الشهادة الجامعية في غزة …ورقة بلا قيمة

الشهادة الجامعية في غزة …ورقة بلا قيمة.
بقلم فاضل المناصفة
بين من فرضت عليه الظروف اكمال الدراسة في جامعات غزة لينهي المسار التعليمي الشاق بالبطالة أو اللجوء الى عالم التجارة الحرة، ومن حالفه الحظ في الحصول على منحة جامعة للدراسة في جامعة أوروبية أو عربية تقدم للمتفوقين فرصة للدخول عالم الشغل من بابه الواسع، تبرز حقيقة لا يمكن أن ينكرها عاقل وهي أن التفوق العلمي لا يمكن أن يصل الى نتيجة إذا كان الوطن لا يوفر الظروف المناسبة للنجاح ولا يعترف بمبدأ تكافؤ الفرص وإعطاء كل ذي حق حقه.
لقد القى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2007 بأوزاره على الحياة الأكاديمية في غزة ليفرغها من محتواها نظرا لصعوبة الوضع المالي للجامعات التي تعتمد في الأساس على رسوم تسجيل الطلبة لتفي بالتزاماتها الضرورة كرواتب رواتب الأكاديميين والإداريين لديها، ولم يعد بإمكانها توفير الظروف المناسبة للبحث العلمي خاصة مع تدهور البنية التحتية فيها اذ تعرضت العديد من مباني الجامعات ومنشآتها للتدمير نتيجة قصفها بالصواريخ، الشيء الذي جعل منظومة البحث العلمي متخلفة وغير مواكبة للتطور التكنولوجي، وتحولت الشهادات الى ورقة بلا قيمة في ظل رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بالعديد من الجامعات التي أنشأت في فترة الانقسام لتتضاعف مأساة العديد من الطلبة وتتبخر مجهوداتهم وليجدوا أنفسهم أمام بطالة مزمنة، توازي بين الطالب المتفوق وبياع الخضار في سوق البسطات .
وضع مزري تعرفه جامعات غزة بسبب انهيار البنية التحتية وغياب الدعم المالي الكفيل بإصلاح مخلفات المواجهات العسكرية في القطاع، ليجد الطلاب أنفسهم متكدسين في قاعة لا تصلح للتدريس وتفتقر إلى المواصفات الهندسية المطلوبة، هنا تصبح مهمة الأستاذ شبه مستحيلة لمتابعة الطلاب أو الإجابة على أسئلتهم أثناء المحاضرة أو التواصل معهم خلال الساعات المكتبية، ولذلك لا يمكن تحقيق جودة التعليم طالما أن الطالب لا يحظى باهتمام الأستاذ ولا يشعر بارتياح ولا يسمع ولا يرى بوضوح أثناء المحاضرة، فالطالب وفق المفاهيم الحديثة للتعليم هو صلب العملية التعليمية، وإهماله وعدم مراعاة ظروفه وحاجاته تؤدي الى تفريغ التعليم الجامعي من مضمونه، ليصبح تعليماً أجوفاً لا يعطي الطالب في نهاية دراسته الجامعية إلا شهادة جامعية لا قيمة لها تم يرهن الوضع الاقتصادي مصير 75 بالمئة من المتخرجين أمام حتمية البحث عن مصدر رزق حتى ولم يكن متوافقا مع تخصصاتهم ليذهب بذلك كل التحصيل العلمي سدا .
القليل من المحظوظين تمكنوا من الظفر بمنحة جامعية خارج غزة على الرغم من أن الواسطة تتدخل في الكثير منها، وسهل لهم ذلك الحصول جودة تعليم تمكنهم من التحصيل في الظروف المناسبة التي تسمح باكتساب الكفاءة و التقدم في المسار المهني، ومع توفر الفرص في العمل بنظام الساعات في العديد من الدول الأوروبية ساهم هذا في تحسين الوضع المعيشي للعديد من الطلبة كما مكنهم من المساهمة في رفع المعاناة والغبن على عائلاتهم الفقيرة من خلال ارسال بعض الإعانات المادية لها، كما تمكن الطلبة الفلسطينيون من تقديم الإضافة في المجتمعات التي التحقوا بها والتميز أمثال لؤي البسيوني الشاب الغزي الذي حصل على  منحة جزئية للدراسة في إحدى جامعات ولاية بنسلفانيا عام 1998 ، الذي اختص في هندسة الكهرباء وحصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة لويفيل عام 2004 ثم انضم  وكالة ناسا في تصميم الطائرة العمودية الخاصة بالطيران في كوكب المريخ ليكون بذلك مفخرة غزة في الولايات المتحدة الأمريكية .
ان تداعيات الوضع في غزة وانعكاساته على المسيرة التعليمية تهدد بشكل خطير محتوى التعليم العالي نفسه وبالتالي الأهداف المتوخاة والتي يقع في جوهرها تنمية وتطور المجتمع، وزيادة معارفه وحل مشاكله، بل يدفع الى تخلف المجتمع وجعله عصيا على التنمية والتطور، حتى في حال تم الخروج من الوضع الراهن مستقبلاً. فالتخلص من الآثار التدميرية الناجمة عنه بحاجة إلى سنوات كثيرة، سيما في ظل ما كرسه من حالة ضعف في مؤسسات التعليم العالي وقدرتها على القيام برسالتها في الشكل المطلوب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here