اتحاد الطلبة العام قيم وتقاليد ثورية

محمد عبد الرحمن

تحل بعد أيام ذكرى تأسيس اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، الذي انعقد مؤتمره الأول في ساحة السباع ببغداد يوم 14 نيسان عام 1948.

التأم المؤتمر في حينه بمشاركة الجواهري الكبير الذي انشد قصيدته “يوم الشهيد” تخليدا لشهداء الوثبة، وبحضور الرواد الأوائل المؤسسين، وتحت حراسة العمال الذين تطوعوا لحمايته. وجاء عقده في هذه الساحة والمنطقة اللتين تكتضان بالفقراء والكادحين، بعد رفض السلطات الملكية آنذاك السماح له بذلك في قاعة احدى الكليات.

التأم المؤتمر في أجواء انتعاش الحركة الطلابية والوطنية، والانتصارات المتحققة في وثبة كانون 1948 واسقاطها معاهدة بورتسموث، تلك الوثبة التي ابلى فيها الطلبة بلاء حسنا، وكانوا شرارة انطلاقها ووقود مواصلتها واستمرارها. ولم يكن انعقاد المؤتمر كذلك بعيدا عن التطورات على الصعيد العالمي ودحر الفاشية والنازية، وعن انبثاق اتحاد الطلاب العالمي وغيره من المنظمات الديمقراطية العالمية والإقليمية والوطنية، التي جاء تشكيلها داعما لانبثاق منظمات وطنية .

تأسس الاتحاد باسمه الأول “اتحاد الطلبة العراقي العام” كأول منظمة طلابية عراقية، وغيّر اسمه في مؤتمره الثاني المنعقد بعد ثورة 14 تموز 1958 الى “اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية”، ليستقر لاحقا على اسمه الحالي “اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق” غداة رحيل النظام الدكتاتوري في 2003 .

وجعلت ظروف نشاة الاتحاد وطبيعته المهنية والديمقراطية والوطنية، كذلك جرأة وشجاعة وصلابة وعزيمة أعضائه ومناصريه والتضحيات الجسام التي قدموها، جعلته يحتل موقعا مرموقا في حركة شعبنا الوطنية، مثلما حظي على نطاق واسع بالدعم والاسناد من جماهير الطلبة العراقيين، وشغل بجدارة مواقع مهمة في الحركة الطلابية في البلدان العربية والعالمية، ومنها اتحاد الطلبة العالمي .

ولقد مرت على الاتحاد، كما على القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية العراقية عموما، ظروف بالغة الصعوبة والتشابك والتعقيد. وبعد حملات القمع والاضطهاد والتنكيل والاعدامات والتصفيات يعود الاتحاد من جديد الى العمل والعطاء، ويقود نضالات الطلبة واضراباتهم واعتصاماتهم سعيا الى تحقيق شعار مؤتمرهم الأول “في سبيل حياة طلابية حرة ومستقبل افضل”.

ويحفل تاريخ الاتحاد وعموم الحركة الطلابية العراقية الديمقراطية والتقدمية، بالدروس الغنية والتجارب التي زكتها التجربة العملية. فمنذ النشأة الأولى كان السعي واضحا الى الربط السليم بين المهام المهنية والديمقراطية وقضايا الوطن والشعب العليا، والى تحقيق التوزان بينهما، رغم ان اختلالا حصل في هذا في ظروف سياسية معينة .

وعلى هذا السياق سارت حركتنا الطلابية، ولعل الأبرز في راهن الحال هو المساهمة الواسعة والمشرّفة للطلبة في انتفاضة تشرين، تلك المساهمة التي أعطت الانتفاضة نكهة خاصة، رفعت وقوّت إرادة وعزيمة المنتفضين الذين واجهوا بصدور عارية رصاص القمع والإرهاب والتنكيل الرسمي وغير الرسمي.

هكذا هم الطلبة ، بما يملكون من حيوية وطاقة وجرأة وتطلع الى المستقبل، جعلتهم رأس الرمح ، وهذا ما كان وما زال يرعب الحكام المستبدين والطغاة والدكتاتوريين. لذلك لجأوا الى اساليبهم المعروفة وشعاراتهم البالية، مثل شعار “الطالب للدراسة” الرامي الى ابعادهم عن مساهمتهم المطلوبة والملحة في نضالات الشعب ولتحقيق المطالب والاهداف العامة.

نعم، كان هؤلاء الحكام وما زالوا يرتعبون من نزول جماهير الطلبة الى الساحات والشوارع، خصوصا عندما تتناغم وتلتقي مطالبهم الخاصة مع تلك التي تهم عموم المواطنين .

هذه التقاليد الثورية للحركة الطلابية وتمازجها مع الوعي والادراك لمتطلبات الحاضر والمستقبل، لابد من مواصلتها وتعميقها، وان يبقى شعار وثبة كانون “يلله يا شباب نجدد الوثبة” حاضرا باستمرار. وان “تجديد الانتفاضة” لوقف التمادي والاستهتار بقضايا الشعب والوطن ومصالحهما العليا، يظل مهمة الجماهير الطلابية والشبابية قبل غيرها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here