المبادرات السياسية في العراق.. هل تعالج الأزمة الراهنة أم تعمقها؟

زحمة في المبادرات السياسية في العراق مع حلول عطلة عيد الفطر، تحت عنوان محدد هو معالجة الانسداد السياسي الحاصل في البلاد، كان أحدثها مبادرة زعيم التيار الصدري المتضمنة دعوة المستقلين لتشكيل حكومة خلال 15 يوماً، والتي أتت بعد ساعات من مبادرة الإطار التنسيقي لحل الأزمة السياسية في البلاد، وسط ترقب وتساؤلات حول النتيجة التي يمكن ان تحدثها هذه المبادرات بمواجهة الأزمة الراهنة في البلاد.

مبادرة “الإطار التنسيقي”

وفي ملخّص لسرد مطول حملته مبادرة “الإطار التنسيقي”، عبر بيان رسمي من عدة صفحات وزّع على وسائل الإعلام، فإن أبرز ما جاء فيها أن منصب رئيس الوزراء من حق الأكثرية، ويجب الحفاظ عليه من خلال الكتل السياسية الممثلة لهذا المكون الأكبر.

وتنص المبادرة على أن تسمية رئيس الوزراء يجب أن تكون من خلال كتلة سياسية شيعية واحدة، تتفق على تسميته فيما بينها، وهو ما يعني بطبيعة الحال سحب أحقية التيار الصدري بتشكيل الحكومة بصفته الفائز الأول بالانتخابات.

كما تضمنت المبادرة أيضاً تعهداً بدعم رئيس الحكومة الذي يتم ترشيحه من خلال كتلة المكون الشيعي (الإطار التنسيقي والتيار الصدري) معاً، وتتحمل معاً مسؤولية فشله ونجاحه ومحاسبته، كما تحدثت عن حق المستقلين في تقديم مرشحهم لمنصب رئيس الوزراء، شرط أن تتم الموافقة عليه من قبل كتلة “المكون الأكبر”.

وتضمنت المبادرة إشارة إلى إعادة انتخاب رئيس البرلمان مجدداً، من خلال الحديث عن أهمية أن تحظى الرئاسات الثلاث، الجمهورية والبرلمان والحكومة، بموافقة جميع المكونات.

رد مقتدى الصدر

وبعد ساعاتٍ، رد  زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، بمبادرة جديدة عرض فيها على النواب المستقلين تشكيل الحكومة “عبر تحالفه”.

ووعد الصدر بدعم المستقلين، في خطوة لكسب أصواتهم، والخروج من أزمة اختيار رئيس للجمهورية، والذي يحتاج إلى تصويت 220 نائباً (من أصل 329)، بحسب ما قررته المحكمة الاتحادية.

وقال الصدر، في تغريدة له على “تويتر”، أمس الأربعاء، إنه “بعد التشاور مع الحلفاء في التحالف الأكبر (إنقاذ وطن) أقول إنّ للعملية السياسية الحالية ثلاثة أطراف، الطرف الأول التحالف الوطني الأكبر، (إنقاذ الوطن) وهو راعي الأغلبية الوطنية، لكنه وبسبب قرار القضاء العراقي بتفعيل الثلث المعطل تأخر بتشكيل حكومة الأغلبية، والطرف الثاني، هو الإطار التنسيقي الداعي لحكومة التوافق، وقد أعطيناه مهلة الأربعين يوماً، وفشل بتشكيل الحكومة التوافقية، والطرف الثالث، هم الأفراد المستقلون في البرلمان”.

ومخاطباً النواب المستقلين، قال الصدر “ندعوهم لتشكيل مستقل لا يقل عن الأربعين فرداً منهم، بعيداً عن الإطار التنسيقي مجموعاً، الذي أخذ فرصته”، مضيفاً “على المستقلين الالتحاق بالتحالف الأكبر ليشكلوا حكومة مستقلة سنبلغهم ببعض تفاصيلها لاحقاً”.

وتابع قائلاً “سيصوت التحالف الأكبر لحكومتهم، بما فيهم الكتلة الصدرية وبالتوافق مع سنة وأكراد التحالف، ولن يكون للتيار الصدري مشاركة في وزرائها، على أن يكون ذلك في مدة أقصاها 15 يوماً، وذلك للإسراع في إنهاء معاناة الشعب”.

وأضاف “كما وأكرر دعوتي إلى بعض من نحسن الظن بهم من الإطار التنسيقي للتحالف مع الكتلة الصدرية، أملاً منهم بتغليب المصالح الوطنية على المصالح الضيقة، وليخرجوا من عنق الإجبار على الانسداد السياسي”.

إعلان فشل “الإطار” بتشكيل الحكومة

وفي اتصال هاتفي، قال عضو بارز في التيار الصدري بمدينة النجف جنوب العراق، طلب عدم الكشف عن اسمه،  إن “المبادرة التي قدمها تحالف الإطار التنسيقي هي بمثابة إعلان عن فشله بتشكيل الحكومة، أو تفكيك تحالف إنقاذ وطن، كما كان يعمل طوال الأسابيع الماضية لإضعاف جبهة الصدر”.

وأضاف أن “المبادرة لم تأت بجديد، بل هي تأكيد على موقفهم السابق بحكومة محاصصة طائفية، قائمة على مبدأ هذه الوزارة لي وتلك الوزارة لك، ليستمر الفساد والتستر على الفساد والمجاملات على حساب الناس”.

مبادرة “الإطار التنسيقي” تعمق الأزمة

واعتبر العضو في التيار الصدري أن “بعض الفقرات التي حملتها ما يطلق عليها جزافاً المبادرة تعمق الأزمة ولا تحلها، مثل قضية إعادة انتخاب رئيس البرلمان، ومحاولة إدخال النواب المستقلين بقضية اختيار رئيس الوزراء، بدلاً من التيار الصدري بهدف المناكفة”.

وكشف عن “مبادرة حل حقيقية ومخلصة”، سيطلقها تحالف “إنقاذ وطن”، بعد انتهاء مهلة الأربعين يوماً المقررة الأربعاء المقبل.

من جهته، علّق عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان على المبادرة التي أطلقها تحالف “الإطار التنسيقي” بالقول إنها “لن تحل أو تغير شيئاً”.

وأضاف، لـ”العربي الجديد”، أن “إصرار قوى الإطار التنسيقي على إعادة تشكيل حكومة وفق المحاصصة الطائفية يُعمق الأزمة ولا يحلها، خصوصاً أن مبادرة الإطار التنسيقي أكدت على هذه القضية، وهي حكومة توافقية وفقاً لنظرية المحاصصة الطائفية. لذا نسأل نحن ما الجديد الذي حملته هذه المبادرة، غير أنها تأكيد على موقفهم السابق؟”.

وكشف باجلان أن “الأيام المقبلة ستشهد حراكاً سياسياً مكثفاً بهدف التحشيد لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، للمضي نحو تشكيل الحكومة الجديدة. وهناك مبادرات وحلول سوف يعلن عنها خلال الأيام القريبة من قبل الصدر وحلفائه لإنهاء الانسداد السياسي”.

بدوره، وصف عضو التيار الصدري عصام حسين، المبادرة الجديدة بأنها “لا تستحق التعليق”.

وقال: “مبادرة ولدت ميتة مثل سابقاتها. جميع مبادرات الإطار التنسيقي تؤكد على تشكيل حكومة توافقية على غرار الحكومات السبع الماضية، وهذا ما يرفضه التيار الصدري ومن معه من القوى السياسية، السنية والكردية وجزء كبير من النواب المستقلين”.

وأكد هو الآخر استعداد التيار الصدري وحلفاءه معاودة حراكهم السياسي مجدداً، والذي يتركز على “حشد جمع 220 نائباً في البرلمان لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حتى لو قاطعت قوى الإطار التنسيقي هذه الجلسة كما فعلت سابقاً. فالكل أدرك خطورة بقاء الوضع على ما هو عليه، دون تشكيل الحكومة الجديدة”.

إعادة تجميع مواقف سابقة

في المقابل، وصف رئيس مركز “التفكير السياسي”، إحسان الشمري، مبادرة تحالف “الإطار التنسيقي” بأنها “محاولة لإظهار ثقلهم، وأنهم يمتلكون أيضاً زمام المبادرة. لكن على مستوى المضمون فإن المبادرة لا تختلف عن القديمة، فهي مجرد إعادة لتجميع مواقف طرحت سابقاً من قبل قادة الإطار”.

وبيّن الشمري،، أن “مبادرة الإطار التنسيقي، تمثل بشكل أوضح رسالة تطويق لأي ردة فعل مقبلة ومحتملة من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على انقضاء المهلة التي منحها الصدر لهم. كما أنها رسالة ضغط على رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، خصوصاً أن المبادرة تحدثت عن إعادة تشكيل للرئاسات الثلاث في العراق”.

وأوضح أن “مشروع تغيير رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد بدأ، ومبادرة الإطار التنسيقي إعلان رسمي لهذا المشروع. ولهذا مبادرة الإطار جاءت أيضاً لخلط الأوراق ليس إلا”.

كتلة “العراق المستقل” تدعم مبادرة الصدر

إلى ذلك أعلنت كتلة برلمانية عراقية مستقلة، أخيراً، قبولها المبادرة التي طرحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والقاضية بمنح المستقلين فرصة تشكيل الحكومة الجديدة في مدة لا تزيد عن 15 يوماً، فيما التزمت غالبية الكتل السياسية، ومنها المستقلة، جانب الصمت إزاء مبادرة “الإطار التنسيقي”، ما يزيد المشهد السياسي تأزماً.

وفيما تضمنت مبادرة الإطار التنسيقي فقرات تدعو إلى منح “النواب المستقلين” ممن يحظون بـ”دعم المكوّن” بـ”فرصة” تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء، في محاولة لكسبهم، رد الصدر بعد ساعات بمبادرة عرض فيها على النواب المستقلين تشكيل الحكومة “عبر تحالفه”، ووعد بدعمهم، على أن يكونوا بعيدين عن “الإطار التنسيقي”.

ووسط هذا الجدل السياسي المحتدم والتنافس على كسب المستقلين، بدت مبادرة الصدر الأكثر إغراء لهم، لا سيما مع منحهم فرصة تشكيل الحكومة.

كتلة “العراق المستقل” البرلمانية كانت أول من علق على ذلك معلنة قبولها مبادرة الصدر، وقالت في بيان “إيماناً بالمسؤولية الوطنية، وتغليباً للمصلحة العامة، وللخروج من أزمة الانسداد السياسي واحترام المدد الدستورية، تعلن كتلتنا برئاسة النائب المستقل عبد الهادي الحسناوي قبول مبادرة الصدر بدعوة النواب المستقلين لتشكيل حكومة وطنية مستقلة،تعبر عن تطلعات المواطن وتسعى للارتقاء بالخدمات وإعمار البلد”.

ودعت “المستقلين، سواء من تحالف العراق المستقل أو الأفراد، إلى توحيد الجهود والكلمة للخروج بتشكيل سياسي مستقل هادف قادر على وضع حل للأزمة الحالية التي يمر بها البلد”.

وأضافت كتلة “العراق المستقل”: “ندعو أيضاً كافة القوى السياسية إلى دعم المبادرة الوطنية ونبذ الخلافات، وعدم التأثير على الأخوة النواب المستقلين، سواء بالتهديد أو الوعيد، واحترام إرادة الناخبين بعيداً عن المصالح الحزبية والفئوية، كون المواطن قد عانى الكثير نتيجة الانسداد السياسي وتأخر تشكيل الحكومة ما انعكس سلباً وبشكل واضح على حقوق المواطن والخدمات وبناء البلد”.

“حركة امتداد” تعكف على دراسة مبادرة الصدر

أما “حركة امتداد”، وهي حركة مستقلة، فلم تعلن بعد أي موقف رسمي إزاء ذلك، فيما أكد عضو المكتب السياسي للحركة رائد الصالح أن “حركته ستعكف على دراسة مبادرة الصدر”.

وقال الصالح في تصريح متلفز إن “المبادرة الأولى (مبادرة التنسيقي) ذكرت المستقلين بخجل واستحياء، وقالت إن لهم الحق باختيار رئيس الوزراء”، معتبراً أن “وجود رئيس وزراء من المستقلين من دون غطاء برلماني سيكون صعباً جداً، وستفرض الأحزاب سطوتها عليه ويكون مرهوناً بها، وهذا ما لا تقبل به امتداد”.

وأكد أن “الكرة الآن في ملعبنا، وأن حركتنا تدرس مبادرة الصدر بعمق للوصول إلى رأي ناجع بشأنها”، مشدداً “نحن مع مبادرات حل الانسداد السياسي والخروج من الأزمة، لا سيما أن الشعب بحاجة إلى حكومة لتمرير الموازنة وغيرها من الأمور المعطلة”.

وأضاف: “سنتعامل بإيجابية مع المبادرة بشروط وضمانات معينة، وهذه الضمانات ليست لمصلحتنا وإنما لمصلحة الشعب”، مؤكداً “نحن مبدئيا مع المبادرة، وسيكون لنا موقف واضح إزاءها قريباً”.

شكوك بإمكانية تحقيق مبادرة الصدر

منذ ليل أمس الأربعاء، يجري النواب المستقلون اتصالات مكثفة بشأن مبادرة الصدر. وقال نائب مستقل في البرلمان الحالي إن “مبادرة الصدر غير متوقعة، ولا شك أن النواب المستقلين بكتلهم بحاجة إلى عدة أيام لترتيب أوراقهم”.

ولفت النائب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “مبادرة الصدر واضحة، لكن المشكلة تكمن في إمكانية توافق النواب المستقلين وتشكيلهم كتلة واحدة من 40 نائباً، وهم ما زالوا متفرقين ومتباينين في مواقفهم من الأزمة الحالية”.

وبيّن أن “هناك تقاطعات كبيرة بين النواب المستقلين تحتاج إلى تذليل”، مشيراً إلى أن “الاتصالات بدأت منذ ليل أمس، وستكون هناك مساع لعقد اجتماعات تداولية بين القوى المستقلة والنواب الأفراد لبحث صيغة توافقية”.

وأكد أن “المستقلين يريدون أن يكونوا طرفاً في حل الأزمة والتوجه نحو تشكيل الحكومة، وألا يكونوا نقطة خلاف في المعادلة السياسية”.

وتساءل بالوقت ذاته عن جدية قبول طرفي الأزمة (الصدري، والتنسيقي) بأن يمضي ترشيح الحكومة من شخصية مستقلة، كما اعتبر أن الانطباع العام من تلك المبادرات بأنها مجرد استعراض ومناكفة، ولا توجد جدية في تنازل أي منهم بملف تشكيل الحكومة وفقا للرؤيا التي يريدها الطرفان.

يجري ذلك وسط توقعات بتعقد المشهد السياسي في البلاد، وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، في تغريدة على “تويتر”: “ملخص المشهد السياسي مبادرة ومبادرة مضادة، محورهما بين قوسين (المستقلون)، والأمور بهذا الشكل لا تسر ولا تدعو إلى السرور”.

وأهمية النواب المستقلين، البالغ عددهم أكثر من 40 نائباً، تتمثل في كونهم طرفاً قد يرجح كفة أحد طرفي الأزمة السياسية في العراق، لكن مع ذلك هناك انقسام حاد بينهم بخصوص حضور جلسة البرلمان الخاصة بتسمية رئيس الجمهورية وإكمال نصابها القانوني أو مقاطعتها.

ولا يقبل بعض النواب المستقلين أن يتحوّلوا لأرقام تكميل عدد ويطرحون رؤية مختلفة للأزمة الحالية بتسمية رئيس وزراء مستقل، وسط استمرار مساعي محوري الصراع، تحالف “إنقاذ وطن” وتحالف “الإطار التنسيقي”، لكسب تأييدهم. وأصبح حضورهم إلى البرلمان أمراً حاسماً بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا، الذي نص على أنّ اختيار رئيس الجمهورية لا يصح إلا عبر تصويت ثلثي عدد نواب البرلمان، أي 220 نائباً، وهو أمر لم يستطع تحقيقه أي من المحورين من دون أصوات المستقلين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here