المخدرات تفتك بعدد من العراقيات.. آفةٌ مستفحلة أسبابُها آفات

بغداد / تبارك عبد المجيد

رغم السعي الحثيث للأجهزة الأمنية بالقبض على المتاجرين بالمواد المخدرة وتفكيك شبكاتها، ما زالت تشهد البلاد ارتفاعا في أعداد مدمني المخدرات والضالعين في المتاجرة بها.

وباتت آفة المخدرات تشكل خطرا حقيقيا بين فئة الشباب التي تعتبر الضحية الأولى للوقوع في فخ الإدمان المدمر.

ومن بين تلك الحالات، كانت روان تعنف أطفالها بصورة متكررة دون رحمة، وهي في حالة من الهلوسة الشديدة وفقدان الوعي، الى أن تم القبض عليها بتهمة تعاطي المخدرات!

روان هي (أم وزوجة) في عقدها الثلاثيني، تعرضت للخيانة من قبل شريكها، وبسبب سوء الرفقة، لجأت الى تعاطي المخدرات تحديدا مادة الكريستال محاولة التهوين عن صدمتها. ولم تجن من خطوتها في التعاطي سوى الحكم بالسجن لمدة عامين، إضافة الى تدهور الحالة النفسية لأطفالها بسبب أثر التعنيف الذي تركته فيهم.

وبعدما انتهت مدة حكمها في السجن، لجأت الى التأهيل النفسي والصحي، بمساعدة بعض الجهات المهتمة والمختصة في هذا الشأن.

لا وجود للفكر الواعي

تقول إيناس كريم لـ (المدى) وهي رئيسة منظمة (عراق خالي من المخدرات)، إن “أغلب المتعاطين للمخدرات لا يملكون المعرفة والوعي في القدرة على علاج حالتهم، لذلك فإن عملنا الإعلامي يهتم في مجال التوعية بطرق العلاج النفسي والصحي، خاصة للحالات التي لم تكتشف بعد من قبل المحيطين بهم”، مضيفة أن “الكثير من الشباب الذين تورطوا بالإدمان لا يستطيعون الإفصاح عن ذلك خشية الملاحقة القانونية”.

وتنص المادة (40) من قانون المخدرات العراقي على انه “لا تقام الدعوى الجزائية على كل متعاط للمواد المخدرة حضر طوعياً من جرّاء نفسه للعلاج في المصحات النفسية التابعة لوزارة الصحة”.

شعور بالضياع

يذكر علي الحبيب لـ(المدى)، وهو عضو في المنظمة إحدى القصص التي اعتبرها نجاحا له ولفريقه، تعود لفتاة عشرينية أدمنت المخدرات، تحديدا مادة “الكرستال”، بعد فشلها بعلاقة عاطفية اضطرتها لترك الجامعة لمدة سنتين.

حيث واجهت الفتاة صعوبة في إعادة الاندماج بالمجتمع بسبب العزلة التي مرت بها لمدة طويلة، وتمت معالجتها بشكل سري حسب ما أوضح الحبيب، وأخذت فترة علاجها وإعادة تأهيلها نفسيا وصحيا ما يقارب السنة، بعدها استطاعت العودة للحياة مرة أخرى، وهي الآن في سنتها الدراسية الأخيرة.

ويرى الحبيب أيضا أن “المجتمع لا يتقبل المرأة الى إذا كانت تحت مقاييس مثالية يحوكها المجتمع لها، فكيف بامرأة تلجأ لتعاطي المخدرات، الفعل المرفوض دينيا ومجتمعيا، فاعطاء الفرصة لها صعب”.

وتواجه الفتاة المدمنة على المخدرات والتي اتخذت خطوة العلاج من الإدمان، صعوبة في إعادة تقبلها من قبل المجتمع، فالكثير من الفتيات يلجأن الى دور الإيواء وحتى بعضهن يلجأن الى الشارع، ويندرجن تحت مسمى “المشردات”، بسبب عدم تقبل العائلة لهن مرة أخرى رغم اختيار خطوة العلاج. إضافة الى مشكلة عدم توفر مراكز علاج كافية تتكفل بإعادة تأهيلهن نفسيا وصحيا.

نقص الإمكانيات

لفت علي الحسيني وهو (دكتور سابق في مستشفى ابن الرشد) في حديث لـ(المدى)، الى أن “مستشفى ابن الرشد غير متخصص في موضوع علاج مدمني المخدرات، وهو فقط يمتلك ردهة واحدة خاصة بهذا المرض إضافة الى علاج بقية الأمراض النفسية”. وبحسب الحسيني، فإنه “لا يتجاوز عدد الأسرة المخصصة لعلاج المدمنين في العراق الـ(70) سريرا، حيث يمتلك مستشفى ابن الرشد(13) سريرا فقط (4) منها مخصصة للنساء، إضافة الى ردهة أخرى موجودة في مدينة الطب تحتوي (15) سريرا، أما محافظة البصرة فيوجد فيها (40) سريرا”. ويشير الحسيني الى أن “هنالك محاولات لفتح مراكز علاج وتأهيل متخصصة في علاج المدمنين على المخدرات في بعض المحافظات”. ويقول عماد عبد الرزاق، وهو المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة لـ(المدى)، إنه “هنالك مشفى مكون من 100 سرير مخصص للتعامل مع ضحايا الإدمان، وقد وصل إلى مراحل متقدمة، إلا أن عدم توفر المخصصات المالية يحول دون إتمام إنجازه بشكل كامل”.

مؤشرات مقلقة

حسب تقرير صدر من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في شباط 2021، أن “مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق”، محذرا من أنه “أصبح يُصنع سرا داخل العراق بعد أن كان يهرب سابقا من إيران”. وتتضح فداحة الوضع عبر الأرقام والإحصائيات المفزعة، حيث وصلت نسبة المتعاطين من الشباب لمادة “الكريستال” الى (35%) وهي المادة الأكثر شيوعا في العراق، (70%) من المتعاطين يسكنون في المناطق الفقيرة، و(90%) هم من العاطلين عن العمل.

وبحسب آخر إحصائية نشرت في عام (2021) من قبل مجلس القضاء الأعلى فقد بلغت نسبة المتعاطين (50%)، نسبة الإناث منهم هي (15%).

من جهته، يقول مدير عام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، اللواء مازن كامل، إن “عدد المعتقلين بهذه الجرائم بلغ أكثر من 11 ألفا و700 متهم حتى الوقت الحاضر، مع ضبط أكثر من 480 كيلوغراما شملت أنواعا مختلفة من المواد المخدرة”.

وأشار كامل في حديث لـ (المدى)، الى أن “وزارة الداخلية قدمت الكثير من النشاطات للحد من جريمة تعاطي المخدرات والمتاجرة بها في العراق”.

سوء الوضع الاقتصادي

يؤكد فاضل الغراوي وهو (عضو في مفوضية حقوق الإنسان)، أن “سوء الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة بين فئات الشباب والمشاكل الاجتماعية لها دور كبير في تفشي هذه الظاهرة، إضافة الى الرخاوة الأمنية في العديد من الممرات البرية والبحرية سهلت موضوع دخول المخدرات الى البلاد”.

وأضاف في تصريح لـ (المدى)، أن “تنوع أشكال وأنواع المخدرات واختلاف أسعارها بين الرخيص والغالي، جعلها اليوم في متناول فئات عديدة خاصة الهشة منها، والذي جعل السوق العراقي يتحول من سوق عابر للمخدرات، (حيث كان ممرا لتهريب المخدرات الى دول الخليج العربي) الى سوق مستهلك لها”.

وبحسب الغراوي أيضا، فإن “هذه المشكلة تحتاج الى خطة شاملة وجدية من قبل الدولة ومؤسساتها، عن طريق ضبط المنافذ الحدودية للبلاد البرية منها والبحرية، ومراقبة الوافدين للبلاد وتفعيل جهد الأجهزة الأمنية، لا سيما شرطة مكافحة المخدرات، وتقديم كافة المستلزمات لهم وإنشاء مصحات كافية تسعى لإعادة التأهيل النفسي والصحي للمدمنين، وملاحقة تجار المخدرات وتشديد العقوبات الواقعة عليهم إضافة الى تعزيز دور الإعلام في توعية المواطن وتحذير الشباب بخطورة تعاطي المخدرات وضررها الهائل على المجتمع، وكما أن للخطاب الديني أثر في الحد من هذه المشكلة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here