هل دخلت تونس في نفق سياسي مظلم ؟

هل دخلت تونس في نفق سياسي مظلم ؟
حالة من الأوضاع السياسية المضطربة تعيشها تونس منذ عام والتي أدخلت البلاد في نفق سياسي مظلم واضعة المواطن التونسي بين مد وجزر القوى السياسية المتخاصمة والتي تزيد من تعقيد وضع تونس الاقتصادي الذي يشارف على الدخول في مرحلة حرجة قد يعلن فيها عن إفلاس الدولة.
انسداد سياسي واتساع الهوة بين السعيد والمعارضة
انعدام الحوار بين الأحزاب المعارضة والرئيس قيس السعيد أدى إلى اتساع الهوة خاصة مع مساعي الأحزاب لتأسيس حكومة إنقاذ وطني والتي تهدف إلى اتخاذ الخطوات المناسبة لإنقاذ الوضع وعدم الانتظار وإهدار الوقت، غير أن هذا يتعارض مع رغبة قيس السعيد في إجراء حوار والذي أكد في كل مرة أنه لن يكون إلا مع الصادقين، إلا أن هذا الوصف لا يمكن أن يدل إلا على من يوافق الرئيس في سياسته، عكس ما ينتظره الجميع في الداخل والخارج وهو أن يكون الحوار شاملًا ويحتوي كل الأطياف السياسية والنقابية بالبلاد، حتى أولئك الذين يعارضون سعيد وينتقدونه ويرفضون إجراءاته، في مقدمتهم حركة النهضة. هذه الأخيرة التي تبدو أنها لن تدخل في أي حوار بالنظر للفكر الإخواني الذي تنتهجه والتي تسعى من خلاله للوصول إلى السلطة.
إخوان تونس وسياسة الأرض المحروقة
بعد أن سجلت تونس يومي عيد الفطر المبارك، 110 حرائق أشارت بعض التقديرات بتورط إخواني فيها. وفقاً لتصريحات سابقة، للأمين العام لقوات الأمن الداخلي معز الدبابي والتي قال فيها أن الحرائق لم تندلع صدفة وإنما هو إرهاب يُهدد حياة المواطنين وممتلكاتهم .
فيما رجح بعض النشطاء أن البعد الإخواني لهذه الحرائق بدا واضحا في بيان أصدرته حركة النهضة الإخوانية، والتي قللت فيه من أهمية التدخل الحكومي في حريق السوق التقليدية في قابس وربطته بالفراغ الحاصل بمستوى أعلى هرم بالمحافظة. وإثر ذلك، أصدرت حركة النهضة بيانا تزعم فيه: “أنه بالرغم من أنّ أسباب الحريق لم تتضح بعد، فقد كان استياء المصابين شديدا من السلطات الرسمية المحلية بسبب التأخر الفاضح للحماية المدنية في التدخل، كما كان حجم التدخل بسيطا جدا بالقياس بضخامة الحريق” في محاولة لإظهار السلطات التونسية بمظهر السلطة الفاشلة التي لم تستطع أن تتمسك بزمام الأمور .
ترجيحات افتعال الحرائق من طرف الإخوان كانت الفكرة السائدة لدى أغلب القياديين التونسيين وهو ما ذهب إليه النقابي التونسي فتحي تيتاي في تعليقه على حوادث الحرائق، حيث دون قائلاً : “أتمنى ألا يكون مفتعلاً وفيه نكاية بالاقتصاد الوطني، حريق في مصنع للملابس المستعملة والخسائر كبيرة جداً بولاية بن عروس والحريق الثاني بسوق الحنة بولاية قابس. وقد تم تخريب وتدمير السوق بالكامل. في مناسبتين عيد الفطر وعيد العمال”
ربط الحرائق بالإخوان لم يكن من فراغ فقبل أيام، ظهر علي العريض القيادي الإخواني البارز ووزير الداخلية الأسبق في مقابلة إعلامية خاصة، حيث بعث رسائل مشفرة يقول فيها: “سنواصل النضال لنفرض الحريات على الأطراف المستبدة وكل من يتحالف معها”، زاعما أن “المستقبل مع انقلاب فاقد للشرعية والمشروعية سيكون أسود”. في إشارة إلى استمرار الإخوان في محاولاتهم للسيطرة على الحكم في البلاد مهما كلف الثمن وهو ما جعل بعض الناشطين التونسيين يربطون بين هذه التصريحات والحرائق موضحين أنها كانت بمثابة تلميح لما كان سيحدث.
تسريبات لصندوق السعيد الأسود
محاولات زعزعة الأوضاع في تونس من طرف الإخوان لم تتوقف على حرق الأسواق والمصانع فقط، بل تعدت إلى حرب تسريبات فقد تداولت بعض الصفحات التابعة لتنظيم إخوان تونس قبل أيام، على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات صوتية تمت نسبتها إلى نادية عكاشة مديرة ديوان الرئيس التونسي المستقيلة، والتي تضمنت تصريحات ساخرة بالرئيس قيس السعيد ،وكانت عكاشة توصف بـ”الصندوق الأسود” و”حاملة أسرار” الرئيس، بعدما شاركته أبرز محطات مشروعه السياسي منذ دخولها إلى قصر قرطاج في 2019 حتى تحقيق إجراءات 25 يوليو/تموز لسنة 2021 بإزاحة الإخوان من الحكم وتجميد برلمانهم.
ومن بين التسجيلات المفبركة التي نشرها النائب الإخواني المتطرف راشد الخياري، تسخر نادية عكاشة من رئيس تونس وتصفه بـ “الخوّاف”، خلال زيارته لفرنسا ولقائه الرئيس ماكرون. تسريبات اعتبرتها بعض الجهات خطة من خطط الإخوان التي يعتمد عليها للإطاحة بالرئيس التونسي وهو ما ذهب إليه وزير الدولة التونسي الأسبق حاتم العشي والذي قال أن “الأحزاب والتنظيمات التي أوجعتها إجراءات 25 يوليو -في إشارة للإخوان- وصلت لآخر مرحلة وهي التسريبات ” . وفي تعليقه على التسريبات، قال في تصريحات إعلامية إن “من يريدون تشوية رئيس الجمهورية لم يجدوا شيئا ضده فتوجهوا نحو التسريبات”.
ودعا “العشي” النيابة التونسية إلى فتح بحث وتحقيقات في هذه التسريبات، لأنها تمس الأمن القومي لتونس.
وعلى أثر هذه التسريبات نشرت عكاشة تدوينه على حسابها الخاص بشبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” كتبت فيها “بعد حملة التشويه والمس من الأعراض نتحول إلى تركيب الأصوات”.
إجراءات لعزل الإخوان من الساحة السياسية
الخلافات القائمة بين المعارضة وقيس السعيد والتي تلتها أعمال تخريبية دفعت هذا الأخير إلى اتخاذ إجراءات متسارعة عبر تشكيل لجنة وطنية لتأسيس جمهورية جديدة تستثني الإخوان وحلفاءهم، ما يمثل نهاية الإخوان في تونس الذين حكموا تونس طيلة 10 سنوات.
هذا الإعلان اعتبره التونسيون خطوة أخرى نحو عزل المنظومة السابقة بقيادة حركة النهضة الإخوانية من الساحة السياسة نهائيا وهو ما أكده الرئيس التونسي قيس سعيد اليوم الأربعاء، والذي اعتبر أن المشاركة في لجنة تأسيس الجمهورية الجديدة مفتوحة لكل من ساند مسار التصحيح يوم 25 يوليو/تموز 2021 دون غيرهم.
وفقد اعتبر مراقبون تونسيون هذه اللجنة سيف سيقطع ما تعرف بـ”أحزاب السفارات” التي تحاول الاستقواء بالخارج وكذلك ما تشتهر بأنها “أحزاب الإرهاب والفساد”. وهو ما عبر عنه عبد المجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي التونسي والذي أكد أن الأحزاب المساندة لمسار 25 يوليو ستستفيد من خطوة الرئيس بإطلاق لجنة وطنية لتأسيس جمهورية جديدة وستقدم من خلالها خططا وإصلاحات جديدة للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
وقال العدواني أن الإخوان وحلفائهم تم عزلهم شعبيا ونفر منهم التونسيون بعد عشرية سوداء من حكمهم عاشت على وقعها البلاد في سنوات من الإرهاب والفساد والإفلاس والخراب.

انقسامات الساحة السياسية التونسية والأطراف المكونة لها أدخلت البلاد في حالة من عدم الاستقرار مع انعدام الحوار بين الأطراف المتنازعة جعلها عرضة للتدخلات الخارجية والتي ترفض الحكومة التونسية إشراكها باعتبار أنها لن تصب في الصالح العام وهو ما يصعب من مساعي الخروج من هذه الأزمة خاصة مع عزل الإخوان من المشاركة في أي استحقاق سياسي مقبل غير أن الأيام القادمة ستحمل الجديد فيما إذا كان إخوان تونس سيرضخون لإجراءات قيس السعيد أم سيكون لهم رأي أخر .

بشرى حفيظ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here