عندما يتحول الفشل الى إجرام

بقلم ( كامل سلمان )

كنا صغارًا نفهم الفشل في مجال الدراسة ولم نتعرف على شيء اخر اسمه الفشل فقط في الدراسة ، وعندما كان احدنا يفشل في درس محدد ينتابه شعور الفشل في المدرسة بالرغم من نجاحه في باقي الدروس والسبب وراء هذا الشعور هو التربية في البيت وفي المدرسة وفي الشارع ، اي اننا مجتمع نعطي للجزئية صفة الكلية لا نفكر في البحث عن العلل ، فقط نلوم وننتقد ونعيب الفاشل ، لذلك لا تستغرب عندما يحب احدنا صفة معينة في فتاة فأنه يحبها بل ويعشقها كلها ويغض الطرف عن باقي الصفات ، هذه الاحادية هي طبيعة المجتمعات البدائية. ففي المجتمعات العشائرية يكون القوي الشجاع هو الإنسان الناجح وهو المفضل على الكل بغض النظر عن علمه او عدم علمه او حتى شكله ، وفي المجتمعات الدينية فإن المتعبد المعتكف هو الناجح ، وهكذا لكل مجال وتجمع صفة معينة للإنسان الناجح ، وهذا يعني ان الفشل والنجاح شيء نسبي ، فليس هناك ناجح في كل شيء وليس هناك فاشل في كل شيء ولكن نظرة المجتمع تدفع الإنسان نحو هذا الإحساس اي الإحساس بالفشل وكذلك سوء التربية او تدخل الوالدين بشكل سلبي في حياة الابناء فيتحول الفشل المحدد في مجال معين الى لعنة او كارثة او سبب للانتحار او يكون هو السر وراء تحول بعض الفاشلين في مجال معين الى مجرمين ..
في واقع مجتمعنا الفشل يولد حالة انهزامية وعقد نفسية ( طبعا بسبب المجتمع ) عند الفرد الفاشل وقد يكون هذا الفشل هو في الخلقة او النشأة ، يعني لا ذنب له فيها ذلك الذي يشعر بالفشل امام المجتمع فتتولد عنده روحية الانتقام وبما اننا نملك احزاب سياسية منوعة ومنها اجرامية وبما ان الاحزاب عندنا تبحث عن الكم ولا تبحث عن النوع ، هنا اصبح الطريق سالكا لهذا الذي يشعر بالفشل ويود الانتقام من كل من سولت له نفسه ان يعيب الفاشل بكلمة جارحة او بسلوك مهين فينتمي الى واحدة من الاحزاب الاقرب الى نفسه ونوازعه الشريرة ، وفي غفلة من الزمن يصبح هذا المنتمي الى الحزب الفلاني رجل سياسي يتبوأ منصب في الدولة فيبدأ بالانتقام على ثلاثة محاور ، الاول هو محور التفوق على الاخرين واذلال الاخرين بشتى الوسائل والطرق فيؤسس لنفسه قوة قتالية تنفذ ما يدور في مخيلته ، والمحور الثاني تعويض النقص والفشل بالاموال والنساء والشهادات المزورة فيقوم بعمليات سرقة لأموال الدولة ويحصل على شهادات عليا مزورة وتعدد الزوجات اضافة الى العشيقات ، والمحور الثالث هو تغيير الموازين بحيث يجعل من النجاح هو الفشل ومن الفشل هو النجاح ، اي انك تلاحظ مناصب رفيعة محترمة يديرها صنف من الفاشلين بحيث ترى افراد المجتمع يسارعون الى دق ابواب هؤلاء الفاشلون وهم فرحون بالتقرب منهم ويتفاخرون .
هذا السياسي الفاشل المتحول الى مجرم يقف بشكل معادي ومضاد للمثقف لسبب بسيط هو انه طوال عمره لم يذق طعم الثقافة ويعيش هاجس بأن المثقف يلاحقه ويسعى الى تدميره لذلك تجد دمويته تصل أوجها ضد المثقف واصحاب الثقافة وحتى نومه عبارة عن كوابيس اسمها الثقافة فتراه مرة يداعب المثقفين بالاغراء والترهيب لعله يستميلهم الى جانبه ومرة يلاحقهم ويقتل منهم او يختلق عليهم اكاذيب وتهم باطلة …
الامم او الشعوب التي تخلق الفاشل المجرم يجب ان تلام ويجب ان تغير عاداتها وثقافتها قبل ان تشرع في معاداة هؤلاء المنحرفين الشواذ فالعلاج يبدأ من الاساس ، نعم علينا ان نعترف بالفشل في كثير من السلوكيات والعادات التي تطبعنا عليها ثم نبدأ في التفكير كيف يتم استئصال هذه الغدة السرطانية التي تتكرر عندنا بشكل غير طبيعي في تأريخنا القريب وتأريخنا البعيد ، فكم من قائد وحاكم ومسؤول في تأريخنا لم تكن فترة حكمه او مسؤوليته او قيادته الا مجازر وابادة وتدمير للبلد ، فلو تدبرنا امره لوجدنا ضالتنا في موضوعنا هذا ، أي إنه نتاج الفشل الذي يلاحقه ، فهل صارحنا انفسنا ولو لمرة واحدة لماذا في بلداننا تحديدا يبرز عندنا هؤلاء الشواذ ليتبوأ اعلى المناصب في الدولة .
خذ على سبيل المثال مسؤولينا وقادتنا كل على حده وأعرضه للتحليل النفسي ودراسة للخلفية الاجتماعية والثقافية ستجد نفسك تلتقي عند هذه الدراسة المختصرة .
من المعيب جدا ان نعيب على الاخرين الفشل بدل ان نمد لهم يد العون والاسناد لتحريرهم من الخوف والتغلب على الفشل ، لا ان نسعى الى تعميق الجراح وفي نهاية الامر يكون الثمن لسلوكنا المشين غاليا ينعكس علينا بشكل من الاشكال ، وما نراه على ارض الواقع مجاميع من السياسين المجرمين الذين تخرجوا من هذا المجتمع ثم عادوا اليه لينتقموا منه والسبب مرة ثانية نقولها المجتمع تصرف معهم بقوة وعنف في مرحلة من مراحل سنين عمره ، وتصرف معه بشكل لا يليق بالإنسان كإنسان فبعد مرور السنين تراكمت الاحقاد وانتجت إنسانا اخر يريد ان يثبت نفسه بالطريقة الخاطئة فيصبح المجتمع هو الضحية بعد ان كان قبل سنين الفاشل هو الضحية بسبب المجتمع انعكست الحالة ، نعم مجتمعنا قاسي وظالم ولا يسامح والنتيجة خروج هؤلاء الذين ظلمهم المجتمع من رحم المجتمع لذلك نجدهم اكثر قسوة وظلما من المجتمع نفسه وضد المجتمع .
الاصلاح ثم الاصلاح ، لا حياة صحيحة بدون الاصلاح ، اصلاح انفسنا اصلاح افكارنا اصلاح طريقتنا في التفكير وفي العيش او سنبقى نتحمل تبعات اخطاءنا المستمرة
… والله لم اجد في المجتمعات المتقدمة شخص يشعر بالنقص او الفشل في اي مرحلة عمرية رغم الكم الهائل من نقاط الفشل الواضحة عليه ، فترى المجتمع وحتى الاطفال تعلموا كيف يتعاملون معه بإحترام تام وكأنهم جميعا اتفقوا ان لا يسقط هذا الإنسان الفاشل ، فهل سنتعلم او نكتفي بإننا ارقى البشر كما نعتقد !
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here