مدينة فيلٍ بلا عظامٍ!!

إبن المعتز الشاعر العباسي السامرائي (مولود في سامراء) , أحب مدينته وتعلق بها وكتب عنها , فذكريات طفولته وصباه فيها لا ينساها , إذ ترعرع بين قصور جده المتوكل , وفي قصر المعتز , أبوه الذي عذبوه وقتلوه , وهو في بداية العقد الثالث , وكان وسيما يتمتع بذكاء فائق , وتوسم المتوكل فيه قيادة ذات قدرة على تقوية دولة بني العباس.

وبعد أن إنتقلت العاصمة إلى بغداد (279) هجرية , بقي إبن المعتز يتردد على سامراء , فيزورها بين آونة وأخرى , ومن أشعاره عنها:

“قد أقفرت سر من رأى…فما لشيئ دوام ,, فالنقض يُحمَل منها…كأنه الآجام ,, ماتت كما مات فيلٌ…تسل منه العظام”

فهل أصبحت كذلك بعد بضعة أشهر من مغادرتها أو هجرها , أم تنبأ بمصيرها وما ستكون عليه في المستقبل؟

شاعرنا وخليفتنا الذي لم يدم في الحكم أكثر من يوم واحد , فتم الإنقضاض عليه , وتعذيبه وقتله , وكأنه لاقى مصير أبيه . لو زارها اليوم لكتب عنها بمداد دمه وروحه , ولإنتفض مهموما مصدوما من هول ما يرى.

فالعدوان على حضارة سامراء بلغ ذروته , وكأنها ليست تلك المدينة التي حكمت الدنيا وقررت مصير أوطانها وشعوبها.

و لم يطأ ترابها أعلام الأمة وجهابذة علومها ومعارفها , فلا يوجد عقل عالم وعارف في فترة تألقها لم يزرها , فكانت جنة الدنيا التي جذبت كل بارز عليم , وفي ثراها يرقد العشرات من نجوم الأمة اللامعة.

وتوَّجَت مسيرتها بإستضافة الإمام علي الهادي , الذي بقي مثواه شاخصا , فتعطرت بأنوار الأئمة وإكتسبت مرتبة المدينة المقدسة.

ومن المخجل والمعيب أن لا تنال ما تستحقه من الرعاية والإهتمام , وتخلو من مفردات التعبير عن جوهرها , وما يشير إلى مسيرتها الوهاجة في دروب الإنسانية.

سامراء مدينة الحضارة والتأريخ والعلوم والمعارف الروحية والدنيوية , كيف لها أن تعيش في حرمان من حقوقها , وتصاب بتخريب ودمار , وتغيب معالمها الناطقة بالعزة والشموخ والقدرة على بناء الإقتدار الأصيل؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here