فلسفة التغرب وعلاقتها بتأخر الأمة

فلسفة التغرب وعلاقتها بتأخر الأمة
د. قاسم خضير عباس
كاتب سياسي وخبير القانون
الجنائي الدولي والوطني
يحاول بعض المثقفين العرب الذين لم يرزقوا حكمة وموضوعية، أن يخلطوا الأوراق والوقائع، ويزوروا الحقائق من أجل إثبات أنَّ الغرب وقيمه هو النموذج الوحيد لتقدم الأمة، دون أن يعترفوا بفشل المناهج الغربية في بلادنا، والتي أدت إلى الجمود والانحطاط والتأخر.
والغريب أنهم علقوا كل أزمات ومشاكل المجتمعات المسلمة على بعض مظاهر تخلف المسلمين، ولم يدركوا أنَّ هذا التخلف هو نتائج طبيعية لأوضاع متردية، ساهمت السياسات المتغربة في زيادة حجمها وتفاقم خطرها.
إنَّ المناهج المستوردة لم تستطع أبداً أن تعالج أبسط الإشكاليات المعوقة للتقدم، ولم تقض على التخلف، بل زادت من وتيرته في المجتمع، فمثلاً عندما طبقت سياسة (التنمية الشاملة) على أسس ومنهج غربي، كانت النتائج بروز ظاهرة (تخلف التنمية) المعروفة عربياً… وهذا ما يدعو للتأمل حقاً…
وهكذا فإنَّ هؤلاء المثقفين، المنتمين إلى تيار متغرب يتضايق من أصوله وتراثه، لم يتنازلوا عن مقولاتهم السابقة، إلى درجة أنَّ أحدهم صرّح مؤخراً في (محطة فضائية) بأنه: يأسف لتكلمه اللغة العربية، وكان يتمنى أن يتكلم في هذا اللقاء بلغة ثانية‍‌‍!!
هذه العقلية المريضة المتخلفة، التي ضاقت بواقعها ويئست من علاجه محلياً، ارتمت في أحضان الآخرين تنهل من ثقافتهم وقيمهم بصور ذليلة. وكان الأولى لها أن تتلمس حلولاً للأزمة عبر فهم الواقع السيئ، وتحليل أسبابه الذاتية والموضوعية، والانطلاق من الذات لتجاوز مرحلة التردي والتخلف.
ويحضرني هنا شيء ذكرني بقيصر روسيا بطرس الكبير، الذي تتشابه عقليته مع عقلية بعض مفكرينا ومثقفينا، لأنه قارن بين تقدم هولندا، التي كان يدرس فيها، وبين تأخر بلده روسيا، وتوصل إلى أنَّ سر ذلك هو اللحى، التي يتميز بها رجال روسيا، فأمر عندما أصبح قيصراً بحلق اللحى لكي يحقق التقدم والتطور!!
ونفس الشيء فعله أتاتورك في تركيا، والشاه رضا بهلوي في إيران، عندما اعتقدا أن سر التقدم هو فرض اللباس الغربي على المجتمع!! وقد اعتقد (صدام) أيضاً أن سر التقدم هو رفع الأذان وإلغاؤه من إذاعة بغداد!! لكنه أعاده بعد أن حاول التستّر بلباس الدين، والدين منه براء، عقب حرب الخليج الثانية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here