كيف تصنع صنم مقدس

كيف تصنع صنم مقدس

علي مهدي الاعرجي

في كل مرحلة زمنية يشهد العالم بظهور شخصية تطفوا على السطح المجتمعي تخالف في معتقداتها الذوق و الفكر و الراي العام للجمهور البشري بما يحمله من معتقد و تقاليد حتي يجد له انصار و اتباع يحذون حذوه الخطوة بالخطوة و القول بالقول .من هنا تدخل مرحلة جديدة من مراحل التغير الفكري الجمعي لبعض المتزاحمين في بيئة محددة او منطقة مخصصة بالانتشار كما هي الفطريات مضاف لها بعض مراحل القدسية و التطهير وهنا تنتهي الامور في الجدل و اصبح من يتحدث عن المقدس بالسوء تحدث عن الذات الواحدة .

ان خلق الانسان من أعظم تجارب الوجود واكبر مراحل التطور الكوني وشاهد على ابداع الخالق .حتى الله في كتابه قد قال لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم .إذن هو الرهان الوحيد القادر على اعادة رسم مسار منظومة الوجود لاسيما حصوله على تفويض من السماء بخلافة الرب على الأرض سواء كان من المعتقد المطلق ام من غيره إلا أنه في النص السماوية يعتبر خليفة الله على الأرض لذلك أصبح من الواجب الفعلي للإنسان ان يبدأ في مرحلة المقدس حيث لابد من وجود جمع تراكمي متتابع من المخلصين او المنقذين للبشرية من حكام او ناصحين حتى وصل الى مرحلة الانبياء .فاصبح لوجودهم و افكارهم في المجتمع لا يختلف عن بزوغ دور بعض القيادات المجتمعية في عصرنا الآن .أن قولنا في اختراع فكرة النبوة لا يعني أن الانبياء غير صادقين او كاذبين .بالعكس هم اناس اختارهم الانسان و اتم الله عليه كلمته فاصبح قبولهم سماوي ارضي و اوكل اليه مهمة اصلاح الأخطاء الإنسانية في مراحل زمنية مختلفة فلو كان الامر ذاته الان يمكن اعتبار فلان و فلان من القيادات الطافية على السطح في المستنقع السياسي و الديني انبياء عصرهم الا ان نبي الاسلام اوقف الرسالات و النبوة من بعده .فلو لم يكن هذا النص لشهدنا عدد من الأنبياء في وقت واحد وزمن واحد كأنبياء بني إسرائيل .ان ما حدث للأنبياء هو نهج مخالف للفكر الجمعي تم الاعتقاد به من خلال البسطاء من العوام او لعلي اقول من جهال أقوامهم حتى يتبلور الفكر الرسالي ويهذب على يد بعض المعتنقين ممن يملكون الفكر المتنور ليضيف و يغير في النص العملي و النهج القانوني للرسالة .اذن لكل نبي صناعة تبدا من العوام وتنتقل على يد حكماء القوم ويتفرع الأمر الى شطرين منها الاول ان يرسم لها خط سياسي ليبسط نفوذه على الدولة ويجبر الجميع على الدخول ضمن اطار قانون الدين الجديد او ينتهج شطر اخر مفاده الرهبنة و القول الكريم وهذا لا يسوغ له في الارض قوة لكن يتيح له الذكر الجميل .من بعد هذه المراحل يدخل مرحلة التضحية و التقديس السماوي .و بدوره سينتخب عدد من الكتاب من ذوي الاقلام العظيمة و اصحاب المخيلات الواسعة التي تنثر على مسيرته الورد لينقش له على الحجر مسار التعظيم و التقديس من السير على المياه و الطير في السماء ويسمع ضربات قلوب المؤمنين على بعد أميال ويحطم الصخر وتطوى له الأرض وغيرها من الخرافات حتى تجد له نهاية دراماتيكية جميلة تزيد من واقع رقعة انتشار محبيه و مناصريه .عندها يحذف تاريخه وكل ما انجز و يرسم ما ختم به من مات مقتول او مصلوب أو غيرها ويرسم على جوانبها التضحيات و الاساطير و غيرها . بهذا حقق مراد السيطرة الدنيوية و التقديس المخلد .
اليوم في الرؤيا الضيقة نشهد مسرح دراماتيكي يعتلي الشارع العراقي والعربي والاسلامي بشكل اوسع, منها تخليد و خلق صنمية تافهة لعقليات و شخوص لا يمكن ان يضاف عليهم صفر من اليسار لا من اليمين لعدم وجود واقع اعتباري لهم سوى انهم كائنات ترتع وتمرح في الارض ليس له ثقل فكري وإنساني الا انهم دخلوا ضمن اطار صناعة المقدس و اصبح من الواجب ان يخلق لهم انصار واتباع يعتقدون به و لهم المقدرة على التضحية بأنفسهم دفاعا عن قدسهم الأبله الذي لا يفقه من الواقع شيء إلا أنه بمرور الزمن سيكتسب من مساعديه ومرافقيه شيء من الوعي و اسلوب وفن الحديث الا انه يبقى كما هي الجذوع الخاوية تافه ابله عديم القرار صنعة منه الظروف رجل مرحلة .المرحلة الثانية هي مرحلة الاختيار السماوي و التسديد الإلهي حيث تحتاج الى رجال مفوهة و كتاب ذي خيال خصب ترسم لهم تقلباتهم اليومية اجمل الصور الواهية عن بطلهم الورقي , يبحرون من أجله في سفن خشبية بمياه اسنة كاتبين اجمل و اروع انواع القصص في الايثار و الشجاعة و الكرم عن شخص مريض نفسي يتمتع في استعباد الاخرين و ارسالهم الى التهلكة واصفين إياه بأنه ظل الله على الارض و ان ارتحل الى نهايته الحتمية كسائر المخلوقات رسموا لهم معركة كونية راح ضحيتها الصنم و اهله وجرى عليه كم عظيم من الشرور الا أنه ظل منتصر شامخ كعصا موسى وهيكل سليمان .ان ما اصاب الطف من واقع صادق في التضحية العقائدية جعل جميع المهرجين من الطامعين لخلق صنم مقدس ان يتخذ صورة من الطف نهج له محاولا ان يجعل من نفسه الحسين الجديد و من اعدائه يزيد اخر. حتي يتحول الى مقدس يتبرك في أعتاب أبواب قبره ,عند رحيل او قتل اي رمز ديني عند عوام المسلمين لاسيما الشيعة سيتخذ أنصارهم و محبيهم من قبره مرقد مقدس للزيارة يشفي المريض و يرزق الجائع ويستر العريان و يبزغ نور الاجنة في ارحام النساء و غيرها وفي مرور الزمن يضاف الى قتله قصة مختلقة يحيط بها صوت جبرائيل و يحتفي بها صوت اسرافيل و يتحقق المراد .و لدينا من هذه المراقد اكثر من اعداد رمل بئر يوسف .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here