30 عاما على اول انتخابات اقليم كوردستان.. بحث يقيّم التجربة والمستقبل

لمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لقيام حكومة اقليم كوردستان، ناقش خبراء في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” الأمريكي العلاقات الامريكية-الكوردية والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الاقليم، وطرحوا رؤيتهم لكيفية معالجة القضايا المتعلقة بمستقبل الاقليم الكوردي.

وذكر تقرير لـ”معهد واشنطن” أنه نظم منتدى سياسيا افتراضيا، لمناسبة ذكرى الانتخابات الاولى التي شهدها اقليم كوردستان، ضم الباحثين بلال وهاب وامبرين زمان وفانس سيرشوك، ونشر أبرز ما جاء في ملاحظاتهم.

بلال وهاب (باحث في معهد واشنطن، ومؤسس مركز التنمية والموارد الطبيعية في الجامعة الأمريكية في العراق – السليمانية)

اعتبر وهاب ان حكومة اقليم كوردستان، التي ظهرت في خضم أحداث عراقية في العام 1992، أصبحت تدريجيا بالنسبة الى الولايات المتحدة، بمثابة تجربة بناء دولة في الشرق الاوسط.

وقال وهاب إنه برغم الرواية الشائعة عن فكرة الكورد الضحية، فإن الوسيلة التي مارس بها الكورد السلطة خلال العقود الثلاثة الماضية، أظهرت فاعلية حقيقية، مضيفا أن حكاية الحكم الذاتي للكورد في العراق، هي قصة تعكس الحفاظ على المرونة، أيضا قصة اكتساب الفرص وخسارتها.

وذكر وهاب بان الاستقلال الكوردي انطلق من خلال غزو العراق للكويت وما تلاه من قيام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بطرد القوات العراقية، وان الكورد في ظل ضعف نظام صدام حسين، انتفضوا ضده، لكن 1.5 مليون كوردي اجبروا، في ظل المخاوف من انتقام صدام منهم، على الفرار الى الجبال، وهو ما تسبب بأزمة انسانية أجبرت واشنطن والأمم المتحدة على إنشاء منطقة آمنة في الشمال.

وتابع وهاب ان الكورد صوتوا في 19 /ايار مايو 1992، في الانتخابات الاولى لهم، مشيرا الى ان واشنطن تدخلت لانهاء اقتتال كوردي داخلي في العام 1998، كما ن القوات الامريكية المحمولة جوا انزلت بالقرب من أربيل عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق في آذار/مارس 2003.

واضاف ان سقوط صدام من الحكم، ساهم في تعزيز سلطات الكورد وحقوقهم حيث جرى تكريس الكثير منها في الدستور العراقي الجديد، مشيرا ايضا الى ان حكومة اقليم كوردستان اجرت انتخاباتها الثانية في العام 2005، ثم قامت بتصدير اول برميل من النفط عبر تركيا في العام 2009.

واعتبر وهاب ان صلابة اقليم كوردستان اختبرت مرارا خلال العقد الثالث من وجوده، حيث شهد العام 2011، خروج تظاهرات احتجاجية في شوارع الاقليم، كما شكلت هجمات تنظيم داعش، تهديدا لاراضي حكومة اقليم كوردستان، في حين لا زال الاقليم يواجه تحديات حتى الان، بما في ذلك تراجع الميزانية، وانقسامات سياسية داخلية، بالاضافة الى تهديدات بشن هجمات ايرانية وبالوكالة.

امبرين زمان (مراسل بارز في موقع “المونيتور” الامريكي، ومتخصص بالقضايا السياسية وحقوق الاقليات في العراق وسوريا وتركيا)

اعتبر زمان في بداية مداخلته انه يجب الاعتراف اولا بان مصطلح “الكورد” مضلل، مضيفا ان الكورد انتشروا بين دول قومية مختلفة طوال عقود، مشيرا الى انه برغم وجود هوية مشتركة لكونك “كورديا”، الا انها اكثر ارتباطا بالفكر منها بالممارسة.

وتابع زمان قائلا ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هو احد اكثر الجماعات الكوردية نفوذا، لكن الكيان الكوردي في شمال شرق سوريا، في منافسة معه.

واضاف انه من اجل القيام بقياس لمدى نجاح حكومة اقليم كوردستان، يتحتم اجراء تقييم لما يجري بالنسبة الى الجماعات الكوردية الاخرى.

ولفت زمان الى فكرة ان الصحفيين يميلون الى التعامل مع الكورد وحكومة اقليم كوردستان بأسلوب سهل، وببعض التحيز الواضح لهم، نظرا الى المصاعب التي تعرضت لها الجماعات الكوردية عبر السنين والتي شاهدها العالم.

الا ان زمان اعتبر ان الوقت حان الوقت لتخطي هذه الرواية، مؤكدا ان الكورد لم يعودوا “ضحايا، ويجب الا يصوروا انفسهم على انهم كذلك”، مضيفا ان “الكورد شعب حازم وصامد وقدم تضحيات فادحة وكانوا، من بين الانجازات الاخرى، احد القوى المحركة في الإطاحة بصدام”.

كما لفت الباحث الى نقطة مهمة اخرى حيث اوضح انه ليس دقيقا التعامل مع العام 1991 على انه نقطة الانطلاق للعلاقات بين واشنطن والشعب الكوردي في العراق، موضحا ان هذه العلاقات سبقت التشكيل الرسمي لحكومة اقليم كوردستان، والتي “تضمنت تفاعلات وثيقة للغاية بين الزعيم الكوردي مصطفى بارزاني ووكالة المخابرات المركزية”.

وفي سياق آخر، قال زمان ان علاقات حكومة اقليم كوردستان مع تركيا، شهدت تقلبات عديدة خلال السنين، مذكرا بأن انقرة توترت كثيرا عندما ساعدت واشنطن في تعزيز قوة الكورد العراقيين في العام 1991، وهي متحمسة للتداعيات المحتملة لذلك على الكورد داخل تركيا. وتابع قائلا انه برغم ذلك، ساعدت الحكومة التركية حكومة اقليم كوردستان على ان تقف على قدميها اقتصاديا من خلال السماح لها بتصدير النفط عبر حدودهما.

واعتبر زمان ان “المشكلة الاساسية لحكومة اقليم كوردستان حاليا، هي الانقسام الكوردي”.

واشار ايضا الى ان الحكومة الكوردية تكبدت خسائر بسبب تصويت الاستفتاء في العام 2017، مضيفا ان الكورد سيتمكنون من البقاء كجماعة بسبب “مرونتهم”، الا ان بقاء حكومة اقليم كوردستان يعتمد على “ازالة الطابع الشخصي عن علاقات السياسة لكي يتمكنوا من الاستمرار الى ما بعد الزعماء الحاليين”.

وختم زمان بالدعوة الى عدم استبعاد دور روسيا في العراق، اذ انها استثمرت اكثر من 10 مليارات دولار، مشيرا الى ان الوضع معرض للتغيير عندما يتم تطبيق عقوبات بسبب الازمة الاوكرانية، والتي قد يكون لها بعض التداعيات على الكورد.

الا انه اوضح ان الاوكرانية، تعطي حكومة اقليم كوردستان فرصة للمساهمة في سد فجوة الطاقة التي خلقتها، وهو بحسب ما يقول زمان، قد يمثل “فرصة امام كافة الفصائل الكوردية للتلاقي وتعزيز الموقف الاقتصادي والسياسي لحكومة اقليم كوردستان”.

فانس سيرشوك (المدير التنفيذي لمعهد “كي كي آر العالمي”، وباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وعضو سابق في لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في مجلس الشيوخ الأمريكي)

من جهته، قال سيرشوك ان الشعب الكوردي ما زال يحظى بقاعدة كبيرة من الدعم والتعاطف من جانب الحزبين في الولايات المتحدة، وذلك برغم ان السياسيين والمواطنين الأمريكيين لا يتفهمون بالضرورة بعض الفروقات الدقيقة داخل اقليم كوردستان او في الجماعات الكوردية في اماكن اخرى من الشرق الاوسط.

وبرغم ذلك، تابع انه على المستوى النفسي، فإن الأمريكيين يميلون عادة الى حب المستضعفين، وهذه مشاعر تتعزز بسبب المصاعب التي حلت الكورد طوال عقود، مشيرا الى ان هذا التعاطف بدأ يتزايد بشكل جدي في أعقاب حرب الخليج العام 1991.

وقال سيرشوك ان الولايات المتحدة تنسحب حاليا وبشكل واسع من الشرق الأوسط، وسيصبح دورها في المنطقة مختلفا، مع تداعيات عميقة على اقليم كوردستان، مذكرا بان المساعدات الامريكية خلال السنوات الثلاثين الاولى لحكومة اقليم كوردستان، كان تاثيرها حاسما من اجل نجاح الاقليم وحمايته، الا ان بقاء الحكم مستقبلا، يعتمد على كيفية ممارسة الكورد لهذا الحكم.

واضاف انه “من المهم الإقرار بالتقدم الهائل الذي أحرزه كوردستان منذ تأسيس حكومة الاقليم”، مشيرا الى حقيقة انه بالامكان السفر الى مطار دولي في أربيل يشكل تطورا كبيرا، وان مثل هذه الانجازات وغيرها يجب الا يتم التعامل معها كأمر مسلم به، خاصة بالنظر الى الأوضاع على بعد بضع مئات من الكيلومترات فقط خارج اراضي حكومة اقليم كوردستان.

إلا أن سيرشوك لفت ايضا الى المشكلات القائمة كالمهاجرين والانقسام الداخلي والمحسوبيات وقضايا الفساد وعدم توفر فرص العمل للشباب.

وختم بالقول ان “الإشادة بإنجازات الشراكة الامريكية -الكوردية لم يعد كافيا، وأنه يجب ايضا ابداء الاستعداد لخوض محادثات شاقة حول السياسة والاقتصاد في كوردستان، والتي ليست على مسار جيد”، مضيفا ان “شعب كوردستان العراق، هو من بامكانه تغيير الديناميكية الحالية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here