المختصر المفيد. من كتاب (أدب الدنيا والدين) 1

المختصر المفيد.

من كتاب (أدب الدنيا والدين)1

احمد صادق.

” اعلم أن ما تصلح به الدنيا حتى تصير احوالها منتظمة وامورها ملتئمة ستة أشياء هي قواعدها: دين مُتَّبَعٌ وسلطانٌ قاهرٌ وعدلٌ شاملٌ وأمنٌ (واستقرار) وخصبُ دارٍ وأملٌ فسيحٌ …..

القاعدة الأولى: (الدِّينُ المُتَّبَع) لأنه يصرف النفوس عن شهواتها ويعطف القلوب عن ارادتها حتى يصير قاهرا للسرائر زاجرا للضمائر رقيبا على النفوس في خلواتها نصوحا لها في ملماتها …. قال الشاعر:

ما صَحَةٌ ابداً بِنافِعَةٍ

حتى يَصِّحُ الدِّينُ والخَلْقُ.

القاعدة الثانية: (السلطان القاهر) وتتألف برهبته الأهواء المختلفة وتجتمع بهيبته القلوب المتفرقة وتنكف بسطوته الأيدي المتغالبة وتنقمع من خوفه النفوس المتعادية لأن في طباع الناس من حب المبالغة على ما آثروا والقهر لمن عاندوه ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع زاجر قادر على ردعهم قال الشاعر المتنبي:

والظُلمُ مِن شِيمِ النُّفوسِ فإنْ تَجِدْ

ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ.

القاعدة الثالثة: (العدل الشامل) فهو عدل شامل يدعو إلى الأُلفَة ويبعث على الطاعة وتعمر به البلاد وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان. وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضائر الخلق من الجور(الظلم) لأنه لا يقف عند حد ولا ينتهي إلى غاية ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل.

القاعدة الرابعة: (الأمن) فهو أمن عام تطمأن إليه النفوس وتتيسر به الهمم ويسكن فيه البريء ويأنس به الضعيف ويرتاح فيه الخائف ويطمأن فيه الحاذر. فالخوف يقبض الناس عن مصالحهم ويحجزهم عن تصرفهم.

القاعدة الخامس: (خصبُ دارٍ) فهو الخَصب الذي تتسع النفوس به في الأحوال ويشترك فيه ذو الإكثار والإقلال فيقل في الناس الحسد ويتخلى عنهم تباغض العدم وتتسع النفوس في التوسع وتكثر المواساة والتواصل وذلك من اقوى الدواعي لصلاح الدنيا وانتظام احوالها لأن الخصب يؤول للغنى والغنى يورث الأمانة والسخاء ……. قال الشاعر ….

ولم ارَ بعد الدِّين خَيرا مِن الغِنى

ولم ارَ بعد الكُفرِ شَرا مِن الفَقرِ

القاعدة السادسة: (الأمل الفسيح)2 فقد يبني الإنسان آمالا عريضة في تحقيق أشياء ينتفع بها في حياته وينتفع بها أهله من بعده. يأمل مثلا في بناء دار فيتحقق الأمل بعد سنوات ويبدأ في بنائها، ولكنه يتوفى قبل انجازها فيتولى أهله اكمالها والانتفاع بها. ولو لم يقيد هذا الإنسان نفسه بالأمل في بناء دار ثم يتحقق هذا الأمل ويشرع في بنائها ولكنه توفي قبل انجازها، لم تكن عائلته لتكمل هذه الدار بعد وفاته وتنتفع وتغتني بها. فإن كان الناس لا يبنون آمالا يحيون ويحلمون ويعملون على تحقيقها ما داموا في الحياة واكتفى كل واحد منهم بالعمل للحصول على قوته وسد حاجته اليومية فقط لأفتقر كل شيء في الدنيا وصارَ خَراباً. …… ويروى عن النبي (ص) أنه قال ….

(الأمَلُ رَحَمَةٌ مِنْ اللهِ لِأُمَتي ولولاهُ ما غَرَسَ غارِسٌ شجرا ولا أرضَعَتْ أُمٌّ وَلَدا.) وقال الشاعر ….

وللنفوسِ وإن كانت على وَجَلٍ

مِنْ المَنِّيةِ آمالٌ تقوّيها

فالصَبرُ يَبسُطُها والدَّهرُ يقبِضُها

والنَفسُ تَنشرُها والموتُ يَطويها.”

———

1-من كتاب (أدب الدنيا والدين) لأبي الحسن الماوردي. ولد في البصرة من العراق عام 974 وتوفي 1058م.

2-القاعدة السادسة (الأمل الفسيح) تصرفنا فيها بالشرح قليلا لتوضيح المراد بها بما لا يخل بمحتواها. كما اختصرنا بقية القواعد نظرا لطول الكلام فيها …….

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here