اقتحام للمحال ا لتجارية في إيران بحثاً عن الطعام

عمليات النهب في إيران

أعلنت الحكومة الإيرانية زيادة أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى تخفيض دعم الدقيق، في خطة أطلقت عليها الحكومة اسم “تعديل الدعم الحكومي”، تشمل رفع أسعار الدواجن، والبيض، ومنتجات الألبان، وزيوت الطهي النباتية، وهي أكبر زيادة في الأسعار تشهدها إيران منذ سنوات.

بعد ساعات قليلة من إعلان الحكومة خطتها لزيادة أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية انقلب الشارع الإيراني رأساً على عقب، فخرج مئات الإيرانيين ليصطفوا أمام سلاسل المتاجر الكبرى لشراء وتخزين السلع الغذائية المشمولة في خطة الحكومة لزيادة أسعارها، ما أدى إلى اشتباكات المواطنين مع العاملين في المتاجر، وفوضى وعنف، وخرج مئات آخرون في مدن إيرانية عدة للاحتجاج والتظاهر ضد الحكومة، كما ظهر في المقاطع المصورة التي وصلت من إيران.

ماذا فعلت الحكومة لإغضاب المواطنين؟

أعلنت إدارة إبراهيم رئيسي، التي يسيطر عليها التيار المحافظ في إيران، عن زيادات في أسعار أربعٍ من السلع الغذائية الأساسية (الدواجن، البيض، منتجات الألبان، وزيوت الطهي)، فارتفع سعر كيلو الدجاج من 30500 تومان (أي ما يعادل دولاراً أمريكياً واحداً)، بنسبة 21% بزيادة 20 ألف تومان عن السعر السابق ذكره (أي ما يعادل 1.90 دولار أمريكي).

أما البيض فقد ارتفع سعره بنسبة 53%، ووصل إلى سعر 40 ألف تومان (أي ما يعادل 1.30 دولار أمريكي)، وبلغ سعر زجاجة زيت دوار الشمس، بحجم لتر واحد، 63 ألف تومان (أي ما يعادل دولارين أمريكيين)، كما بلغت تكلفة عبوة صغيرة من الجبن 38 ألف تومان (أي ما يعادل 1.23 دولار أمريكي).

ويقول صحفي إيراني يعمل في إحدى الصحف الحكومية، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: “هذه أكبر زيادة في أسعار السلع الغذائية شهدها الإيرانيون منذ سنوات، الزيادة أكبر من قدرة الإيرانيين على الشراء، نتوقع المزيد من الاحتجاجات، خاصة بعد إلغاء الدعم عن بعض أنواع الدقيق”.

جاءت خطة الحكومة الإيرانية لزيادة الأسعار بعد إلغائها ما يسمى الدولار المدعوم أو المفضل، وهي وسيلة أسَّستها حكومة الرئيس المعتدل السابق حسن روحاني، تعتمد على إمداد التجار بدولار مدعوم حكومياً، بسعر 42 ألف ريال إيراني مقابل الدولار الواحد، لاستيراد السلع الغذائية الأساسية، وضمان عدم زيادة أسعارها. هذه الخطوة التي اتخذتها الحكومة السابقة كانت لمواجهة أزمة التضخم وانهيار القدرة الشرائية وفقدان العملة المحلية للكثير من قيمتها أمام الدولار، في وقت انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، في مايو/أيار 2018.

تجدر الإشارة إلى أن سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق الإيرانية يتجاوز السعر المقدم من الحكومة، ويصل في كثير من الأحيان إلى 50 ألف ريال إيراني للدولار الواحد.

أكبر زيادة في الأسعار تشهدها إيران

وفي هذا الصدد يقول الصحفي الإيراني: “إلغاء الدولار المدعوم حكومياً كان أمراً لا مفر منه؛ لأنه كان سبباً في الكثير من الفساد، لكن في الوقت نفسه تسبّب في أزمة زيادة الأسعار والاحتجاجات الشعبية”.

انتقد العديد من المحللين الإيرانيين في السابق حكومة حسن روحاني بخصوص مسألة الدولار المدعوم حكومياً، الذي يساوي 42 ألف ريال؛ لأنه فتح أبواب الفساد، فلجأ بعض التجار والمستوردين إلى استيراد سلع غير أساسية وأدوات تجميل وشعر مستعار، مستغلين الدولار المدعوم المقدم من الحكومة، ما تسبَّب في أزمات عديدة.

بالعودة إلى الاحتجاجات الغاضبة التي خرجت مساء يوم الخميس، 12 مايو/أيار 2022، تظهر مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، مئات من الأشخاص الغاضبين الذين رددوا شعارات: “الموت لرئيسي.. الموت لخامنئي”، في إشارة إلى إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني، وآية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كما طالب المتظاهرون باستقالة الحكومة الإيرانية التي لم تُكمل عامَها الأول بعد، وفي مدينة إنديشك الإيرانية وداخل ساحة “الإمام الخميني” تجمهر المتظاهرون، مُندّدين بالحكومة والمسؤولين الإيرانيين، وأطلقت قوات الأمن الإيرانية التي كانت تحيط بالمتظاهرين عدداً من الطلقات في الهواء، في محاولة لتفريق المتظاهرين.

ارتفاع أسعار المكرونة والخبز يزيد غضب الإيرانيين

شملت خطة الحكومة لتخفيض الدعم عن بعض السلع الغذائية تخفيض الدعم الحكومي للدقيق المستورد، يقول مسؤول حكومي إيراني: “خطة تعديل الدعم وتخفيضه ضرورية لمواجهة تهريب الدقيق إلى خارج البلاد، والتعامل مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية”.

خفض الدعم الحكومي عن الدقيق أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار المعكرونة، فوصل سعر كيلو المعكرونة إلى 370 ألف تومان (أي ما يعادل 1.32 دولار أمريكي)، كما زادت أسعار الخبز حوالي 10 أضعاف.

في هذا الصدد يقول محمد جواد كرمي، رئيس نقابة الخبّازين الإيرانيين: “منذ أواخر شهر فبراير/شباط ارتفعت أسعار الدقيق تدريجياً إلى أن وصلت الزيادة إلى 10 أضعاف، خاصة الدقيق الفاخر المستخدم في الخبز الفرنسي وخبر الهامبورغر، وهذا سيؤدي إلى زيادة أسعار شطائر الهامبورغر والنقانق في المطاعم”.

تقول الحكومة الإيرانية إنها إلى الآن لم ترفع أسعار الدقيق المستخدم في صناعة الخبز الإيراني التقليدي الذي يستهلكه الإيرانيون بشكل أساسي وكبير، يقول أحد المستشارين الاقتصاديين الذين يعلمون مع الحكومة الإيرانية، مفضلاً عدم كشف هويته “إلى الآن لم يتم رفع أسعار الدقيق المستخدم في صناعة الخبز الإيراني التقليدي، لكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، سيتم رفعه في الأشهر القليلة القادمة، نعلم أنها ستكون خطوة قاسية على الشعب وعلى الحكومة أيضاً، لكن لا مفر منها بسبب أزمة الحرب الأوكرانية الروسية”.

لكن هناك من يرى أن السبب في زيادة الأسعار والأزمة الاقتصادية الحالية ليس فقط الحرب الروسية الأوكرانية، أو تهريب الدقيق إلى خارج البلاد كما تزعم الحكومة، عباس مهدي، ناشط سياسي إصلاحي، يقول: “تزعم الحكومة أن الغزو الروسي لأوكرانيا هو السبب في رفع أسعار الدقيق، لكن ليست هذه هي الصورة الكاملة، في إدارة رئيسي ليس لديها خطة اقتصادية واضحة الملامح، وقولنا هذا الكلام في بداية وصوله للسلطة، كما أن التباطؤ في التوصل إلى حل مع واشنطن لإحياء الاتفاق النووي له تداعيات خطيرة على الاقتصاد الإيراني، وحذر الاقتصاديون الإيرانيون من هذه المسائل مراراً وتكراراً”.

ويقول محمد مرتضوي، رئيس جمعية منتجي الدقيق في إيران “إيران لم تكن معتمدة بشكل كبير على الحبوب الواردة من أوكرانيا وروسيا، لذلك فإن الحرب الروسية الأوكرانية بالرغم من تأثيرها لم تكن السبب الوحيد، بالإضافة إلى أن الحكومة الروسية قد وعدت طهران بتصدير الحبوب لها، حتى ولو بكميات قليلة إلى حد ما، لكن إلى الآن لم يحدث ذلك”.

جدير بالذكر، أنه منذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا اتخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقفاً داعماً للحكومة الروسية في حربها ضد أوكرانيا، كما أن المسؤولين الإيرانيين يعتبرون روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين حليفاً استراتيجياً لإيران منذ سنوات.

لن يكون لدينا مخزون من زيوت الطهي في المستقبل القريب

أمير علي رضا، البالغ من العمر 35 عاماً ويعمل مستشاراً للشؤون القانونية بإحدى شركات التكنولوجيا الإيرانية، يقول: “كانت هناك شائعات منذ اليوم الأول لعيد الفطر بأنه ستكون هناك زيادة كبيرة في أسعار بعض السلع، في الحقيقة نزلت إلى السوبر ماركت القريب من منزلي لشراء كميات كبيرة من زيت الطهي والمعكرونة وباقي السلع، كان هناك الكثير من الناس يتعاركون من أجل الفوز بزجاجة زيت طهي واحدة”.

في نهاية المطاف استطاع أمير شراء زجاجة واحدة من زيت عباد الشمس (دوار الشمس)، وكيسين من المعكرونة، ويقول: “وقفت لمدة تزيد على ست ساعات، وحين وصلت إلى رفّ زيوت الطهي في السوبر ماركت لم أجد سوى زجاجتين، اشتريت واحدة وأعطيت الأخرى لسيدة مسنة كانت تقف بجواري”، ويكمل أمير حديثه ساخراً فيقول: “لكنني أحمد الله أنني استطعت الحصول على 2 كيلو معكرونة، بعد أن تمزقت الأكياس من العراك مع باقي الناس في طابور الانتظار”.

وفيما يخص زيوت الطهي في إيران، يقول داود فكوري رئيس اتحاد المتاجر الكبري في طهران: “تعتمد إيران بنسبة 90% على الزيوت المستوردة للطهي، بعد الحرب الروسية الأوكرانية زادت أسعار زيوت الطهي بنسبة 37%”.

وتابع فكوري قائلا: “هناك قلة إمدادات من شركات زيوت الطهي للمتاجر في جميع أنحاء إيران، بعض العلامات التجارية المشهورة لزيوت الطهي ترسل لنا كرتونة واحدة تحتوي على 24 زجاجة فقط من الزيت، أتوقع أنه خلال أسابيع قليلة لن يكون لدينا أي زجاجة زيت في المتاجر، إذا استمر الحال كما هو عليه الآن”.

الشرطة الإيرانية قلقة من خطر توسع الاحتجاجات

يشهد عدد من المدن الإيرانية منذ أسابيع قليلة، احتجاجات متفرقة اعتراضاً على سوء الأحوال المعيشية، التي وعد الرئيس ابراهيم رئيسي بتحسينها من خلال خطة اقتصادية كبيرة قد وضعها لتكون أساس عمله في العام الأول لإدارته.

فقد قام المعلمون الإيرانيون باحتجاجات عديدة بسبب نقص رواتبهم، كما احتج عدد من العمال في العديد من المصانع، آخر هذه الاحتجاجات كانت يوم الخميس 12 مايو 2022، بسبب خطة الحكومة لزيادة أسعار السلع الغذائية.

بعض شهود العيان، داخل المدن التي شهدت احتجاجات يوم الخميس، قالوا إن خدمة الإنترنت قد تم قطعها لساعات طويلة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة الإيرانية دائماً ما تلجأ إلى قطع خدمة الإنترنت عن المدن التي تشهد احتجاجات، آخرها كانت أثناء الاحتجاجات المناهضة لزيادة أسعار البنزين في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، فقد تم قطع خدمات الإنترنت الأرضي والمحمول لعدة أيام عن كامل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما زاد من استحالة الوصول إلى المعلومات من داخل إيران.

قائد في شرطة طهران تحدث، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً: “لقد حذرنا السيد رئيسي من الاحتجاجات الجماهيرية، علمنا من خلال تحرياتنا السرية منذ أشهر عن وجود احتقان لدى الشعب الإيراني بكامل طبقاته، وأرسلنا تقاريرنا إلى الحكومة للتحذير من اندلاع الاحتجاجات وأعمال الشغب المصاحبة لها، لكن على ما يبدو أن لا أحد قد استمع لنا”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن الشرطة قد حذرت الحكومة الإيرانية من زيادة مستويات عدم الرضا لدى الشعب الإيراني عن الحكومة الإيرانية، وحذرت أيضاً من اتخاذ أي خطوات لزيادة السلع الغذائية الأساسية بشكل كبير، يقول المصدر لـ”عربي بوست”: “نعلم أن هناك بعض الإجراءات الضرورية لمواجهة الأزمة العالمية التي يمر بها العالم، لكن الوضع داخل إيران مختلف بسبب أزمة العقوبات من الأساس، لذلك اقترحنا على الحكومة تقليل الإجراءات الاقتصادية الصادمة لعدم الإضرار بأمن البلاد”.

وبحسب التقارير الشرطية التي تحدث عنها المصدر الأمني السابق، فإن هناك توقعات كبيرة توسع الاحتجاجات في الأشهر القليلة القادمة.

يقول المسؤول الأمني في شرطة طهران: “نخشى تكرار سيناريو مظاهرات نوفمبر 2019”.

في اشارة إلى المظاهرات الواسعة النطاق بسبب إعلان الحكومة الإيرانية السابقة عن زيادة أسعار البنزين ثلاثة أضعاف دفعة واحدة، وفور هذا الإعلان خرج مئات الآلاف من الإيرانيين في حوالي 100 مدينة إيرانية للتظاهر، كانت مظاهرات نوفمبر 2019 واحدة من أعنف موجات الاحتجاج في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ سنوات طويلة.

أقدم المحتجون على أعمال شغب وإحراق مقرات حكومية ومراكز شرطة في العديد من المدن، وقوبلت هذه الأعمال بعنف هائل من قوات الأمن الإيرانية التي تتحفظ إلى الآن على أعداد القتلى في الاشتباكات، فيما تقول بعض المنظمات الحقوقية داخل وخارج إيران إن العدد وصل إلى ألف قتيل، والآلاف من المعتقلين.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here