وادي الارواح / رواية / الفصل السابع

وادي الارواح /رواية / الفصل السابع
ذياب فهد الطائي

ماذا كان ابليس سيقدم لي من نصيحة ليسهل لي لقاء ماري في هذه الأجواء المزدحمة والضاجة بالحركة ….. إذا كان ابليس يستطيع أن يعرف فهذا يعني إنه ما يزال يتمتع بمزايا خاصة هي للملائكة الذين كلفهم (القدير) بمهام متنوعة…فكيف يمتلك ابليس المغضوب عليه مثل تلك القدرات، وابليس تزوج وانجب وملأ أركان الكون الأرضي بأبنائه، كيف تسنى له ذلك ؟

ما أعلمه حين كنت في السماء إننا لا نتزوج لأن لا أناث بيننا ونحن لا نشعر برغبة في الجنس أصلا …نحن لاننجب لهذ السبب ، نحن كما نحن منذ ملايين السنين ، وأخيرا هل استطيع أن أتزوج….أيها (القدير ) ساعدني …لماذا أنشغل بمثل هذه ألامور وأترك التفكير بماري ….ومضت بذهني فكرة غاية في البساطة ولكنها غاية في الأهمية ….لماذا أجدني منشدا للبحث عن ماري ؟ أليس هذا إحساسا بالجنس ؟

وجدتها….. !!! المكان الوحيد الذي يذهب إليه الجميع هو البار لأن النادي لا يقدم خدمة التوصيل الى الطاولات ، وعلى الجميع الشراء مباشرة،وقفت عند ركن البار وطلبت كاسا من النبيذ الابيض ،عدد لي النادل عشرة انواع ….قلت بوردو حلو، لأني سمعت رجلا هادئ الملامح يطلبه بصوت ثابت …أمسكت الكأس بيدي ووقفت أرقب الذين يتقدمون الى البار …

-جي جي ….غير معقول !

كان صوتا إنثويا مشوبا برنه فرح ووجه تغمره بهجة ترسم ظلالا مشرقة

-هاي ماري

-انت لم تنس اسمي …كم يسعدني هذا

مددت يدي لأصافحها ولكنها اندفعت نحوي تحتظنني ، شعرت بحرارة جسدها، غمزني النادل وراء البار وكأنه يقول لقد نجح صبرك !

-هل معك أحد ؟

-لا كنت أنتظرك

-حسنا…تعال معي لنكمل حديثنا …انا مع ثلاث من صديقاتي ومضّيف من زملائي

كانوا في أحد أركان الصالة حيث ترصف طاولات على شكل نصف دائرة بثلاثة صفوف ، الفتيات يحتسين البيرة بكؤوس كبيرة فيما الشاب معهم يتناول مشروبا بنيا لم اعرف كنهه ، قدمتني على أني صديق ،سحبت كرسيا من الطاولة المجاورة بعد ان استأذنت المجموعة التى تشغل الطاولة ، كان ما يزال بيدي كأس النبيذ الأبيض

سألني الشاب – ماذا تعمل ؟

-مازلت لم أقرربعد

التفت الجميع ناحيتي بشيء من الاستغراب

قالت ماري –يعني انه بعد ترك عمله في شركة دلتا للطيران لم يجد عملا مناسبا،

كذبة بيضاء لإنقاذي …كانت تجلس مصالبة ساقيها وتنتصب بجلستها بأناقة فيما كان حديثها يتسم برسمية في نبراته وبرنين كضربة بيانوذات طبقة صوتية ثابتة مما يوحي بثقتها بنفسها

قال الشاب الذي بدا نزقا ، ربما بسبب المشروب الذي يتناوله –هل تعرف هذا المكان أم جئت بالصدفة ؟

قالت إحدى الفتيات باستغراب –لماذا ؟

قال الشاب- لأن هيأته الجادة والرسمية والمتعالية لا تتناسب والمكان المعد للمرح، وموسيقى البوسا نوفا الصاخبة يلزمها الشباب المتّقد بالحماسة

قالت فتاة ثانية بسخرية ظاهرة –تعني مثلك !!

إنتبه الشاب الى إنه ورّط نفسه بموقف محرج فتشاغل برفع كأسه الى شفتيه

قلت-في الحقيقة كنت على صلة بالموسيقار بيل كلبرتو وكنت أتردد على النادي لسماعة ونشأت بيننا علاقة صداقة وقد كتبت عن دوره في تطوير هذه الموسيقى البرازيلية لتنتشر في الولايات المتحدة الامريكية،

قالت ماري –لنشرب نخب السامبا

رفع الجميع كؤوسهم

تناولنا عشاء خفيفا وعند انتهاء السهرة طلبنا الحساب كل على حدة ، فهمت الاتفاق ولهذا قلت لماريا سادفع حسابينا

يغلق النادي في الساعة الرابعة صباحا ، في الخارج يتفتح خريف نيويورك في بواكيره عن نسق متجانس من الألوان فيما تبدو الأشجار وكأنها تستعد لحياة جديدة فتتساقط أوراقها وتقف عارية على امتداد الشوارع ، وعلى جانبي الطرق في بروكلين يتحرك نسيم بارد ولكن منعش فتصدر الاوراق المنتشرة على الارصفة العريضة خشخشة بهيجة تحرك المشاعر،

قالت ماري –هل تصدق ان فصل الحب في نيويورك هو الخريف ،اشعل المدفأة وأتطلع الى الشوراع فيما إحساس بالالفة والحنين ينتابني وأشعر باني بحاجة الى انسان ابادله الحب ،

قلت-لقد شدني المنظر فعلا

قالت-أنا مضطرة أن اخذ تاكسي لأني سأغادر الساعة العاشرة مساء الى ماليزيا حيث امكث ثلاث ليال قبل العودة…سأحضر من المطار الى فندقك ولا حاجة لرقم الهاتف ،إذا لم تكن موجودا سأنتظرك

-ساكون بانتظارك

مالت الى جانبي وطبعت قبلة عل خدي ، شعرت باني مأخوذ تماما وتحسست مكان القبلة فقد التهب خدي بنار لذيذة ، لم اتكلم فيما فتحت باب التاكسي

-نلتقي بعد ثلاث ليال

-تعودين بالسلامة

قررت أن أتمشى … السماء بدت مغطات بغيوم داكنة وثقيلة تتحرك ببطء صوب الشمال والنسيم الخفيف توقف وصمتت أوراق الاشجار التي بدت ميّتة بالوانها الصفراء، اوقفت تاكسي وصعدت بسرعة

حين فتحت باب غرفتتي واجهتني موجة دفء مريحة ، نزعت الجاكيت وقلت لأرتاح بعض الوقت ، كانت الساعة التاسعة صباحا،غفوت وأنا بكامل ملابسي …كنت أحلم بماليزيا ، الشوارع المكتظة وعشرات المطاعم تنبعث منها روائح مختلفة ، ماري كانت تتناول السوتشي منتصبة في جلستها الارستقراطية ، قدمت لي كوبا من الماء بطعم النعناع ، غسلت وجهي وارتديت الجاكيت

-سأتغيب ثلاثة أيام

قلت لموظفة الاستفبال

-هل ستدفع الحساب

-نعم …ولكن لتظل الغرفة محجوزة …أحب منظر حديقتكم

تناولت كوبا من القهوة على وجه السرعة ، في مكتب التي دبليو أي، طلبت مقعدا الى ماليزيا على طائرة العاشرة وعلى درجة رجال الاعمال

-الليلة سيدي ، سألتني الموظفة

-نعم

عدت للفندق يتملكني شعور بالسعادة والطمأنينة ….حزمت شنطة ملابس صغيرة وجلست اتابع التلفاز في الصالة

كانت ماري تقف مع زميلة لها عند مدخل الطائرة تستقبلان المسافرين ، بدت متفاجأة … هل انت مسافر معنا ، قلت نعم الى ماليزيا ولثلاث ليال،اتسعت ابتسامتها

قالت –دعني أريك مقعدك

تقدمت لتشير الى المقعد المخصص على بطاقة العبور وعادت لموقفها بجانب زميلتها ، تهامستا ثم اتخذتا سمتا رسميا وهما يقابلان المسافرين ، ارتفع صوت غناء جماعي باغنية امريكية شائعة بين المراهقين (شيء ما يشبه هذا)مع تصفيق يرافق الغناء ، كانوا مجموعة من طلبة ثانوية من نييورك في سفرة مدرسية الى ماليزيا ،ستكون ليلتنا صاخبة على الطائرة ،

جائتني ماري أكثر من مرة ولكن لم تتمكن من الجلوس فقد كانت المقاعد مشغولة كافة ،بعد الثالثة فجرا كان سكون عميق يخيم على الطائرة فقد تعبت شلة الطلبة من الزعيق والحركة ، وخلد بقية الركاب للنوم بعد بضع علب من البيرة ،

حين أغمضت عيني خطر لي اني أحب ماري …هذا الاحساس الغريب كان لذيذا ومنعشا أيضا ….. هو حقيقة تملأ مشاعري …ولكن ….نعم و الى أين سيأخذني ،أنا حقيقة ووهم في ذات الوقت ….يقال إن الحقيقة مطلقة ولكني أعتقد إن الحقيقة مقيدة….أنا الان انسان ، هذه حقيقة ولكن ماذا لو سألتني ماري عن تاريخ ميلادي …او لو سألني القس عن ذلك وهو يكتب وثيقة الزواج …هل أقول ربما قبل عشرة ملايين أوخمس عشر مليون سنة …وما هو تأريخي الشخصي ،نحن الملائكة ليس لدينا تاريخ فالقرن يمضي هو ذاته ونحن لا نسجل شيئا ،لأنا ببساطة لا نكتب …وبالمناسبة لا توجد مكتبة للمعرفة في السماء ، الملائكة لا حدود لشخصياتهم كما أراه الان عند بني الكون الارضي ، لهذا أشعر بحيرة ممضة ، ولكن هذا لم يمنعني من أطبع قبلة سريعة على خد ماري وهي تودعني عند الجوازات

في الواحدة كان لقاؤنا في مقهى امو حيث نصحتني (ماري) به فهو في الحي الصيني وقريب من أحد الشوارع السياحية المهمة
كانت ماري ترتدي تنورة قصيرة وجاكيت أحمر قصير ،بدت كأنها عارضة ازياء من اللواتي يظهرن على أغلفة المجلات النسائية الملونة

حين استقرت على مقعد وثير من الواضح إنه قد تم تجديد غطاءه حديثا، ابتسمت وهي تنظر نحوي بحنان

قلت -كانت ليلة امس متعبة ، هل نمت جيدا

-نعم ولكن لماذا جئت الى كوالالمبور؟

تراءت على محياها ظلال ابتسامة مرحة وشيء من الثقة بالنفس والاعجاب

-حسنا …ما دمت قد بدأت الحديث على هذا النحو ….غدا عيد ميلادك ولا أريد ان أفوت على نفسي فرصة الإحتفال به معك….عند العودة سيكون الاحتفال باهتا

المفاجأة أدهشتها فقد كان ذلك بعيدا عن حساباتها …..ربما كانت تنتظر أن اقول إني اشتاق اليها ولهذا تبعتها ….

-أنت تدهشني ، لابد لي من الإعتراف بأن سلوكك هذا يفوق كل التوقعات …لم يحصل معي مثل هذا التصرف

– هل هو تصرف مقبول أم تجدينه مبالغا فيه

-انه مفاجئ ولا يمكن إلا أن أعترف إنه أدهشني…. باختصار إنه رائع وهو أبعد من توقعات أية إمرأة

-إذا وقبل أن نطلب أي شيء دعيني اقدم لك هذه الهدية بمناسبة عيد ميلادك،

ناولتها سلسالا ذهبيا معلق بة قلب وسطه قطعة من العقيق الاحمر

-لقد اخجلتني فعلا …ولكن كيف عرفت اني احب العقيق …

ثم استدركت –قبل هذا كيف عرف عيد ميلادي

-عن طريق الفيس بوك

-ولكن كيف عرفت اسمي الكامل ؟

-تنسين انك تضعين على صدرك بطاقة الشركة باسمك الكامل

كانت تحاول ان تضع السلسال حول رقبتها، حين قمت لأحاول ذلك رفعت شعرها الأحمر عن رقبتها التي بدت كقطعة فنية نادرة …وأنا الامس بشرتها شعرت بهزة خفيفة جميلة ….هي مشاعر البشر !!!

ونحن نشرب القهوة ونتطلع الى المارة رأيتها مشوشة التفكير ، كان ذلك واضحا من نظراتها غير المركزة ، فهي تفكر بأمر ما

-نعم

قلتها بحنان

-نحن نسرع بعلاقاتنا ولهذا علي ان أبين لك وضعي ، نت لا تعرف عني كل شيء ،وهذا المظهر الذي اعجبت به اكتنفت حياته مصاعب مختلفة

لم أقاطعها

-انا ابنة طبيب تخدير متقاعد وأمي كانت مدرسة في جامعة نيويورك وهي مختصة بالأدب الاغريقي وقد توفت منذ سنتين ، لي أخ في سلاح الجو الامريكي …أما أنا فقد انهيت دراستي الجامعية في معهد عال للخدمة الفندقية وكنت أطمح أن أكون مديرة أحد فنادق نيويورك ذات الخمس نجوم ولكني فشلت ….تزوجت مرتين الاولى بعيد تخرجي واختلفت مع زوجي حول الانجاب وحين كنت حاملا طلب إسقاط الجنين ولأني كاثوليكية رفضت ذلك، تحولت لقاءاتنا في البيت الى مشادات ونقاشات حادة ، وقد بلغ الخلاف بيننا اشده ولهذا سارعت الى ترك الصالة والصعود الى غرفة النوم في الطابق الثاني ،عند الدرجة السادسة من السلم الخشبي وبسبب عصبيتي وانفعالي تعثرت….وهكذا ذهب الطفل وذهب الزواج

الزوج الثاني كان من أحد زملائي المضيفين ، كان من أصول فلسطينية ، واثناء تعرفي به كان مثالا للانسان المتحضر، وحين عرض علي الزواج وافقت ، بعد اسبوع العسل بدأت أكتشف إنه رغم كونه أمريكي ودرس في جامعة امريكية وجاء الى الولايات المتحدة مع عائلته المسيحية وهو في الثالثة من عمره إلا أنه يحمل جينات الرجل الشرقي ….بدأت تلك الجينات تتفاعل اكثر في سلوكه وفي تعامله معي الى أن انفصلنا….هكذا ترى اني امراة ذات ماض صعب !!!

ابتسمت وهي تتطلع نحوي –وانت ما هو تاريخك ؟

-انا لم يسبق لي الزواج ولا الانجاب

ضربتني على كتفي فقد اعتبرت جوابي من باب المداعبة، هل أقول لها إني بلا تاريخ حتى إني لا اعرف يوم ميلادي وليست في حياتي الممتدة عبر الزمن ومن اللحظة التي جاءت فيها أمها حواء وأ بوها ادم الى الكون الارضي وحتى اليوم ليس هناك اية احداث مثيرة، ليس فيها إلا إرسال الفراشات الى وادي الأرواح ….ربما ستهرب وقد تتحول لياليها الى كوابيس مرعبة حينما تتذكر انها صافحت عزرائيل وجلست معه ، أو قد تتحول الى مجنونة حين تبدأ زميلاتها بالسخرية منها

-والان هل تعتقد ان علاقة مشتركة قد نستطيع المحافظة عليها

-في الحقيقة يصعب إعطاء جواب الان ، لماذا لا نترك الموضوع للظروف ؟ وقد نجد ما هومشترك ويساعد على بناء علاقة ما

-حسنا …انت لا تعرف كولالمبور ولهذا ساخذك الى بعض المناطق التي قد تعجبك

-موافق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here