود للناس بدون سلطتي ، ولا يدري بإن عناده هذا إنما هو تعبير عن نشوف دماغه و زيغه عن الصواب . هذه الحقيقة نضعها امام الجميع ولا نبغي من وراء ذلك الطعن بشخص محدد ، وكل ما يهمنا ان نرى بلدا يعم فيه الخير والامان والجميع يصبح ديدنهم البلد والمجتمع وليس الذات والتجمع ، والعاقل يتعلم .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here