قبل فوات الأوان .. كيف يستعد العالم لـ “أوكرانيا أخرى”؟

صورة جوية تظهر دبابات وآليات روسية مدمرة في مدينة بوتشا الأوكرانية

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أحدثت المساعدات الغربية فرقا في ساحة المعركة في أوكرانيا، كما اجتمعت عشرات الدول لتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية، وفرض عقوبات اقتصادية وتكاليف سياسية باهظة على روسيا.

وفيما من السابق لأوانه التنبؤ بكيفية نهاية الحرب، لكن من الواضح حتى الآن أن أداء الجيش الروسي كان “ضعيفا بشكل صادم” كما يشير تحليل منشور في مجلة Foreign Affairs الأميركية، بينما كان “الجيش الأوكراني أكبر من التوقعات بشأنه”.

ويقول التحليل إن هذا قد يسمح باستخلاص الدروس للتحضير لـ”أوكرانيا مقبلة” حيث تغزو دولة أقوى وأكبر جيشا دولة أخرى، سواء لأسباب استعمارية أو عدوانية، أو لتخليص دولة ما من نظام استبدادي.

ووفق التحليل، يحتاج قادة الدفاع الأميركيون إلى النظر في ما تعنيه النتائج في أوكرانيا، ليس فقط لكيفية تقييم واشنطن للقدرات العسكرية للخصوم في المستقبل، ولكن أيضا لكيفية استخدام الولايات المتحدة وحلفائها لتكتيكات تقويض نقاط القوة لدى هؤلاء الخصوم واستغلال نقاط ضعفهم.

وتمكنت أوكرانيا من الاستفادة من نقاط الضعف الروسية ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى المساعدة التي تلقتها من الغرب.

وتقول المجلة إن الأداء الملحوظ للجيش الأوكراني هو نتيجة مباشرة لجهود المساعدة الأمنية المتعددة السنوات التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي منذ غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

This handout video grab released by the Russian Defence Ministry on February 16, 2022, shows Russian military trucks on the way…

ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014

قيادة “مسمومة”

ووفقا لتحليل المجلة فقد ارتكبت روسيا العديد من الأخطاء قبل وبعد غزو فبراير.

وتضيف أن موسكو وغيرها من المعتدين المحتملين سيتعلمون من هذه الإخفاقات.

وتنبع العديد من أخطاء روسيا من مناخ القيادة في الكرملين.

فالقادة الاستبداديون لا يتسامحون مع المعارضة أو الأخبار غير المرحب بها، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليس استثناء لهذه القاعدة.

وكما كان واضحا في اجتماعه المتلفز مع كبار مستشاريه للأمن القومي قبل غزو أوكرانيا، خلق بوتين مناخا يخشى فيه مرؤوسوه مخالفة رأي زعيمهم أو حتى مناقشتها.

بوتين مصافحا رئيس الاستخبارات ناريشكين، الذي وصف الحكومة الأوكرانية بانها "أسوأ من هتلر"

بوتين مصافحا رئيس الاستخبارات ناريشكين، الذي وصف الحكومة الأوكرانية بانها “أسوأ من هتلر”

كان اعتقاد بوتين الأولي بأن الجيش الروسي يتمتع بتفوق ساحق وأن الأوكرانيين يفتقرون إلى الإرادة والقدرة على القتال بسرعة، وكان هذا الاعتقاد خطأ، لكن الكرملين لم يعدل نهجه.

وبدلا من ذلك، فإن “قيادة بوتن السامة وعملية صنع القرار الهشة هيأت الظروف للحملة الفاشلة للسيطرة على كييف”، وفقا للمجلة.

وتقول المجلة إن الديمقراطيات أيضا غير محصنة ضد هذه المشكلة، مستشهدة بالافتراضات الخاطئة وسوء التخطيط الذي أربك الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وتقول إن خلق مناخ قيادي لا يتم فيه التسامح مع المعارضة فحسب، بل يتم طلب رأيها أيضا مع تطور الخطط، يحسن بشكل كبير من فرص تحقيق نتائج ناجحة.

اللوجستيات

أشار تحليل المجلة إلى مثل عسكري سائد بين الجيوش المتطورة، يشير إلى أن “الهواة يتحدثون عن الاستراتيجية، بينما يتحدث المحترفون عن الدعم اللوجستي”.

وكانت الخدمات اللوجستية العسكرية الروسية في هذه الحرب غير كافية على الإطلاق.

واستغل الأوكرانيون هذا القصور، وخربوا الوحدات الأمامية وخطوط الإمداد سيئة الدفاع بينما كان الجيش الروسي يحاول الوصول إلى كييف عبر البر.

وسرعان ما نفد الوقود والغذاء والإمدادات الأساسية الأخرى من قوات موسكو.

وتقول المجلة إن هذا الفشل هو بمثابة تحذير لأي معتد مستقبلي يسعى إلى استعراض قوته عبر مسافات طويلة أو تضاريس متنازع عليها.

لقطة من فيديو نشرته وزارة الدفاع الأوكرانية لتدمير رتل عسكري روسي

لقطة من فيديو نشرته وزارة الدفاع الأوكرانية لتدمير رتل عسكري روسي

القوة الجوية

وكانت المفاجأة الأخرى هي فشل القوات الجوية الروسية في السيطرة على سماء أوكرانيا أو إجراء عمليات مشتركة بنجاح مع القوات على الأرض، على الرغم من امتلاكها أسطولا أكبر من أوكرانيا.

وأسقطت القوات الأوكرانية ما يقدر بنحو 172 طائرة روسية في الشهرين الأولين من الحرب وحدها.

ويتقيد الطيارون الروس بحقيقة أن لديهم عددا قليلا من الصواريخ الموجهة بدقة بعيدة المدى في مخزونهم، مما يعني أنهم يجب أن يعملوا في كثير من الأحيان في متناول الأسلحة الأوكرانية المضادة للطائرات.

وحتى الآن، شنت القوات الجوية الروسية في المقام الأول ضربات على أهداف عسكرية ومدنية (ساهمت الأخيرة في توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب)، في حين لم تقدم سوى القليل من الدعم الجوي القريب للقوات البرية في القتال.

وبدون طائرات الاستطلاع والضربات في الجو، يترك الجنود أكثر ضعفا وأقل فعالية.

الأسلحة التي أرسلتها واشنطن لكييف تضمنت معدات لاستهداف الطائرات والدبابات الروسية

الأسلحة التي أرسلتها واشنطن لكييف تضمنت معدات لاستهداف الطائرات والدبابات الروسية

نقص التدريب

كما بدا، وفقا للمجلة أن القوات الروسية غير مدربة تدريبا كافيا على نوع العمليات التي طلب منها تنفيذها، حيث لم تكن القوات البرية مستعدة للقتال المكثف في المدن، كما أنهم لم يكونوا مستعدين لمواجهة خصم أوكراني تعلم تكتيكات متطورة.

وأتعبت تكتيكات حرب العصابات والتخريب للآليات والمعدات المستخدمة من الجيش الأوكراني القوات الروسية.

كما أن الكمائن التي تشن على الوحدات الصغيرة أسهمت في قتل العديد من كبار القادة العسكريين الروس وتخريب وشبكات اتصالاتهم.

ضباط الصف

وأخيرا، فإن الأداء الضعيف للجيش الروسي وارتكابه المتفش لجرائم الحرب دليل على رداءة نوعية قيادته، وفقا للمجلة.

وتفتقر روسيا إلى ضباط صف محترفين، وتعتمد على مجندين يمتلكون القليل من التدريب.

الخطأ الاستراتيجي

سبب سوء تقدير بوتن تحقيق أسوأ مخاوف موسكو، حلف ناتو موحد، وأكبر، ومزيد من الدول تريد الانضمام إليه.

كما أدى الغزو إلى الالتزام بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل الدول الأعضاء الأوروبية التي كانت مترددة في السابق. والنتيجة هي حلف شمال أطلسي أقوى ونشط، بينما روسيا أضعف وأكثر عزلة.

وتعلمت أوكرانيا دروسا من الاجتياح الروسي السريع في شبه جزيرة القرم، وأصبحا كما تصفها المجلة “شوكة” لا يستطيع الدب الروسي ابتلاعها. وربما يجب أن تتعلم المزيد من الدول الصغيرة كيف يمكن للتدريب والتسليح الذكيين تمكين جيش صغير من مقاومة جيش أكبر بكثير

وتقول المجلة إن مساهمات الولايات المتحدة وحلفائها في نجاح أوكرانيا حتى الآن تقدم نموذجا يمكن تطبيقه على الصراعات المستقبلية.

وتشير المجلة بشكل خاص إلى استخدام إدارة بايدن “غير المسبوق” للاستخبارات، حيث رفعت السرية عن المعلومات في وقت مبكر من الأزمة لمكافحة الدعاية الروسية بالحقائق مما حرم بوتين من القدرة على وضع رواية كاذبة وصنع مبرر للحرب.

ومن خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الشركاء، كان لدى واشنطن وقت أسهل في الجمع بين تحالف دولي كبير وفعال، حيث تمكن حلفاؤها وشركاؤها من تطوير تقييم مشترك للتهديد.

وإذا كانت التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الولايات المتحدة قدمت معلومات استخبارية للقوات الأوكرانية صحيحة، كما تقول المجلة، فإن واشنطن عززت بلا شك “فعاليتها في ساحة المعركة، مما مكنها من إحباط التقدم الروسي واستهداف تجمعات القوات الروسية.”

والأهم من ذلك هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها حافظوا على دعمهم القوي لأوكرانيا دون إثارة حرب أوسع نطاقا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

الحرب القادمة

وتقول المجلة إن المسار المبكر لهذه الأزمة يشير إلى أن واشنطن لا يمكنها ولا ينبغي لها الانتظار حتى يلوح الصراع في الأفق للبدء في تعزيز قدرتها على منع العدوان وقدرة الشركاء المعرضين للخطر على الدفاع عن أنفسهم، وينبغي التعجيل بالمساعدة الأمنية والتركيز على توفير قدرات لا تكون استفزازية في حد ذاتها، بل تحول الشركاء الضعفاء بدلا من ذلك إلى “شوكة” يصعب مهاجمتها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here