آلامكَ فوق طاقتي

آلامكَ فوق طاقتي
زهير دعيم

يتسلّق الجندي الروماني السُّلم وهو يحمل اسفنجة ملأى بالخلّ ، فيعصرها عنوةً على شفاه ربِّ الحياة ، ولا ينزل قبل أن يصفعه صفعةً ويقهقه ، فيأتيه صوت من أسفل :
أرجوك صفعة أخرى من أجلي ، لا تدعني أصعد ، فيصرخ ثانٍ : أنا أريدك أن تنتفه نتفًا لأجلي.
وتتطاير الضحكات والقهقهات والشتائم ….انزل عن الصّليب يا جلالة الملك !!!

وتدمع السّماء ، والقلب الكبير الكبير يتفطّر ألمًا ويعتصر .

مشهد دراميّ سجّله التاريخ ، وسطّره الوحيّ بماء المحبّة
مشهد يطفو على ذاكرتي ووجداني كلّ سنة ، بل كل يوم خميس ، فأقف أمامه دَهِشًا ، أصدّق ولا أصدِّق …

ما هذه المحبّة الضافيّة ؟!!
ما هذا التنازل الرائع؟!!
ما هذه التضحية التي يكاد يأبى عقلي أن يهضمها ؟!!.

قبل سنوات كثيرة ، وعندما كان أولادي صغارًا ، وكنت أعمل أنا وزوجتي في الحقول في قطف ثمار الخِيار ، كان يحدث أن يترك احد أبنائي العريشة حافيًا ويحاول أن يصل إلينا ، وفي الطريق تخزه شوكة صغيرة ، فيصرخ ويصرخ ، خاصةً إذا سالت من قدمه الصغيرة الطريّة قطرة دم صغيرة.
يصرخ ويتضايق ، ولكن تضايقي أنا وامّه كان أكبر ، ووجعي أعظم بما لا يقاس .
كنتُ أتمنّى أن أكون أنا مكانه ، فدموعه تحرقني ، وألمه يُدمي قلبي ، وتنهداته تسرقني من نفسي.
واليوم أتذكّر هذا وأضحك ، ما هذه الآلام أمام ما تحمّله ابن الإنسان منّا ومن أجلنا من نتف وجلد وبصق واهانات؟!!
ما هذا الألم الضئيل أمام العذاب المُقدَّس الذي ذاقه الربّ يسوع على الصليب ؟!!
أين ألم صغيري من هذا الألم الفظيع ؟
أين هذه الغصّة من غصّة الآب ، وهو يرى ابن محبته يُسام العذاب من مخلوقات مجبولة بالخطيئة !!

كيف سكتَّ أيها الآب ؟
كيف طاوعك قلبك الكبير أن ترى وحيدكَ ؛ ملك الملوك أن يذوق الآلام ، ويسيل دمًا ، ويذوب كما الشّمع من ناكري الجميل .
كيف ترضى أيّها الجالس بين تسبيحات إسرائيل؟

كيف… وكيف وأنسى يا سيّدي أنك تختلف ، أنك الإله الحيّ ، أنت الذي قرّرت ودبّرت الخطة العظيمة على حساب ابن الإنسان وبرضاه التّامّ.
نعم أنسى يا سيّد شريعتك الذّهبيّة القائلة : “أحبّوا أعداءَكم ، باركوا لاعنيكم ” .
أنسى ولا أنسى …وكيف أنسى وأنا أعرفكَ وأذوقكَ وأتمشّى معك وأختبرك يوميًا….أعرفك الرّاعي الصالح ، وأذوقك عسلا لحنكي ، وأعيش معك يوميا مسافرًا في كتابك المقدَّس.

يسوع يا ابن الإنسان يكفينا فخرًا أنّنا بجروحكَ نشفى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here