عالمنا قائم على الكذب

عالمنا قائم على الكذب:
كامل سلمان
قد لا يتفق معي الكثير عندما أشير الى ان عالمنا قائم على الكذب ، ولكني سأثبت ذلك بما هو ملموس في واقع الحياة دون الذهاب الى التكهنات او التأويلات .
سنبدأ بالدين اولا ، هل الدين الموجود بين ايدينا هو نفس الدين الذي جاء به الأنبياء والرسل ، اذا كان الجواب لا ، فهذا يعني الدين الموجود عندنا هو الكذب . وان كان الجواب نعم فلماذا هذه الصراعات بين المذاهب والمدارس الدينية واحدهم يكذب الأخر ، ولماذا اصبح سقف الطموح الديني عالي جدا بعيدا عما كان يسعى اليه الانبياء ، ومتى كان الانبياء اصحاب الملايين حتى يصبح قادة الدين اليوم اصحاب الملايين ، ومتى كان الانبياء قساة وبلا رحمة كي يأتي قادة الدين ليكونوا ذا قسوة ودموية ولا تلين قلوبهم حتى للأطفال . أليس الدين رحمة للعالمين ؟
ثانيا السياسة ، وهل في السياسة غير الكذب ، لو كانت السياسة تعتمد مبدأ الصدق لما تأججت الحروب والابادة هنا وهناك ، فهل سمعت قائدا سياسيا اعترف بجرائمه وأعماله القذرة ، وهل سمعت دولة افشت اسرارها تماشيا مع الصدق وهل اعترف احد السياسين من اين امواله وممتلكاته وهل اخبرنا احدهم من اين جاءت كورونا لتقضي على ملايين البشر .
ثالثا الصناعة والتجارة ، اساسها الكذب ، دول تصنع ادوية وادوات مغشوشة وتطرحها في الاسواق بأسعار بخسة همها الارباح لإنها مغشوشة ويكذبون علينا بجودتها والتجار يروجون للبضاعة المغشوشة بالكذب لأجل الربح .
رابعا العلاقات الاجتماعية ، الجميع يظهرون محاسنهم ويخفون مساوئهم ، فهل سمعت من يظهر مساوئه وعيوبه بنفس القدر الذي يظهر محاسنه ، اكيد لا يوجد هذا الصنف من البشر ، وان فعل فأقل ما يقال عنه انه مجنون ، وهذا قمة الكذب .
الكذب موجود في المهن ، في الصحافة والاعلام ، في الحرب وفي السلام وفي جميع مجالات الحياة . وهذا الكذب يزداد تطورا مع تطور الإنسان ومع زحام ظروف العيش ويقل كلما عدنا الى الخلف ازمنة ، ورغم ذلك لابد ان نعترف بأنه ليس دائما الكذب شيء سيء ، فلو كان كذلك لما تطورت الحياة ولما تقدم الإنسان خطوة واحدة . فأنك عندما تدخل المنافسة عليك ان تخفي نقاط ضعفك وقد تضطر للكذب لكي تكسب المنافسة او المعركة وهذا كذب صريح ولكنه ضروري ومشروع .
الكذب يمكن ان يحول الحياة الى جحيم لا يطاق ، عندما تفقد الثقة بالناس ولم تعد تصدقهم ، ستشك في كل شيء ، ستأخذ الحذر من كل شيء ، سيتسلل انعدام الثقة الى الدائرة القريبة من الأقارب ، سيصبح اصحاب الحيلة الذكية هم قادة المجتمع ، وهذا ما نراه واقعا في معظم المجتمعات ، سينحسر دور الصادقين ، سيصبح الصادقون هم المغردون خارج السرب … ولكي لا نكون اكثر تشاؤما لا ننسى ان للأوبئة والكوارث فضل كبير علينا لإنها هي من تجعلنا اقرب الى الشعور الإنساني لتعيد لنا لحمتنا وشفافية اخلاقنا وتعاود ارتباطاتنا الاجتماعية وحتى صلة الرحم ، اي ان الصدمات التي تأتينا من الطبيعة ذات الفولتية العالية ( مثل الكوارث ) هي التي تعيد لنا رشدنا وتضعنا على السكة الصحيحة لأن الصدمة بحد ذاتها تعيد الإنسان الى ذاته وتبعده عن مخلفات الواقع السيء ومنها الكذب ، وهذا طبع المجتمعات التي تنحرف كثيرا عن الصراط فأن الكي الطبيعي هو العلاج .
الكذب ليس ضرورة حياتية بل هو نتاج خبيث والصدق هو الضرورة ولكن الكذب يتسلل من خلال الضعفاء ومن خلال الخبثاء ومن الاعداء الى المجتمع لتحطيم كيان المجتمع …. الخطر الحقيقي للكذب يظهر عندما يكون قادة المجتمع وساداتهم هم الكاذبين ، و واقعنا اليوم يحمل هذه الصفة ويحمل هذه الاخطار مع أسوأ نماذج من القادة والسياسين الكاذبين ، وللأسف الكذب يتنفس الصعداء في مناطق البؤس والحرمان وقلة الثقافة والوعي ، الكذب يؤدي الى ترهل الترابط الاجتماعي وإضعاف العواطف الجميلة بين الناس ، الكذب يخترق المجتمع من خلال الحاجة والنقص ومن خلال الصراعات والكراهية . السؤال الاهم الذي يجب ان نضعه دائما امامنا لكي نتعظ ، هل وجدت كاذبا كسب السعادة والراحة جراء كذبه ؟ وهل يتصور هؤلاء اهل الكذب بإننا سنعيش الرفعة والرقي بين الامم مع استمرار الكذب في كل شيء ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here