مالذي أكتشفه العالم بعد عدوان بوتين على أوكرانيا

فتح غزو بوتين لأوكرانيا الأعين على خطر الأنظمة الشمولية والديكتاتورية على العالم ، وتركت المشاهد الوحشية للدمار التى رآها الناس من على شاشات التلفاز في مدن اوكراينا مثل ماريوبل وخاركيف وخيرسون, وهروب الملايين خشية القصف العشوائي على مدنهم، و المجزرة الوحشية مؤخرا في قرية بوتشا في ضواحي كييف ، مشاعر حزن عميقة ودهشة مربكة عن امكانية القيام بهذه الأعمال الوحشية في القرن 21 مثل قصف وحرق مجمعات سكنية وتدمير مدن بكاملها (وكأن جنكيزخان قد قام من قبره) , وجعلت الناس مشدوهين ولكن موحدين انسانيا ووجدانيا في رفض هذه العدوان وضد نظام بوتين بأكمله . وفي نفس الوقت محاولين فهم طبيعته. لقد تسائل الجميع وحيرهم تساؤلهم أي مبرر للسيد لبوتين كي يرتكب هذه الجرائم المروعة ضد شعب اوكراينا؟ ولم بجد غير أقاويل فارغة. لقد أعتقد غالبية الناس ان العالم, و منذ انقراض الأتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وتحول أغلب دول العالم الى أنظمة ديمقراطية بما فيها روسيا, قد دخل مرحلة جديدة وأضحى العالم كالقرية الصغيرة والمواطنة فيه هي أنسانية وليست قومية, فكلنا مواطني هذا العالم, وأعتقدوا بتجذر هذا المفهوم , ولكنهم أستيقظوا يوم 24 فبراير ليجدوا أن هذا العالم قد تغير.

ان عدوان بوتين قد فاجأ الكثيرين في العالم, كما فاجأ حتى رئيس اوكراينا نفسه الذي نفى امكانية غزو روسيا بأيام قبل الغزو, وذلك ربما لأنعدام حجة او مبرر لبوتين كي يشن حربا على بلاده. ويحاول الناس اليوم فك رموز هذا الأمر وفهم ماحدث ولماذا, ليجدوا أن بوتين قد أقام خلال عقدين من حكمه نظاما شموليا مستبدا في روسيا وونصب نفسه قيصرا وطاغية أوحد فيها (يكفي النظر لكيفية لقاءه مع وزراءه للخارجية والدفاع حيث يجلسون على زاوية صغيرة تبعد عنه 15 مترا وهو على صدر المائدة يستجوبهم كقيصر لكتبته) ، وكذلك اكتشف العالم أن هناك منظرين نازيين لروسيا الكبرى مثل الكسندر دوغين المنظر الأيديولوجي للأمة الروسية الكبرى ( تماما مثل تنظيرات عفلق للأمة العربية) ويقوم عليها بوتين لتشمل روسيا كل شعوب السلاف الكتلة الأكبر في أورويا تليها الشعوب الجرمانية ، وبناء جيش قوي لأقامة روسيا العظمى بالفتوحات والتوسع الجغرافي وهذه هي الخطوط العامة للأيديولوجية التي اقام عليها بوتين نظامه وجعلها اساسا لعمل

المؤسسات السياسية والعسكرية والدعائية ،كما وعمل على أثارة وهسترة المشاعر القومية لللشعب الروسي وأعتبار كل مخالف له خائن للوطن و لقيصر(فوهرر) روسيا الجديد السيد بوتين. لقد تم فعلا وخلال عقدين أعادة أخراج الدولة الروسية ويناء كل الأسس اللازمة للبدء بالفتوحات والتوسع, ولا يحتاح الأمرغير أشارة من السيد القائد الملهم الذي نفذ صبره من الأنتظار لبدء لفتوحات مستفتحا بأوكرينا لتستعيد روسيا مجدها كدولة وامة عظيمة وقطب من جديد . كل هذه كانت امور خافية لا يعرفها الناس عن وضع روسيا في تحولها الى نظام شمولي دكتاتوري خلال أقل من عقدين.

ان بوتين قد أقام نظام دكتاتوري شمولي في غفلة من العالم وهنا هي مهارته التي يجب ان يعترف له بها . انه نجح في اخفاء وجهه ومخططاته عن العالم ، فهو كمن يطمئن ضحيته ليسهل اغتيالها فيما بعد. وما أخفى وجه بوتين ونظامه امام العالم هو الأنتهازية الأقتصادية للغرب، وخصوصا من جانب المانيا وفرنسا، الفرحتين بعقودها الضخمة مع روسيا, وعمل كلا من ميركل وساركوزي كعراببن لبوتين , ونفس الدور لعبه من بعدهم ماكرون وشولتز ، فهم وكلاء اقتصاديين (دلالة سوق ) ، ولم تحركهم الأختراقات الواسعة لحقوق الأنسان في روسيا او أغتيال صحفيين معارضين أو تزوير انتخابات وتصفية حرية الأعلام وتقويض الديمقراطية ككل في روسيا ، وعليه أن العالم لم يعرف حقيقة ما حدث في روسيا طوال سنين من الممارسات الديكتاتورية لولا حرب اوكراينا والعدوان الشرس عليها و ما شاهده من جرائم بربرية لم يرها أي جيل عاش بعد النازية الألمانية تضاهي وحشية هتلر, خصوصا في تدمير المدن وبث الرعب في السكان. وشخصيا لامني بعض الأصدقاء عن مقالة لي بعنوان “ولادة نازية جديدة في روسيا” (1), نشرتها قبل يوم واحد قبل غزو بوتين, ولا أجد اليوم غير ما يراه الناس مجسدا في الواقع الأوكراني, و أعترف بأني لم أكن أتصور أن عدائية بوتين تصل لهذه الدرجة من البربرية.

وربما ماساعد في أخفاء الوجه الذئبي لبوتين كونه رجل مخابرات محترف عرف كيف يطرح نفسه كرجل متحضر امام العالم ولولا احداث اوكراينا والدمار الذي راه العالم لما انكشف وجهه النازي الحقيقي في مسح مدن أوكراينا ومذابح المدنيين في بوتشا والتي قال هنها لافروف ما لايصدقه العقل ” يبدو أن البعض يعاني من

أزمة ضمير ” وهذا من أسوء مايمكن للأنسان أن يسمعه من تعليق على مذابح طالت 200 مدني في قرية أوكرانية , وبهذا التعليق وحده يمكن فهم ماهية وجوهر هذه الطغمة الفاسدة أنسانيا التي تحكم روسيا ونازية نظام بوتين , وبلا شك ياسيد لافروف أنها حقا أزمة ضمير يعبشها الناس, لأنكم ببساطة لا تملكونه كونكم طغاة ولا يهمكم الأنسان الروسي أو ألوكراني حالكم وحال أي نظام طغياني ديكتاتوري فاسد.

نعم أن العالم قد توحد اليوم ضد الأنظمة الشمولية والديكتاتوريات المستبدة سواء الكبيرة منها مثل روسيا و الصين أوالأقليمية مثل أيران و تركيا, فهي جميعها أنظمة رثة تعتمد على أعادة أرث أمبراطوريات أندثرت وتعتمد التوسع والسيطرة على شعوب الجوار. وكما أثبتت هزيمة بوتين أمام الشعب الأوكراني, أن الشعوب أضحت أكثر من أي وقت مضى تقدس حقوقها وتقدس مبادئ الحرية والديمقراطية في أدارة شؤونها وبناء مجمتمعاتها ودولها, ولايوجد مكان في القرن 21 لبوتين وأمثاله من الديكتاتوريين والطغاة معتنقي الفكر القومي و الديني المؤدلج غير مكان واحد وهو مزبلة التاريخ , وربما الدرس الأهم الذي تلقاه العالم هو ضروروة الوقوف موحدين ضد الطغاة والأنظمة الديكتاتورية والشمولية للدفاع عن الحياة وعن المبادئ الأنسانية والتمسك بالنظم والمعايير الديمقراطية ورفض أنظمةالأيديولوجيات الشمولية بكل ألوانها فهي أخطر حتى من وباء كورونا والأعاصير والهزات الأرضية وغيرها من المصائب كما قال يوما فيلسوف بريطانيا العظيم برتراند رسل.

د. لبيب سلطان

أستاذ وباحث أكاديمي عراقي- كاليفورنيا

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here