لبنان الانتخابات اللبنانية.. تقدم لقوى التغيير وتراجع لحلفاء حزب الله

 

الانتخابات اللبنانية أسفر عن "برلمان مواجهة"

الانتخابات اللبنانية أسفر عن “برلمان مواجهة”

جملة مفاجآت حملتها الانتخابات النيابية في لبنان، خالفت كل التوقعات والإحصاءات التي سوقت لنتائج مسبقة طيلة الأشهر الماضية وحتى اللحظات الأخيرة من فرز الأصوات في كل قلم اقتراع ودائرة. ومع صدور النتائج الأولية ظهر أن صورة المجلس النيابي الجديد ليست أبداً كسابقاتها، لاسيما مع انتزاع قوى ومرشحين جدد مقاعد عدة من حصص الأحزاب والمرشحين التقليديين، وعلى امتداد مناطق ودوائر كانت تعتبر قلاعاً محصنة لأحزاب السلطة الحاكمة، فيما منيت شخصيات سياسية بارزة وزعماء تقليديين امتدت ولاياتهم النيابية لعقود من الزمن.

تقدم كبير لحزب “القوات اللبنانية”، مقابل تراجع لـ “التيار الوطني الحر”، فيما سجلت قوى التغيير، المنبثقة عن “ثورة 17 تشرين” (أكتوبر) خروقات فاقت التوقعات والإحصاءات السابقة للانتخابات، لتحقق كتلة وازنة معيدة خلط أوراق التحالفات والتموضع في المجلس النيابي الجديد.

أما “الثنائي الشيعي”، تحالف حزب الله وحركة أمل، وعلى الرغم من أنه حافظ على حصرية تمثيله لمقاعد الطائفة الشيعية في لبنان البالغ عددها 27، إلا أنه تلقى ضربة قوية في خسارته للأكثرية النيابية التي كان يتمتع بها وحلفاؤه (71 نائبا) مقارنة بما أفرزته الانتخابات الماضية عام 2018.

تقييم “جيد” لمسار الانتخابات

وأعلنت وزارة الداخلية على مراحل، نتائج 78 مقعداً من أصل 128، وذلك بعد إعلان نتائج 9 دوائر انتخابية بشكل رسمي ومصادق عليه، من أصل 15 دائرة في كل المناطق اللبنانية. وقال وزير الداخلية اللبنانية بسام المولوي في مؤتمر صحفي أن “رغم كل الصعوبات والتشكيك استطعنا إنجاز الاستحقاق الانتخابي بطريقة جيدة، وكل حملات التشكيك التي تترافق مع فرز النتائج لا تؤثر على عملنا ولا على عمل الموظفين والقضاة الذين واصلوا الليل بالنهار للقيام بواجبهم الوطني للمساهمة بخلاص البلد وإصدار النتائج، ونسب الاقتراع ليست منخفضة، بل جيدة، وهي تقريبا مثل أو أقل قليلا من النسب بالانتخابات السابقة”.

وسجلت نسبة الاقتراع العامة تراجعاً عن انتخابات 2018 من 49.7% إلى 41.1% بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية. وأضاف وزير الداخلية اللبناني أنه “بالنسبة للنتائج، يمكن أن تتأخر، وحرصاً على الشفافية سنعطي النتائج تباعاً”. وتابع مولوي قائلا: “حريصون على جميع التفاصيل ونوثق كل الملاحظات للإجابة عليها، ولا يوجد أي تلاعب إذ إن الداخلية تعلن النتائج ولا تقررها وواجبنا ضمان أمن الانتخابات ولا نتدخل في عمل القضاء”.

اختلفت نسبة التراجع على الاقتراع من دائرة إلى أخرى، فأعلى نسبة تراجع كما أوردت “الدولية للمعلومات” كانت في صيدا وبلغت (-16%) تليها المنية (-15%) والضنية ثم طرابلس، أما في بيروت الثانية فقد زادت نسبة الاقتراع (+8%).

وعلى الرغم من كل المخالفات والانتهاكات التي سجلتها الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات “لادي”، اعتبر الخبير الانتخابي أنطوان مخيبر في حديثه لموقع “الحرة” أن سير العملية الانتخابية كان جيداً من ناحية تمكّن القوى الأمنية من ضبط الوضع الأمني على مستوى كبير، وقال “هذا لا ينفي حصول بعض الاشكاليات في عدد من الأقلام، وقد لوحظ سوء تعامل بعض رؤساء الأقلام مع الناخبين، لا بل منهم من لا يفقه بقانون الانتخابات، في وقت لم تتمكن وزارة الداخلية من ضبط جميع المخالفات”.

وقبل الانتهاء من فرز الأصوات هنأ  قائد الجيش، العماد جوزاف عون، العسكريين على الإنجاز الذي حققوه بتوفير الأمن والنظام لإتمام العملية الانتخابية، قائلاً “إن الجهود التي بذلتموها والمسؤولية التي تحليتم بها، هي التي وفرت الأجواء الآمنة لإنجاز هذا الاستحقاق، وفض بعض الإشكالات بشكل سريع ومحترف”.

من جهتها وفي أول تعليق لها عقب انتهاء الانتخابات النيابية في لبنان قالت الخارجية الأميركية “نرحّب بإجراء الانتخابات اللبنانية في موعدها بلا حوادث أمنية كبيرة ونحضّ القادة اللبنانيين على الالتزام بتنفيذ الإصلاحات لإنقاذ الاقتصاد”.

الفائزون بحسب النتائج الرسمية

وأعلن مولوي أسماء الفائزين وحصص اللوائح في مختلف الأراضي اللبنانية، حيث فاز في دائرة بيروت الأولى كل من غسان حاصباني ونديم الجميّل ونقولا الصحناوي وهاغوب ترزيان وجان طالوزيان وبولا يعقوبيان وسينتيا زرازير وجهاد بقرادوني.

أما في دائرة جبل لبنان الأولى فقد فاز علي عمار وبيار بو عاصي وهادي أبو الحسن وسعيد علامة وكميل دوري شمعون وألان عون. وفي جبل لبنان الثانية فاز ملحم الرياشي وسامي الجميّل والياس حنكش وابراهيم كنعان وميشال المر وهاغوب بقرادونيان والياس بو صعب ورازي الحاج.

في دائرة جبل لبنان الرابعة الشوف – عاليه فاز كل من تيمور جنبلاط ومروان حمادة وبلال عبدالله وجورج عدوان ونجاة خطار عون وحليمة القعقور وفريد البستاني وجورج عطالله وأكرم شهيّب ومارك ضوّ وراجي السعد.

جنوباً فاز في دائرة الجنوب الثانية نبيه بري، علي عسيران ، حسن عز الدين، علي خريس، حسين سعيد جشي وعناية عز الدين وميشال حنا موسى. أما الفائزين في دائرة الجنوب الثالثة، فهم حسن فضل الله ومحمد رعد وعلي فياض وهاني قبيسي وعلي حسن خليل والياس جرادي وأيوب حميد وقاسم هاشم وفراس حمدان وأشرف بيضون وناصر جابر.

شمالاً فاز في دائرة الشمال الثالثة ستريدا جعجع ووليم طوق وميشال معوض وطوني فرنجية وغياث يزبك وجبران باسيل وأديب عبد المسيح وجورج عطالله وميشال الدويهي.

أما في البقاع في دائرة بعلبك الهرمل، فاز حسين الحاج حسن، غازي زعيتر، علي المقداد، إبراهيم الموسوي، إيهاب حمادة، جميل السيد، سامر التوم، ينال صلح، وملحم الحجيري، ولائحة “بناء الدولة” بمقعد واحد فاز به أنطوان حبشي. أما في دائرة البقاع الغربي – راشيا فاز كل من هم حسن مراد ووائل ابو فاعور وياسين ياسين وشربل مارون وغسان سكاف وقبلان قبلان

أبرز المتغيرات

أبرز ما سجلته الانتخابات كان دخول كتلة نيابية جديدة تمثل قوى التغييريين والمنبثقين عن انتفاضة “17 تشرين” (أكتوبر)، حيث نجحوا وعلى الرغم من التوقعات والإحصاءات التي قللت من حظوظهم، في تحقيق خروقات على كامل الساحة الانتخابية في لبنان، كان أبرزها في دوائر الجنوب الثالثة، التي تمثل معقلا لحزب الله، دائرة بيروت الثانية، ودائرة الشوف عاليه.

وفازت لوائح التغيير والمستقلين بـ 15 مقعداً، لتتقارب بذلك مع كبريات الكتل النيابية التي حصدتها الأحزاب التقليدية، وهو ما سيمنحها قدرة كبيرة على التأثير داخل البرلمان المقبل، حيث من المتوقع أن يكون المستقلون ميزان القبان الذي يفصل في التصويت.

وفازت لوائح التغيير بمقعدين في دائرة بيروت الأولى لكل من بولا يعقوبيان وسينتيا زرازير، كذلك في دائرة بيروت الثانية حيث فاز كل من إبراهيم منيمنة وملحم خلف. وفاز المرشح ميشال الدويهي في زغرتا، فيما أعلنت الماكينات الحزبية فوز رامي فنج في مدينة طرابلس، بإنتظار إصدار النتائج الرسمية.

أما في الجنوب فقد نجحت لائحة التغيير بخرق لائحة الثنائي الشيعي، بمقعدين، فاز بهما فراس حمدان والياس جرادة، في مقابل خسارة مدوية مني بها مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، المدعوم من حزب الله والمقرب من النظام السوري، إضافة إلى خسارة المرشح مروان خير الدين الذي أثار ترشحه على لائحة الثنائي الشيعي، جدلا شعبيا لكونه صاحب أحد المصارف اللبنانية، المتهمة باحتجاز أموال اللبنانيين.

خسارة حلفاء حزب الله ولاسيما المحسوبين على النظام السوري، انتقلت من الجنوب إلى البقاع الغربي، وذلك مع خسارة المرشح إيلي الفرزلي لمقعده النيابي، بعدما كان نائبا لرئيس مجلس النواب اللبناني.

أما أبرز الخاسرين، والذي يعتبر من رموز النظام السياسي اللبناني، وزعيم من زعمائه الطائفيين، كان طلال أرسلان، وهو الآخر حليف قريب لحزب الله على الساحة الدرزية، ومقرب جداً من النظام السوري، ويمثل حضوراً عائليا تاريخيا في البرلمان اللبناني. كذلك الأمر بالنسبة إلى المرشح الدرزي وئام وهاب، المقرب من النظام السوري وحزب الله، حيث خسر هو الآخر، بينما سجل أكبر فوز للوائح التغييريين على تلك الدائرة، بـ 3 مقاعد، جاءت من نصيب حليمة قعقور، مارك ضو، ونجاة صليبا.

وفي هذا السياق يعتبر الخبير الانتخابي كمال فغالي أن نتائج الانتخابات النيابية  جاءت كما التوقعات، “فيما عدا خسارة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان، أما عدم فوز الوزير السابق وئام وهاب فكان متوقعاً حيث ركز الحزب الاشتراكي معركته على هذا الهدف”.

دائرة صيدا- جزين هي الأخرى، حملت فوزاً ثلاثياً لمعارضي أحزاب السلطة الحاكمة في لبنان، حيث فاز كل من أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، وشربل مسعد.

ويرى مخيبر أنه “كان من الواضح أن هناك توجهاً لدى الناخبين للتصويت للمعارضة وإن كان حجم التصويت أقل من المتوقع، وقد تمكنت قوى التغيير من الخرق في أكثر من دائرةأثبتت فيها قوى المعارضة ثقلها وحضورها، ولو كان لديها تنظيماً أكبر وتوحدت في اغلب الدوائر لكانت تمكنت من قلب الطاولة من المرة الأولى”.

من جانبه وصف الكاتب والمحلل السياسي مكرم رباح نتائج الانتخابات بالممتازة، رافضاً استخدام مصطلح “خرق” قوى التغيير للوائح السلطة، مشيراً إلى أن “هذه القوى أخذت حصتها في التصويت الذي كان واضحاً وجيداً، والأهم من ذلك أن موقف من فاز من التغييريين جليّ من حزب الله وسلاحه ومن الصراع السياسي مع الطبقة الحاكمة”.

الأكثرية المسيحية تتبدل

ومن أبرز الملاحظات على نتائج الانتخابات الصادرة، جاء تقدم حزب القوات اللبنانية في عدد المقاعد التي حجزها، والبالغ عددها نحو 20 مقعداً، مرجحة للارتفاع بحسب الماكينة الانتخابية للقوات (تحسمها النتائج النهائية)، بعدما كان حجم كتلة القوات في انتخابات 2018 يبلغ 15 نائباً.

وبذلك يكون حزب القوات قد حجز لنفسه التمثيل المسيحي الأكبر في لبنان، متقدما على التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي لحزب الله، والذي سجلت نتائجه تراجعاً على صعيد لبنان، عما كانت عليه عام 2018، وهو ما انسجم مع الإحصاءات المسبقة التي توقعت ذلك، نظراً للنقمة الشعبية الكبيرة على التيار وما نتج عن فترة امساكه بالسلطة اللبنانية ورئاسة الجمهورية، أو ما يسمى لبنانياً بـ “العهد”.

بينما تقاسم كل من حزب الكتائب اللبنانية، وحزب المردة، ومجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية المستقلة باقي المقاعد المسيحية، إلى جانب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

وتعتبر هذه النتيجة طبيعية، لكون معركة الانتخابات الأساسية دارت، بحسب مخيبر، بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية” “حيث تركز التجييش الطائفي، وفي النهاية تمكنت هاتان الجبهتان من حصد أكبر عدد من المقاعد ورغم ذلك لم يعد هناك أكثرية بيد أي فريق، لذلك هناك حاجة للتعاون بين جميع الأطراف على أكثر من مستوى”. مشدداً أن “الأهم من نتائج الانتخابات هو ماذا سيفعل السياسيون في المرحلة القادمة، فالوضع متجه نحو التأزم على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، فهل سينجحون في ايجاد الحلول”؟

مرحلة مواجهة

يركز رباح على أهمية ما أظهرته النتائج لاسيما التصويت ضد “حزب الله” في بيئته الشيعية مؤكداً أنه و”على الرغم من كل التجييش الطائفي والتحريض جاءت نسبة الاقتراع منخفضه في الدوائر المحسوبة على الحزب، وهذا الأمر انعكس سلباً عليه، وإن كان في الانتخابات الماضية يستفيد من نسب الاقتراع المتدنية لتمرير كتلته فإنه هذه المرة لم يتمكن من ذلك”.

وتطرق رباح إلى سقوط رموز النظام السوري في لبنان معتبراً أنه “بعد أن كانوا يستخدمون سلاح حزب الله ويركبون على محادل الأحزاب الانتخابية جرى تأديبهم، فظهر اليوم أنهم لا يمثلون أحداً، فالشعب الذي يواجه حزب الله يواجه أيضاً النظام السوري الذي لم يعد لديه وجوداً في لبنان”.

على المقلب الآخر، يرى الصحفي والكاتب السياسي غسان جواد أن “الثنائي الشيعي” حافظ بالدرجة الأولى على عدم اختراق مقاعده الشيعية، وحقق أرقاماً مضاعفة عشرات المرات عن خصومه بحسب النتائج.”

وبالنسبة إلى التيار الوطني الحر يقول جواد ” كما قال جبران باسيل أنه لم يكن يواجه في الداخل فقط وإنما كان يواجه ماكينة ضخمة في وجهه من الداخل والخارج حيث بذلت جهود دولية لإسقاطه ودفعت أموال ضخمة في وجهه، ولكن مع ذلك خسر التيار الوطني من مقاعده، ولكن لا يمكننا ان نسميها هزيمة ساحقة، وعلى الرغم من تراجعه سيبقى في الحياة السياسية اللبنانية بكتلة وازنة وميثاقية ذات تمثيل مسيحي وشعبي.”

لا ينفي جواد أن ثنائي “حركة أمل وحزب الله”، كان يرغب في خسارة حزب القوات اللبنانية للانتخابات النيابية، وذلك “ليتمكن من فرض تسوية في البلد، مع الداخل والخارج، لاتؤدي إلى مزيد من التأزيم في الواقع اللبناني، للشروع في نهوض البلد”، حسب تعبيره.

يؤكد جواد أنه ما من أكثرية مؤكدة لطرف ضد طرف بنتيجة هذه الانتخابات، “الفارق ضئيل جدا، لا يسمح بوجود أكثرية مطلقة، لاسيما بوجود القوى التغييرية والفائزون الجدد الذين سيكونون خارج الاصطفافات التقليدية لمجلس النواب اللبناني. وبالتالي لا يمكن احتساب كل من هو ليس من تحالف الثامن من آذار بأنه في صف القوات اللبنانية وقوى ١٤ آذار.”

ويتابع حديثه لموقع الحرة معتبراً أن “ما أفرزته نتائج الانتخابات من اصطفافات بهذا الشكل، الذي لا يتجه نحو منطق التسوية والتفاهم، قد يذهب بالأمور نحو مواجهة في البلاد، فالمجلس كما بدأ يتضح في شكله، واضح أنه مجلس مواجهة، يشبه نوعاً ما مجلس نواب العام 2005، لناحية الاصطفاف الحاد في البلاد”.

وقد بدأت ملامح هذه المواجهة تتضح من خلال تصريحات الفائزين، لاسيما لناحية أول استحقاق أمام المجلس النيابي الجديد وهو انتخاب رئيس جديد له، حيث عبر رئيس حزب القوات اللبنانية في أول موقف سياسي له بعد صدور النتائج عن أنه لن يصوت لنبيه بري لرئاسة مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى لوائح التغيير، ومعها عدد كبير من الفائزين المعارضين لحزب الله والثنائي الشيعي.

كذلك سيكون أمام البرلمان الجديد بالتشاور مع رئيس الجمهورية، مهمة تسمية شخصية لرئاسة الحكومة ومن ثم منح حكومته الثقة، وهو ما يتوقع أن يحمل تأجيل وتعطيل في سياق الكباش السياسي، ما قد يعني تأخيراً في تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تبدأ مسارا اصلاحيا يتوافق مع شروط البنك الدولي لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة.

ليبقى استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أكتوبر المقبل، خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون، وهو ملف من المتوقع أن يثير انقساماً حاداً في البلاد، لا يستبعد معه أن يحل فراغ في رئاسة الدولة اللبنانية، على غرار ما جرى قبل العام 2016، حين عطل حزب الله وحلفائه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

مقاطعة الحريري محط جدل

وفيما تحسم النتائج معارك المتنافسين، مشهد واحد لم يجد رأياً حاسماً في تقييمه، وهو موقف تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري، الذي قاطع الانتخابات معلنا تعليق العمل السياسي في لبنان، وفي ذلك رهان على إظهار حجم الالتزام تلك المقاطعة، ومن خلفها إظهار حجم التمثيل الذي يحظى به “المستقبل”، على الساحة السنية في لبنان.
وعلى هذا الصعيد تفاوتت التقديرات بين الخبراء نسبة لتفاوت الالتزام بالمقاطعة بين المناطق، لاسيما ذات الثقل التمثيلي للطائفة السنية، ففي كل من طرابلس وصيدا وعكار، انخفضت نسب الاقتراع عما كان عليه عام 2018، وهو ما اعتبره فغالي برهان على أن  على أن الرئيس الأسبق سعد الحريري، وبالرغم من مقاطعته للانتخابات النيابية، “لديه مونة على جماعته وأن تأثيره لا بأس به، كون في المناطق السنية حيث كان هناك حملة لمقاطعة الانتخابات انخفضت نسبة الاقتراع”.

في المقابل يرى رباح أن “أنانية سعد الحريري ارتدت عليه بالنسبة إلى خيار المقاطعة، وعلى الرغم من أن الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة لم يستطع الحصول على عدد كبير من المقاعد، إلا أن تجييشه للشارع السني خدم الثوار عبر تحريك الركود الذي خلقه الحريري، فلولا وجود قدامى تيار المستقبل لكانت مهمة المعارضة أصعب بكثير”.

ومع اتضاح صورة النتائج، غرّد الحريري، عبر حسابه عبر “تويتر”، كاتباً “إنتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقي لدخول دم جديد الى الحياة السياسية”، معتبراً أن قرار انسحابه  “كان صائباً، هز هياكل الخلل السياسي وهو لا يعني التخلي عن مسؤولياتنا” وتابع “سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريري ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس”.

وفي هذا السياق يشدد منسّق عام الإعلام في التيار عبد السلام موسى، على أن الحريري وتيار المستقبل لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات، مشدداً على أنه “لو دعينا إلى المقاطعة لكانت نسب التصويت أدنى من ذلك بكثير، فقد تركنا للناخبين حرية القرار والاختيار، جزء قرر المقاطعة وآخر المشاركة، وجزء قرر الاستقالة من التيار والترشح للانتخاب أو الانضواء في ماكينات انتخابية”.

وشرح موسى أن ” دعوة المقاطعة أتت من جمهور المستقبل وكرّسها من خلال النسب المتدنية التي شهدتها كل الدوائر حيث ثقله، من عكار إلى طرابلس إلى بيروت والبقاع وصيدا، ما يدل على المزاج الشعبي وبالتحديد عند قاعدة

التيار التي اعتبرت أنه بغياب الرئيس سعد ليس هناك من يمثلها وبالتالي لن تصوت”.
النتيجة الأبرز لهذه الانتخابات بحسب موسى هي “تقهقر التيار الوطني الحر في المناطق المسيحية وتراجعه أمام القوات اللبنانية، ومن الطبيعي أن يدفع ثمن فشل سياسته وعهده، كما كان من المتوقع أن تخرق قوى التغيير في عدة دوائر وهذا أمر يبنى عليه”.

العبرة كما قال موسى “ليست بنتائج الانتخابات بل بما بعدها، حيث تطرح علامات استفهام حول كيفية تعامل المنتخبون مع الاستحقاقات القادمة وما الذي سيحققونه من الشعارات التي رفعوها وما الذي سيستطيعون تغييره وانجازه”؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here