ركود اقتصادي يجتاح الأسواق بالتزامن مع عيد الفطر

العد التنازلي لعيد الفطر انطلق، لكنه هذا العام أصعب من سابقاته ويمثل تحدياً غير مسبوق للطبقة الفقيرة ومحدودي الدخل، مع توقعات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، بارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 25 بالمئة. الوزارة تقول عبر المتحدث باسمها، عبد الزهرة الهنداوي، في 11 نيسان 2022،

إن “آخر إحصائية لنسب الفقر في العراق في عام 2019 قبل الجائحة، سجلت تقريباً 22.5 بالمئة”. توقعات الهنداوي، رافقها ركود اقتصادي في الأسواق مع ضعف القوة الشرائية للمواطنين مع قرب حلول عيد الفطر، بسبب ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وما جاء بعده من أزمة الغذاء العالمية نتيجة الحرب في أوكرانيا، ما تسبب بارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد والسلع الأساسية، ومتطلبات العيد. انعكاسات الحرب، تسببت في ارتفاع سعر لتر الزيت إلى أكثر من 4 آلاف دينار، بعدما كان 2500 دينار، قبل الأزمة، في حين أصبح سعر كيس الطحين (50 كيلوغراما) 50 ألف دينار عراقي، بعدما كان أقل من النصف، وقد أثار ذلك غضبا شعبيا في الشارع العراقي.

معاناة

“أم عمر” امرأة بغدادية، ترى أن “أجواء عيد الفطر لهذا العام مختلفة عن الأعوام السابقة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها البلد”. وتؤكد أيضا أن “عدم تمرير مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2022، وتفشي الفساد فاقم أيضا من معاناة العراقيين بشكل كبير، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى الامتناع عن شراء الملابس وحاجات العيد بسبب عدم مقدرتهم على ذلك”.

فيما يقول، أبو صالح وهو من سكنة منطقة الكرادة وسط بغداد، إن “الأسعار جدا مرتفعة لا يمكن شراء أي شيء، ارتفاع أسعار صرف الدولار وسوء الخطط الاقتصادية أثر بشكل كبير على حركة السوق وزاد من معاناة المواطنين”. ولم يخف أبو صالح وهو أب لثلاثة أطفال مخاوفه من “تدهور أحوال البلاد خلال الأيام المقبلة في حال استمرار تعطل تشكيل الحكومة وسيطرة الجهات المختصة على الأسواق”. وليست الإجراءات الاقتصادية وحدها ما أثقل كاهل الطبقة الفقيرة، بل أيضا فشل وزارة التجارة في توفير مواد الحصة التموينية الشهرية بشكل كامل، التي كانت تسد شيئاً بسيطاً من احتياجاتهم خصوصا خلال شهر رمضان، وفق مختصين.

ارتفاع نسب الفقر

من جانبه يقول الخبير الاقتصادي ناصر الكناني لـ (المدى)، إن “الأسواق العراقية وما تشهده من ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، فاقم بشكل كبير من معاناة المواطنين فيما فشلت الخطط الحكومية باحتواء الموقف”، مؤكداً أن “مؤشرات البطالة والفقر قابلة للارتفاع بشكل غير مسبوق ما لم يكن هناك تحرك حكومي جاد للسيطرة على السوق ودعم الشرائح الفقيرة ومحدودي الدخل”. “لا خيار إلا في الاستثمار لامتصاص البطالة، ولا بديل إلا بتنشيط القطاع الخاص، فالعراق يصنف من أغنى دول المنطقة أما الحال فهو الأسوأ وفق الإحصائيات”، هكذا يقول الكناني، الذي يؤكد أيضا أن “غياب فرص العمل ووقوف الدولة عاجزة أمام الفساد ساهم، في اتساع رقعة الفقر بالمجتمع العراقي وهو البلد الذي يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم”. وفي آخر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بلغت نسبة الفقر بين العراقيين أكثر من 31%.

ويقول ممثل البرنامج في العراق علي رضا قريشي، في تصريح صحافي، إن “انخفاض قيمة الدينار أثر في القدرة الشرائية للمجتمعات الهشة، بعد ارتفاع أسعار المواد الأساسية الغذائية وغير الغذائية بضمنها دقيق الحنطة والزيت النباتي”، مشيراً إلى أن “معدلات الحصاد المنخفضة في المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار كمصدر للري خلال الموسم الزراعي 2020-2021، قد فاقمت من أزمة انهيار العملة”.

وفي خضم تلك المزاعم الدولية، اتبعت الحكومة العراقية منذ أعوام نظاماً خاصاً بالرعاية الاجتماعية لمساعدة الفئات الأكثر حاجة للدعم ككبار السن والمطلقات والأرامل والعاطلين من العمل، وبموجب هذا النظام تم شمول أكثر من 1.6 مليون عراقي حتى العام 2021، يتلقون دعما ماديا بما بين 70 دولارا إلى 170 دولارا شهريا، فضلاً عن إطلاق وزارة التخطيط، ستراتيجية جديدة لمعالجة الفقر في العراق تمتد لـ 5 سنوات تستكمل الستراتيجية السابقة التي ينتهي العمل بها في العام 2022. وفي الإشارة للستراتيجيات التي تبنتها الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003، ركزت الستراتيجية الأولى للحد من الفقر في العراق 2010-2014 على وجوب التعامل مع أربعة تحديات أساسية، وهي: ضمان الأمن والاستقرار، وضمان الحكم الرشيد، وضمان عدالة التوزيع وتنويع مصادر الدخل في اقتصاد السوق، والتخفيف من الآثار السلبية للإصلاح. وأكدت الستراتيجية الثانية للحد من الفقر في العراق 2018-2022 على أن هذه التحديات ما تزال ماثلة، وينبغي على الحكومة استمرار الالتزام بالتعامل معها عبر السياسات والإجراءات الكفيلة بمواجهتها بوصفها شرطا ضروريا لتحقيق الأهداف المنشودة للستراتيجية.

وبالرغم من وجود تلك الستراتيجيات التي لم تأخذ طريقها الصحيح في التطبيق، تقول الأرقام الرسمية إن نسبة الفقر في العراق تجاوزت الـ 22.5 % لكن منظمات دولية وأخرى غير حكومية تتحدث عن ضعف هذا الرقم على الأقل.

أسباب حكومية

بدوره يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، لـ (المدى)، إن “التخطيط تستهدف من خلال الستراتيجية الجديدة التي تمتد لمدة 5 سنوات، خفض نسبة الفقر إلى 15-16 % خلال السنوات المقبلة وقد يصل مستوى الفقر إلى 10% أو أقل من ذلك حتى نهاية خطة الوزارة للتنمية المستدامة عام 2030”. الهنداوي يؤكد أن “نسبة الفقر خلال السنوات السابقة وصلت إلى 23 أو أكثر من ذلك نتيجة الظروف القاهرة التي فرضتها جائحة كورونا في تلك السنوات”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here