الشرف جريمة لا تغتفر في السويد

إيهاب مقبل

إعتبارًا من الأول من يونيو حزيران الجاري 2022، يمكن أن يؤدي منع المراهقين الأكبر سنًا من حرية اختيار أصدقائهم أو منعهم من ممارسة الجنس أو منعهم من إرتداء ملابس معينة أو منعهم من السباحة مع الجنس الآخر أو أبعد وضع شروط علنية أو غير علنية للفتاة بأن تكون عذراء قبل الزواج أو منعها من اختيار شريك حياتها حتى لو كان شريكها من ديانة أخرى، إلى الحبس في السجون السويدية لمدة لا تقل عن عام واحد كحد أدنى وست سنوات كحد أقصى بتهمة ارتكاب «جريمة شرف».

يركز القانون السويدي الجديد على المراهقين الأكبر سنًا، ذكورًا وإناثًا، والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا، على إعتبار أن القانون السويدي يحظر في الأساس ممارسة البالغين للجنس مع المراهقين بأعمار تقل عن 14 عامًا. وهكذا، فإن تركيزهم ينصب بالمقام الأول على العلاقات الجنسية عند الحديث عن «ثقافة الشرف». ومع ذلك، يبدو أن القانون الجديد قدْ يشمل بدرجة أقل المراهقين ما دون 14 عامًا فيما يتعلق بمنعهم من اختيار الملابس أو منعهم من حضور دروس السباحة المشتركة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تركز السويد بصورة خاصة والبلدان الغربية بصورة عامة على موضوع «ثقافة الشرف»؟! وهل يرتبط هذا المفهوم بالعرب والمسلمين تحديدًا دون غيرهم؟

في البداية، تُعرف دائرة السجون والمراقبة السويدية مصطلح «ثقافة الشرف» على أنه نظام يلعب فيه الشرف والسمعة دورًا مهمًا. وغالبًا ما يكون الفرد في هذا النظام خاضعًا لشرف الأسرة والأقارب والمجموعة التي ينتمي اليها، بحيث يُنظر إلى الفرد على أنه مُلزم بأخذ سمعته وسمعة أهله ومجموعته في الاعتبار. وبدون شرف، يخاطر الفرد برفضه إجتماعيًا، وبذلك يفقد إحترامه كشخص شريف داخل مجموعته. وبمقدور المجموعة أن تستعيد شرفها، على سبيل المثال عن طريق معاقبة الفرد الذي انتهك قاعدة الشرف.

وتضيف دائرة السجون والمراقبة السويدية بأن «ثقافة الشرف» متواجدة في جميع أنحاء العالم، ولكنها أكثر شيوعًا بين الناس في المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا عبر الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وصولًا إلى شبه القارة الهندية. ومن أمثله هذه الأماكن كما تقول: «أفغانستان وباكستان والسعودية والعراق وفلسطين وسوريا والأردن ومصر وليبيا والصومال وإريتريا وألبانيا وكردستان وتركيا وإيران».

ومن خلال تعريف دائرة السجون والمراقبة السويدية يظهر جليًا أن الغرب ربط مفهوم «ثقافة الشرف» بالعرب والمسلمين تحديدًا. ولذلك حذّرت عدة هيئات من أن القانون الجديد قدْ يؤدي إلى التمييز.

وكتبت محكمة أوميو أن هناك خطرًا من أن يُحاكم الاشخاص من «أصل معين أو دين معين» بشدة أكبر من «السويديين العرقيين» على الأفعال نفسها، وذلك لأن القانون السويدي الجديد يستهدف العرب والمسلمين تحديدًا دون غيرهم على الرغم من تدخل السويديين العرقيين في حياة أبنائهم «دون دافع الشرف» أو بتعبير أدق تحت مُسمى «السلطة الذكورية».

وإذا كانت حجة هؤلاء القوم من ربط مفهوم «ثقافة الشرف» بالعائلات العربية والمسلمة بدافع الحد من عدد «جرائم الشرف» المُرتكبة، فإن عدد «جرائم الشرف» في السويد لا تزيد عن 13 جريمة كل عام حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2020، بينما يبلغ عدد جرائم القتل التي يرتكبها سويديون عرقيون ضد زوجاتهم بدافع الغيرة أو الأنفصال «السلطة الذكورية» أكثر من 15 جريمة كل عام حسب إحصائية جامعة أوبسالا لعام 2021. وبذلك يتبين أن «هناك مبالغة مفرطة ونوايا سيئة في الغرب عند ربط مفهوم ثقافة الشرف بجرائم الشرف، فلا يمكن تعميم حالات قليلة شاذة لا يُقاس عليها على ثقافة برمتها!».

تتضمن ثقافة الشرف عند العرب والمسلمين بأنه لا ينبغي إهانة النساء من قبل الرجال، بل المحافظة عليهن في جميع مجالات الحياة. كما يتوقع من الرجال أن يكونوا أكثر شهامة تجاه النساء، في الأقوال والأفعال.

وعلى الرغم من أن صفات ثقافة الشرف مُرتبطة عمومًا بالرجال، إلا أن النساء يحملن نفس هذه الصفات. وبما أن المرأة تلعب دورًا كبيرًا في عملية التنشئة الإجتماعية لأطفالها، فحينها تكون بمثابة الناقل لهذه الثقافة إلى أطفالها: «لا تكذب، ولا تسرق، ولا ترتشي، ولا تخون، ولا تزني».

هنا تحديدًا يقول الغرب بان «الزانية شريفة»، وفي حال معارضتك الزنا فأنت «لست شريفًا»، وتستحق الحبس وسبي أطفالك ونسائك أمام عينيك، كدليل يشهد على جهلهم وسوء أخلاقهم ونواياهم السيئة في ضرب نواة الأسرة وهي المرأة، وذلك بهدف تفكيك الأسر العربية والمسلمة لضمان إندماج الأطفال والمراهقين في ثقافتهم: «الثقافة الغربية المُنحلة». وبذلك، يمكن القول أن من أكبر مصائد الغرب ربط ثقافة الشرف بالعلاقات الجنسية فقط.

هم يقتلون العفة والطهارة لكي لا يكون العرب والمسلمين قدوة للأخرين، وذلك لإن الإسلام منذ بزوغ فجره الذي ابتدأ برجل واحد، وهو مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، لم يعتمد على قوة مادية، إنما كانت قوته الروحية وراء انتشاره السريع وانتصاره العجيب على قوى الشر وإمبراطوريات الفساد.

وأخيرًا تقول ثقافتنا، ثقافة الشرف، والتي نعتز ونتمسك بها كعرب ومسلمين، أن «الزاني كذلك ليس شريفًا»، ولكنهم يركزون بالغالب على النساء لتضليلهن وجذبهن لمستنقع حضارتهم الزائلة، متناسين تمامًا الناموس الكوني الذي يؤكد دومًا أن الحق لا يُهزم أبدًا مهما ضعفت مقاومته، حتى لو تنكر له الجميع.

https://www10.0zz0.com/2022/06/02/07/723979605.jpg1
https://www10.0zz0.com/2022/06/02/07/723979605.jpg

انتهى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here