المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر و شهر رمضان والصيام (ح 2)

المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر و شهر رمضان والصيام (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في معنى القضاء: قال الله تعالى: “فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (البقرة 185). وهو إشارةٌ إلى القضاء بعد أن يكون الصوم في وقته الأصليِّ وأيامه الحقيقية لم ينجز، وإنما حصل الإفطار فيها. إذن، فينبغي أو يجب تكريس أوقاتٍ أخرى أو أيامٍ أخرى لممارسة الصوم من جديدٍ في غير موعده الأصليّ، وهو معنى القضاء. غير أننا يمكن أن نفهم لقضاء الصوم عدة معانٍ، على اعتبارٍ يعود إلى معنى القضاء نفسه: أولاً: أن يكون معنى القضاء إصدار الأمر والتشريع. فيكون معنى قضاء الصوم إيجابه والأمر به. ثانياً: أن يكون القضاء بمعنى الأداء، بالإصطلاح الفقهيّ، وهو الإيجاد والإنجاز، يعني إذا أنجزت وتمت، فيكون معنى قضاء الصوم إنجازه وإتمامه، سواءٌ كان في موعده المعين أو في أيامٍ أخرى. ثالثاً: أن يكون القضاء بالمعنى المصطلح فقهياً، وهو ممارسته خارج وقته, وهذا يعني أكثر من معنى. فإنَّ أوقات أو مناسبات الإفطار التي ذكرناها في الفقرة السابقة، إنما هي وقتٌ حقيقيٌّ للصوم، غير أنَّ الفرد باعتبار تلك الأسباب سيمارس الإفطار، ومعه فسوف يكون مسؤولاً عن العودة إلى الصوم بعد زوال ذلك السبب. ونوكل تطبيق ذلك إلى فطنة القارئ الكريم. ولكن قد يخطر في البال: أنَّ كل الأزمان قابلةٌ لأداء الصوم، كأيام السنة القابلة لممارسة الصوم المستحبِّ فيها، فإذا أفطر الفرد في بعض الأيام وصام في بعضها، لا يكون اليوم الذي صامه بمنزلة القضاء عن اليوم الذي أفطره، بل يكون أداءاً لتكليفه الحاليِّ الأدائيِّ بطبيعة الحال. ومن هنا لا يكون هذا المعنى من الصوم قابلاً للقضاء، بل هو أداءٌ باستمرار. إلا أن يراد به معانٍ أدق نسبياً، كمضاعفة الجهد بعد ارتفاع المانع فيكون المقدار الزائد من الجهد بمنزلة القضاء لما فات، حتى لا يكون فوته سبباً لبطء السير أو بعد الهدف. كما أنَّ هذا الجهد الزائد، قد يعني إعطاء الكفارة عن الصوم الفائت فيما سبق، الذي قد يكون فات عمداً، ليكون هذا سبباً للعفو عن مثل هذا الزلل والهفوة، وهو معنى الكفارة, بمعنى تغطية الذنب والتجاوز عنه، حتى كأنه لم يكن.

جاء في كتاب الصلاة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في أوقات الصلوات: إذا راجعنا المتشرعة واطلعنا على ارتكازهم, لوجدنا بكلِّ تأكيدٍ أنَّ الأوقات تختلف في درجة الفضل عند الله سبحانه وتعالى, سواءٌ في ذلك أوقاتُ النهار والليل, أو أيام الاسبوع، أو أيام الشهر، أو أيام أشهر السنة. ولكنَّ ذلك لا يمكن إثباته بالعلم الطبيعي, لوضوح أنَّ الزمان متساوي الأجزاء وجارٍ على حدٍّ واحدٍ على كلِّ الأشياء. لكننا بالرغم من ذلك يمكن أن نثبت ذلك على عدَّة مستويات: المستوى الأول: إنَّ الفضل ليس للزمان نفسه، وإنما شاءت الإرادة الإلهية وجود التوقيت لكثيرٍ من الواجبات والمستحبات, لمصلحةٍ في الأمر أو في المتعلق كما شرحنا، باعتبار حرية تلك الإرادة. فالله سبحانه يحبُّ أن يرى عبده متعبداً ومتوجهاً، في هذا الزمان وذاك، على غير تعيينٍ سوى مجرد الإختيار الإلهيِّ له. وأما كون هذا المستوى صحيحاً أم لا، فهذا مما لا ينبغي الدخول في تفاصيله، وسيأتي في المستويات القادمة ما يصلح أن يكون جواباً على ذلك المستوى. المستوى الثاني: ما دلَّ من القرآن الكريم على اختلاف الأزمان. وإذا أمكن أن يكون بعض الزمان مهماً, أمكن أن تكون أجزاءٌ أخرى مهمةً أيضاً, كبرت أو صغرت. هذا بغضِّ النظر عن قوله تعالى: “أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً” (الاسراء 78). إذ قد نقول بأنَّ مثل هذه الآية لمجرد التوقيت وليس لوصف الزمن، فالإستدلال بالآية السابقة أوضح. المستوى الثالث: ما دلَّ من السنة على أهمية بعض الأزمان بذواتها، فشهر رمضان شهر الله، وهناك عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عرفة، وليلة القدر، واضحة الأهمية شرعاً ومتشرعياً بالضرورة في الإسلام. مضافاً إلى أهمية أيامٍ أخرى بدرجة إثباتٍ أقل، كليلة الجمعة ونصف شهر رجب ونصف شهر شعبان ويوم التروية ويوم دحو الأرض وغيرها كثير. المستوى الرابع: إنَّ هذا لا يختلف في معناه عن الأعياد الإجتماعية والمناسبات القومية لدى الشعوب. فإذا كان المجتمع العقلائيُّ يدرك أهمية بعض الأجزاء من الزمن، فليس من حقه أن يستكثر ذلك على الشريعة. المستوى الخامس: إنَّ إناطة بعض الأمور ببعض الأزمنة طبيعياً، ليس بالقليل ولا النادر، كإناطة بعض النباتات من الفواكه أو الأزهار، بالربيع أو بالصيف أو بالشتاء، وإناطة المدِّ والجزر بحركات القمر، ومن أوضح أمثلته: الساعة البايلوجية المربوطة بساعات الليل والنهار، والتي تختلف حالات الفرد باختلافها، بلا تعرفٍ واضحٍ على سبب ذلك، ولا حتى بدون أن يعرف الفرد نفسه من نفسه ذلك. إذن، فالزمان له دخلٌ حتى في العلوم الطبيعية، فلماذا يستكثر ذلك على الشريعة أو يستشكل منها؟.

جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: فكرة العيد. أعطينا في كتاب الصلاة بعض الأفكار عن العيد، بمناسبة التعرض لصلاة العيدين. أما هنا، فينبغي النظر إلى العيد من زاويةٍ أخرى. فإنَّ يوم العيد في الحقيقة هو يوم الوصول إلى الهدف, والفرح به إنما يكون لأجل ذلك، وتقديسه وأهميته إنما يكونان لمدى قدسية الهدف وأهميته، والإحتفال به أو قل: ضرورة إظهار الفرح في العيد، إنما هو من أجل ذلك. أولاً: من باب تطبيق قوله تعالى: “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” (الضحى 11). ولا شكَّ أنَّ الوصول إلى الهدف من أعظم النعم. ثانياً: من باب الشكر على تلك النعمة. فإنَّ الإعتراف بالنعمة والتجاوب معها، شكلٌ من أشكال شكرها بلا إشكال. تبقى الإشارة إلى الفرق بين العيدين – الفطر والأضحى – مختصراً، بعد العلم أنهما معاً يشتركان بالفكرة التي عرفناها. إنَّ عيد الفطر يأتي بعد الصوم, والصوم من جملة مقدمات الهدف ومقرباته بلا شكّ. قال الله سبحانه: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ” (البقرة 45). وقد فسر الصبر في الآية بالصوم، وقد قيل (الدنيا صوم يوم). ومع الوصول إلى الهدف تنتفي الحاجة إلى الصوم ويجب الإفطار وإظهار الفرح لذلك معنوياً. وأما عيد الأضحى، فهو يأتي بعد عناء السفر إلى الحجّ، الذي يرمز إلى السفر إلى الهدف, بتقديم مقدماته وإنجاز أسبابه. فإذا حصل الوصول وانتهى السفر، كان معناه حصول الهدف، لأنَّ السفر إلى الهدف ينتهي بالوصول إليه لا محالة، ومع حصول الهدف يحصل العيد والفرح، وسيأتي في كتاب الحجِّ ما يرتبط بعيد الأضحى مفصلاً بعونه سبحانه. ومن الواضح أنه ما دام يمثل الوصول إلى الهدف، وهو هدفٌ معنويٌّ وأخرويٌّ، وليس دنيوياً, حتى وإن كان مربوطاً بالدنيا أحياناً من بعض الجهات.. فلا معنى للإحتفال به احتفالاً دنيوياً، وإظهار فرحه بطريقةٍ مسفةٍ أو محرمة. وإنما الطريقة الأهمُّ والأفضل لذلك، هو تحويل الطموح إلى المزيد من التكامل، ومدُّ البصر إلى المزيد من الأهداف، وذلك بالشروع بالإعداد إلى الهدف الذي يليه، بالطريقة المناسبة له، فإننا قلنا عديداً، إنَّ طريق التكامل لا نهائيُّ السير، وكلما وصل الفرد إلى مرحلةٍ استحقَّ الحصول على المرحلة التي بعدها، بشرط أن يسعى لها سعيها المناسب لها, والله سبحانه وتعالى كريمٌ لا بخل في ساحته، فيهب العبد ما يأمله من الأهداف والطموحات في عالم المعنى والنور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here