ما بعد الفوضى :
قلم ( كامل سلمان )
جميعنا نتحدث عن الفوضى ، لماذا حديثنا عن الفوضى ؟ لإننا نعيش في مرحلة ما قبل الفوضى وهذه المرحلة تكررت عندنا عدة مرات خلال القرن الاخير فأصبحت عندنا الخبرة القوية لمعرفة التالي …
نحن نعرف قادة دولتنا اليوم حق المعرفة ونعرف المستوى الاعلى لتفكيرهم ونعرف ان عقلية الإنسان العراقي تخضع في معظم الظروف للعاطفة وردة الفعل ودوافع الكرامة وعدم المرونة عند ساعات الاتقاد ونعرف العناد القبلي الذي تربى عليه هؤلاء ونعرف كذلك الدول الاقليمية ومدى حبها الشديد للعراق حكومة وشعبا بحيث انها جميعا تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في ما يخص العراق لذلك من حقنا ان نتوقع الاسوأ ، والأسوأ هنا الفوضى، ولا نحتاج الى معرفة ما بعد الفوضى لإن أحلى الاحتمالات فيه مر علقم . والغريب في الامر ان قياداتنا واحزابنا بدون استثناء كانت تعمل خلال السنين الاخيرة لتعبئة طاقاتها وامكانياتها المادية و التسليحية للأسوأ ، ولم نسمع ان احدهم وضع خطوة واحدة نحو الاحسن ، والسبب انهم لايثقون بعضهم ببعض ولم يعرفوا في ايدلوجياتهم شيء إسمه التفاؤل ، فالتشاؤم هو سر ديمومتهم وسر بقاءهم .
إذا نحن جاهزون للفوضى كالعادة وجاهزون لما تنتجه الفوضى من دمار وخراب إرضاءا للنوازع النفسية الشريرة التي تعودت لمنظر الدماء في كل حين .
بالمناسبة نحن لم نغادر الفوضى منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الان ، لم نغادرها ولو ساعة واحدة ولكن كنا نعيشها في مستويات مختلفة متدنية احيانا وهي قابلة للصعود والنزول فهل يتصور البعض اننا بعيدين عن الفوضى في الوقت الراهن ، هذا تصور غير صحيح . انظر الى الصراعات بين العشائر ، انظر الى دوائر ومؤسسات الدولة ، انظر الى السلاح المنفلت هنا وهناك ، انظر الى الفساد والسرقات والعصابات المنظمة ، انظر ثم انظر ، فهل تجد شيء لا يدل على الفوضى ، ولكن الفوضى القادمة ستكون اشد وطئا لأن الشعب العراقي اصبح متعبا لدرجة انه لا يتحمل فوضى جديدة ،فقد تقبل هذا المستوى من الفوضى على مضض متأملًا ان تتحسن الامور تدريجيا لا ان تسوء من جديد ، فهذه ستكون صدمة قاصمة للظهر ومدمرة لنفسية ومعنويات الفرد العراقي .
ليس هناك من بصيص امل لحل دبلوماسي او حل سياسي لإنشاء حكومة قوية تتحمل مسؤولية اقامة الدولة ومؤسساتها ، وليس هناك من بصيص امل ان تتدخل الدول المجاورة والاقليمية بشكل ايجابي لحل المشاكل العالقة ، وليس هناك من بصيص امل ان تتنازل الاطراف المتنافسة على الكعكة من اجل العراق ومن اجل شعب العراق .
جميع الاطراف استخدمت اوراقها ، وعجزت ولم يعد اي طرف يحمل اوراقا للمفاجات ، الا الكذب ، فقد استنفذوا اوراقهم ، ولم يتبقى الا ورقة واحدة وهي ورقة العنف والقوة التي سيكون فيها الشعب هو الخاسر الوحيد ولن يكون هناك طرف رابح بل اطراف خاسرة .
الفوضى يعني افتتاح فرع شرق اوسطي جديد للفوضى التي تعم اوربا بسبب حرب روسيا ضد اوكرانيا ، وبسبب القصور الذهني عند قياداتنا الفذة التي ستعمل على افتتاح هذا الفرع من محض ارادتها ، ستنتشر جثث القتلى هنا وهناك ، ستعم الاوبئة ، سينتعش الارهابيون وتعاد لهم الحياة ، ستدمر البنى التحتية المتبقية وسيعيش الشعب كآبة مضافة للكآبة السابقة ، سينهار الاستقرار النسبي . لماذا سيحدث كل ذلك ؟ انظروا الى الاسباب ، إنها اسباب تافهة جدا ، الكل يريدون الاشتراك في الحكومة ، ولا يريد احدهم ان يفوته الزاد فيندم ، ولم يتربى احدهم من قبل على مبدأ احترام الاخر وثقافة التنازل عندما تكون مصلحة الوطن في المقدمة .
انا شخصيا لم اعرف غير هذه الاسباب ، وإذا كانت هنالك اسباب اخرى ياليتها تكون منطقية ومبررة .
أيها السادة أعلموا ، أنه سوف لن يكون احدا قلبه على بلدكم إذا لم تكن قلوبكم حريصة عليه ولن يذرف احدا قطرة دمع عليه إذا لم تصب دموعكم عليه فلا تتركوه يسقط ويهان وقد يزول وانتم قادرون على حفظ ماء وجه العراق إذا أردتم ذلك ، فأنتم اليوم متمكنين في الارض وكل شيء تحت قبضتكم ، فسلاحكم وفير و أعدادكم كبيرة والآن امامكم فرصة تأريخية لإعادة الحياة الى بلدكم ، وكل ما تحتاجونه ان تراجعوا انفسكم وتقدموا التنازل وهذا التنازل سيدخل في ميزان حسناتكم وميزان وطنيتكم وهو رصيد لكم ولعوائلكم.
العناد والتشبث بالمواقف لا يفضي الى بناء البلد . البلد بحاجة الى تشكيل حكومة ، بحاجة الى بناء دولة ، بحاجة الى تضحيات . اما يستحق بلدكم منكم بعض التنازل ، فأسألوا انفسكم ماذا قدمتم لهذا البلد مقابل كل ما أخذتموه ، فاليوم دوركم ان تعطوا للبلد ما يحتاجه منكم ، ولا تنتظروا ما بعد الفوضى فإنها لن تأتي لترضيكم …. أتعلمون ان الناس تعيش ومنذ نتائج الانتخابات بحالة توتر وقلق ، فتارة يعيشون التفاؤل وتارة يعيشون التشاؤم واليأس ، كانوا يتأملون التخلص من هذه الوجوه المتكررة في الحكم ولكن قدرهم ان لا يفارقونها ورغم ذلك فالناس لا تود رؤية المزيد من سفك الدماء خاصة وان الموجودين هم جميعهم ابناء هذه التربة وابناء للوطن الواحد فأية خسارة هي خسارة للجميع ( وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، وأعلموا ان الله شديد العقاب )
Read our Privacy Policy by clicking here