دكتاتورية العوائل

دكتاتورية العوائل :
قلم كامل سلمان
دكتاتورية العوائل ظاهرة قديمة جديدة ولكنها في السنين الاخيرة اصبحت ظاهرة شائعة وخاصة في الانظمة التي تقودها احزاب سياسية والاحزاب الدينية بحيث اصبحت هذه الظاهرة ، اي ظاهرة استحواذ افراد عوائل محددة وخاصة عوائل المؤسسين لهذه الاحزاب تتوارث العمل القيادي للحزب كما يتوارثون الارث او الممتلكات ، وتغلغلت هذه الظاهرة حتى في داخل الدول المتقدمة واحزابها السياسية ، وعندما تستحوذ هذه العوائل على المراكز القيادية في الحزب وفي أكثر الاحيان يكون هذا الحزب هو الحزب القائد للنظام القائم يصبح الحكم هو الاخر خاضع للعائلة ، فتصبح دكتاتورية تستمر لعشرات السنين وقد تستمر الى الابد مادامت العائلة الواحدة تتكاثر وتمتلك الاموال والخبرة وكثرة الاتباع ، فأينما نولي وجوهنا نجد عائلة تهيمن على حزب او مركز ديني او حتى بعض المراكز التجارية والصناعية ففي اربعينيات القرن الماضي برزت في بغداد وباقي المحافظات عوائل اشتهرت في هيمنتها على مهن واعمال معينة واصبحت هذه العوائل لها عناوين يعرفها معظم العراقيين ، لكن بعد ٢٠٠٣ م اصبحت بعض العوائل تتحكم بأحزاب وكيانات لها مد شعبي واسع . فهنا الابن او البنت او احد افراد العائلة ويحمل نفس اللقب او الاسم العائلي لا يحتاج لإثبات اعلميته او قدراته فالاسم او اللقب الذي يحمله هو جواز مرور بالنسبة له ، ولا يحتاج ان يمر بمراحل اختبار ولا يحتاج ان يبدأ كأي مستجد يتدرج في العمل الحزبي بل يذهب مباشرة الى المراكز القيادية ويحصل في التصويت على مطلق العدد مع التصفيق ، فأصبحت عندنا عوائل دينية وحزبية وسياسية وتجارية معروفة تجري وراءهم الملايين وهذه الحالة خلقت لنا طبقية اجتماعية جديدة ولكن هذه المرة محدودة بعوائل قليلة جدا لتصبح فيما بعد اقطاعيات ومافيات في نفس الوقت تسندها احزاب عريقة ومفكرين وكتاب وفنانين ومحطات اعلامية فضائية واستطاعت هذه العوائل استثمار الاجواء الديمقراطية لصالحها لتضفي الشرعية لوجودها ولتصبح عوائل خالدة تمتلك عصب الحياة الاقتصادية والسياسية والدينية ولتجعل من المجتمع مع وجود القوة الاعلامية والقوة العسكرية مادة طيعة تحت تصرف هذه العوائل التي لها القدرة على اجبار المجتمع على الطاعة والانصياع من خلال خلق وابتلاء المجتمع بأنواع المشاكل الخدمية والصحية والمعيشية لكيلا يصحو هذا المجتمع في يوم من الايام ويثور ضد هذه الاقطاعيات والاكثر من كل ذلك ان افراد تلك العوائل بمرور الزمن ينالون القدسية والرمزية .
ان فكرة تأسيس الاحزاب السياسية هي أسوأ وأقذر فكرة في تأريخ الإنسان ، فالاحزاب في حقيقتها عصابات منظمة واسعة تعمل بإطار ايدلوجي وتستخدم المثقفين في تطبيق اهدافها وهي من العوامل التي ادت الى تحطيم معظم المجتمعات السليمة . بنظرة سريعة للمجتمعات التي تكثر فيها الاحزاب السياسية او حتى القليلة منها تشاهد بوضوح الفساد والمحسوبية والارهاب والجريمة . وان جميع الوجوه المنتمية للأحزاب السياسية تخيل لأنفسها بإنها طبقة مثقفة ومؤثرة في عقليتها الثقافية والسياسية ولكنها بنفس الوقت لا تفارق السلاح والاغتيالات المنظمة وتحسب مخافة الناس هو احترام وتبجيل ، هذا هو حال المجتمعات المبتلية بالعوائل السياسية او الحزبية ، مصيرها يرتبط بمصير هذه العوائل ، وتصبح هذه العوائل بما فيها الدرجة الثانية والثالثة من القرابة قوة مخيفة وحتى الحاشية التي تخدم في بيوتها لهم سلطة على باقي الناس .
تأسيس الاحزاب السياسية اعطت فرص تأريخية لكثير من العوائل لتصبح المالك الشرعي لهذه الاحزاب ومن خلال تلك الاحزاب أصبحت هذه العوائل امبراطوريات تتحكم بالمال والقرار ، وكانت للديمقراطية اعادة الحياة لبعض العوائل التي كادت ان تموت . فكل شيء اليوم خاضع لسلطة العوائل ، وهذا تعويض معاصر عن سلطة العشيرة دون الحاجة الى تأسيس المافيات الاجرامية فهذه الاحزاب بوجود تلك العوائل ووجود شعبة الاغتيالات ووجود المفكرين والكتاب والاموال يمكن ان تحقق مالم يستطيع تحقيقه الحاكم الدكتاتوري . ويبقى الشعب هو الضحية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here